اراء و مقالاتمقالات وآراء

غياب ثقافة السياحة في الأردن… تنتهي بالاعتذار لحمار

 

تلجأ غزلان برية بسبب الحرب والعمليات العسكرية الى الجزء الأردني من بادية الشمال. ببساطة شديدة يتحول اصطياد هذه الغزلان النفيسة والمهمة ومرتفعة الثمن الى تسلية تخص بعض الصيادين غير المحترفين.
يقتل الغزال ويسلخ ويتحول بالعشرات الى صورة على فيسبوك وبدون هدف من أي نوع.
.. ذلك مشهد يعرفه الأردنيون جيدا لا معنى له ولا ينطوي على رسالة ولا ينطلق من فكرة ويمثل صورة سيئة جدا ولا تعكس أخلاق الأردنيين وإن كانت تعكس انتهازية شريحة منه لا يضبطها حتى المجتمع ولا يلومها.
في مشهد آخر وفي ثغر الأردن الباسم بمدينة العقبة تقرر السلطة المعنية لتمتين صلابة تطبيق القانون في منطقة حرة وخاصة الاستعانة بمؤسسة متخصصة بشاشات وأنظمة المراقبة عبر البث التلفزيوني حيث كاميرات وصور تحرس القانون والأنظمة التشريعية. يدفع في مركز السيطرة الخاص بهذا النمط من المراقبة مبلغ كبير ويأتي الخبراء لتدريب الكادر المحلي. بعد فترة قصيرة يعود الخبير الذي أشرف على تركيب السيطرة لتفحص أي مشكلات في الخدمات التي قبض ثمنها.
الرجل يقيم بالخارج وحصل على عطاء التركيب والاشراف وفوجئ عند تقييم المرحلة الأولى بأن الشاشات الالكترونية المتطورة جدا المخصصة لمراقبة الشوارع وحركة الناس والميناء والحدود تحولت بقدرة قادر الى شاشات تلفزيون عادي يعرض مسلسل «باب الحارة».
طبعا لا يقف الأمر عند هذا الحد فمجموعة كلاب بوليسية أمريكية حسب سي ان إن قدمت كهدية لأغراض تفحص المتفجرات بعد أقل من أسابيع مرضت او ماتت بسبب سوء الرعاية والعناية البيطرية فيها.

كاميرات مراقبة في العقبة تتحول لتلفزيونات تبث باب الحارة

لاحقا يستفز طفل صغير يقود حمارا في منطقة السيق في البتراء جنوبي المملكة كل الخبراء والعلماء بالعلم السياحي فيجد الطفل أنه يستطيع أمام الكاميرا مناكفة سائحين أجنبيين بعدما رفضا اعتلاء حماره مقابل أجر طبعا بعملية ضرب مؤلمة للحمار أمام السياح وفي سياق المناكفة المراهقة.
ليست المشكلة فيما حصل فقط فسلوك الطفل الذي لا ينتمي لأي ثقافة سياحية في مدينة تحتل الصدارة على مستوى الكون وفيها إحدى عجائب الدنيا وهي البتراء لم يجد في الجوار من يردعه او يوقفه لأن مشهد ضرب الحمار لمناكفة سائح أصبح على الشبكة العالمية.
غريب جدا في السياق ان الطفل الموتور لم يوبخه أحد أو يلفت نظره الى سلوك شائن وغير إنساني لا أصحاب بقية الحمير من زملاء ورفاق المهنة ولا مواطن عابر أو حارس أو شرطي أو مراقب يتبع وزارة السياحة.
بعد بث المشهد تقرر جهة ما الاحتواء وبطريقة مضحكة فيبث شريط جديد لنفس الطفل وهو يعتذر لحماره.
حتى اللحظة وبعد عشرات السنين لم تكلف عبقرية وزارة السياحة نفسها عناء البحث عن وسيلة محترمة لنقل السياح في منطقة السيق بعيدا عن امتطاء الحمير التي يقال إنها تعاني الأمرين من التعب والارهاق والجوع.
يمكن ببساطة شديدة مراقبة استعراضات الشكل والأناقة والمبادرات والكلام الكبير او لكن الحمير لا تزال تستخدم مع أن من يرتزق منها من أبناء المنطقة يمكنه أن يطور أعماله ويرتزق اكثر من وسيلة مواصلات متطورة قليلا وحضارية.
بكل حال يعيدنا هذا المشهد السياحي الى فكرة الوزيرة الحالية مجد شويكة التي صدمت الأمة وليس الوطن فقط وهي تقول علنا في مؤتمر اقتصادي وسط دهشة جميع الحضور من كبار الشخصيات بان توحيد مرجعية الخدمات السياحية لا يزال يحتاج الى «ارادة سياسية». بحثت عن حائط كي أضرب رأسي به عندما سمعت هذه القصة من ثلاثة وزراء على الأقل. طبعا الوزيرة صادقة ولا شكوك فيما تقوله.

كلاب بوليسية مستوردة من أمريكا تنفق خلال أسابيع بسبب سوء الرعاية

لكن لا أعرف طريقة أخرى لطرح السؤال التالي: بلد كالأردن يعتمد تماما على الدخل السياحي فكيف للوزيرة المختصة أن لا تكون لديها صلاحيات حتى تقرر بجزئية بسيطة إداريا لها علاقة بتوحيد المراجع.
الطرفة الأكثر التي تقلب من يسمعها على ظهره هي تلك المعلومة المتعلقة بأن مشكلة ما في رجل أحد علية القوم بلغت فاتورة علاجها في دولة أوروبية نصف مليون دولار على الأقل دفعتها خزينة الدولة.. بأمانة وكمواطن أردني أحسد هذه الرجل ليس فقط لأن علاجها بالتأكيد ممكن في عمان وسط النهضة الطبية ولكن لأنها قد تكون تلك الرجل المقدسة التي تتحدث عنها الأساطير.
بكل حال نعود لما بدأناه.. تلك سلوكيات لها علاقة بالفرد الأردني وبسلوكه وثقافته وفهمه للأمور واتجاهاته.
لا يمكن ضبط سلوك فرد شائن على مستوى أفقي في المجتمع لا بقانون ولا بهيبة دولة ولا بقبضة أمنية والأمل الوحيد المتبقي أن نبدأ من الصفر مع طلاب الحضانة ورياض الأطفال قبل الصف الأول الابتدائي.
دون ذلك سنواصل رؤية جسد غزال بري مقتولا على شاحنة بدون أن يثيرنا هذا المشهد وسيعتذر أطفالنا للحمير بعد ردعهم قليلا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى