اراء و مقالات

ملف الإعفاءات الطبية في الأردن كشف عن «مشكلات الخزينة والإنفاق»

عمان – «القدس العربي»: أي قراءة لقرار الحكومة الأردنية بخصوص تحويل الإعفاءات الطبية إلى الديوان الملكي، الأمر الذي أغضب النواب، ستكون قراءة قاصرة إذا لم تأخذ في الاعتبار خلفيات القرار أساساً والصيغة التوافقية التي تم التوصل لها مع النواب لاحقاً، وأعلنت صباح أمس الاثنين.
المشهد الأهم في السياق قد يكون ذلك الذي ظهر فيه رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة تحت قبة البرلمان وهو يبرر القرار ويستعرضه، متقدماً بسلسلة إقرارات لفتت الأنظار واعتبرها خصوم، سواء من النواب أو خارجهم، أنها اعترافات تظهر ضعف الحكومة.
لكن المقصود ليس إظهار “ضيق ذات اليد والحيلة” بقدر ما هو لفت النظر إلى ما هو أبعد وأعمق من مسألة الولاية العامة، حيث لا تطبيق فعلياً وحقيقياً لمبدأ الولاية العامة دستورياً في ظل ضعف المديونية وضعف البنية المالية لخزينة الدولة، أو بمعنى أدق في ظل ضائقة مالية وعدم وجود أموال.
قيل الكثير عن التراجع المالي وما يتردد في أقرب نقطة محيطة برئيس الوزراء الخصاونة هي تلك المقولة التي تشير إلى أن يد الحكومة مقيدة تماماً بالوضع المالي.
لذا، فإن الكثير من الإجراءات والقرارات التي يستغرب الجميع عدم اتخاذ الحكومة لها أو المضي قدماً باتجاهها على بساطة بعضها، فالسبب في عدم إقرارها أو التعامل معها هو الوضع المالي. تلك رسالة تقتضي المسئولية الأدبية والوطنية عند رئيس وزراء عامل أن لا يتحدث عنها مباشرة حتى لا ينتج مساحات إضافية من التشاؤم.
وأغلب التقدير أن ما انشغل به وزير المالية الدكتور محمد العسعس طوال الأسابيع الماضية كان تحت عنوان البحث عن أي صيغة لتوفير نفقات أو لترشيد النفقات العامة ليس في الحكومة فقط لكن في أي مكان في أروقة الدولة تكون وزارة المالية مسؤولة عنه ويمكنها أن تصله.
من هنا حصراً بدأت قصة الإعفاءات الطبية من حيث ملاحظة نمو نفقاتها و”الهدر” الذي يصاحبها، خصوصاً وهي تتحول إلى “مصدر شعبويات” أساسي بالنسبة لأعضاء مجلس النواب. المعروف أن بند الإعفاءات الطبية يشهد الكثير من التجاوزات ويحصل فيه خلل فني ويسمح النظام المتبع، خصوصاً بعد تدخل النواب والضغط على الوزراء بإصدار إعفاءات طبية لحالات لا تستحقها أو لمواطنين غير فقراء أو حتى لمؤمنين طبياً على نحو آو آخر، الأمر الذي يقر نخبة من كبار المسؤولين أنه يؤدي إلى استنزاف في البند المتعلق بالنفقات الطبية.
ويفهم من ذلك أن إدارة بعض النفقات في بعض الاتجاهات انطلقت من المربع المالي الذي يخطط للحكومة، وعليه يمكن القول بأن عملية ترشيد الإنفاق في ظل ضائقة مالية من الصعب على الطاقم الوزاري أن يتحدث عنها تفصيلياً بصورة علنية بسبب حساسية مثل هذا الأمر هي العملية التي أوصلت لتقليب أوراق الإعفاءات الطبية.
وعندما وصل الطاقم للتفاصيل والبيانات، اكتشفت عملية تقصير وواسطات ومحسوبيات يمكن أن تضاعف بند النفقات. وكان القرار بأن يعود ملف الإعفاء الطبي إلى ما كان عليه في الماضي، حيث إن جهة واحدة تسيطر عليه، وقد تكون فعلاً أقدر على ضبط النفقات ومنح الإعفاء الطبي لمن يستحقه من المواطنين البسطاء أو ذوي الدخول المحدودة أو الذين لا يشملهم أي غطاء طبي، والمقصود هنا “الديوان الملكي” أو “مناورة” الاستعانة بالديوان لتقليص “هجمة النواب” على الإعفاءات وبدون إحراج الحكومة.
طبعاً وبالتأكيد، الحكومة أخفقت في الالتزام بما سبق أن وعدت به في عام 2021 تحت عنوان مشروع التأمين الصحي الشامل للمواطنين، والسبب لم يعد سراً اليوم، وهو مالي بامتياز وبالدرجة الأولى، لكن الحكومة هنا لا تريد أن تقول ذلك، ومن هنا على الأرجح ومن هذه الخلفية صدر فيما يبدو القرار الذي أثار غضب النواب؛ لأن إصدار عفو طبي هو أحد الميكانيزمات الأساسية التي تضمن لنواب البرلمان في دوائرهم الانتخابية الحد المنطقي من الشعبية أو حتى الشعبوية.
طبيعي أن تبحث الحكومة عن أي طريقة لتوفير أي نفقات في كل المجالات، وطبيعي أن يغضب النواب على قرارها. وما حصل الاثنين كان بمثابة “النتيجة المرتجاة”، وإن توصُّل الطرفين يبقي الإعفاءات الطبية في حضن الحكومة، على أن يخصص “كوتا” لكل نائب بمعدل “10 إعفاءات شهرياً”، وتبقى إعفاءات أمراض السرطان والقلب مفتوحة.
وهنا تصل الحكومة لما تريده، ويحصل النواب في إطار بروتوكول متفق عليه على بعض مما يريدونه، وتتم معالجة مظاهر الخلل والتقصير الإداري حسب المأمول رغم أن حزب الميثاق تحديداً كان الوحيد الذي اقترح علناً “إعلان أسس واضحة للجميع في استحقاق الإعفاء الطبي”.
وبالتأكيد وصلت عملية ترشيد الإنفاق إلى المفصل المتعلق بهدر عشرات الملايين من الدنانير على إعفاءات طبية من الصعب السيطرة عليها حكومياً، لأن السلطة التنفيذية تخضع عملياً لابتزاز سياسي شرعي أحياناً من جهة النواب.
وعليه، كان الخيار بالعودة إلى الآليات الصارمة والإدارية وإلى حد كبير المنصفة والسريعة، وجازف رئيس الوزراء بالإعلان عن وجود خلل بإظهار الحكومة أنها لا تتخذ الإجراء الإداري الذي يضمن فلترة الأخطاء والإشراف عليها، لأن العامل النيابي والبرلماني له دور أساسي في هذا الاتجاه. ويفترض في المحصلة أن الحكومة حصلت على ما تريد، لكن الفلترة ووقف التجاوزات الهادرة للمال العام كانت وستبقى في سياق واجباتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى