اراء و مقالات

الأردن: خمس حقائق بعد «الفتنة»

لا نضرب بالمندل ولا نخترع الصاروخ أو العجلة عندما نقول: آن الأوان لجردة حساب وطنية مهنية موضوعية تسمح لجميع الأطراف بالاستثمار في الرؤية الحكيمة التي تعاملت مع صدمة الفتنة الأردنية الشهيرة، ولصالح العمل بالضرورة اليوم على وصفة ومقاربة تعفي الأردنيين قيادة وشعبا من أي سيناريو لاستنساخ فتنة جديدة مستقبلا.
بالتأكيد وقبل كل شيء نصفق للأيادي والعقول الحكيمة التي أدارت دون انفعال أزمة قال الجميع في شهر نيسان – إبريل الماضي أنها صدمت وجدان الأردنيين، لا بل فصمتهم وجرحت أو خدشت روحهم المعنوية. باختصار ثمة خمس حقائق إن شاء البعض اليوم في مرحلة ما بعد الفتنة.
الحقيقة الأولى: طي صفحة تلك الفتنة الموجعة المؤلمة، يتطلب وقائيا بعد وضعها في متحف الذكريات قراءة درسها جيدا وبعمق، والعمل على تغيير البيئة والظروف التي قادت إليها أو تسببت بها عمليا .. دون ذلك تكون الفتنة قد أصابتنا في الروح كأردنيين ولا نزال دون حالة التعافي والشفاء الحقيقي، فكل ما تسبب بتلك الفتنة أو خدمها على أي نحو وبأي صيغة علينا أن لا ننكره اليوم حتى نتجنبه مستقبلا.
الحقيقة الثانية: واجب وطني الوقوف اليوم على محطة السؤال التالي: كيف لمن أدار ملف الفتنة تنفيذيا قبل حصولها أن يدير مرحلة التعافي والتشافي منها لاحقا ؟
سمعنا بأن بعض ما رصدناه وأوجعنا مؤخرا من تذبذب علاقات بلادنا مع دول شقيقة مهمة لا يزال ضمن «ظلال الفتنة» وهو وضع أدعى للبقاء في حالة استنفار وجاهزية ووقاية، تبدأ من عند التدقيق في كيفية إدارة ملف الفتنة نفسه وكيفية تصرف الطاقم خلافا طبعا للعمق في «الأسباب».
التعافي هنا قد يشمل إعادة تقييم بعض الأدوات الوظيفية في المستوى السياسي والإعلامي أو الدبلوماسي المسؤولة عن «سوء الإخراج والسيناريو».
في الحقيقة الثالثة مزاج الإقصاء يمكننا بصراحة القول اليوم بأنه من مسببات الفتنة لا يزال قائما ويمد لنا كأردنيين لسانه بين الحين والآخر، ويعبر عن نفسه بعملية تنظير قبيحة لمنهجية الإقصاء والإعتداء على الولاية العامة وبمنهجية الإقتصاص من مرحلة الاحتكام لنصوص الدستور.
وهذا الإقصاء يحاول إنتاج تجربة جديدة اليوم بعنوان حكومات الظل هو نفسه المنهاج الذي أغضب الأردنيين في السابق وأنتج الاحتقانات، وبالتالي قاد جزئيا إلى تلك الفتنة التي نأمل بأن تطوى صفحتها تماما ومرة واحدة وإلى الأبد.
نقولها بأمانة وصراحة: تجميع صلاحيات غير دستورية بيدي شخصيات نافذة تعتمد على منطق السطوة العابرة للحكومات وتستغل وأحيانا بانتهازية ثقة الدولة والنظام لكنها تسحب دوما من رصيد النظام لدى شعبه .. هذا التجميع كان من أبرز أسباب الفتنة أصلا ويعبر عن إساءة في استعمال الصلاحيات حيث لا مصلحة اليوم لأحد في بقاء منهجية الإقصاء كما كانت.
ولا مصلحة للحكومة أو للمواطن في استمرار صناعة رموز فوق الحكومات والبرلمانات ويمكنهم التحول في أي وقت ضد البلد والدولة أو التموقع في منطقة يستطيعون عبرها إنتاج المزيد من الإحتقان والصيد الجائر لكل القيم النبيلة ملكيا ودستوريا.
الحقيقة الرابعة: منطق «لا نزال في ظلال الفتنة» يعني أن الحكاية باقية ويصبح التشبث بالوقاية هنا إلزاميا أكثر بالمعنى الوطني عندما يصدر التلميح والتصريح كما فهمنا من وسائل إعلام عن الإطار الرسمي.
يعني ذلك ببساطة بأن الفتنة بصرف النظر عن رموزها أو من قيل إنهم تورطوا فيها أو لم يتورطوا قابلة للعودة واستنساخ نفسها مادامت ظلالها خصوصا خارج البلاد وبين بعض العباد لا تزال قائمة، فالأشباح يمكنها أن تأتي أحيانا بلا ظل، والظلال التي تخدش كرامة وثوابت الأردنيين معروفة للجميع، وينبغي التوقف عن سياسة إنكارها أو الإدعاء بمزاعم أنها لم تعد موجودة.
الحقيقة الخامسة: الليبراليون والمصرفيون، وجماعة الأوتقراط تحديدا، شريحة قد تكون طيبة التكوين، لا بل قد تكون منتجة وضرورية للاقتصاد والعصف الذهني أحيانا. لكن هذه الشريحة ومع الاحترام الشديد لجهدها ووفائها لا بل وولائها المزعوم لا يمكنها التصرف بالمعيار الوطني والمهني عندما تتاح لها صلاحيات التموقع في مواقع القرار وإحتكار النفوذ والسلطة.
نختلف مع الليبراليين ومجموعة «البانكرز» أو نتفق معهم .. لكن المهم أن نعلم ويعلموا بأن برنامجهم عمليا يفتقد لجوهر ومنطق الكلفة الاجتماعية وبالتالي الوطنية لما يقررونه .. نتفق أو نختلف معهم هم طيبون وأفذاذ وليسوا أشرارا ولا أصحاب أجندات، لكنهم لا يمكنهم التعبير عن هوية الشعب والنظام الوطنية والسياسية فذلك أبعد ما يهمهم أصلا.
الحقيقة هنا تقول المجرب لا يجرب وتمكين بعض أجنحة دعاة لبرلة الاقتصاد ورموز الجمع بين السلطة والمال برنامج كانت كلفته كبيرة على الدولة والناس وسبق أن جرب.
آن أوان مغادرة تلك الرماديات بمعنى العودة إلى الخلطة الدستورية الأردنية العبقرية المعروفة تاريخيا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى