الأردن… امتداد يد الحكومة إلى ما بعد جيب المواطن
حديث الحكومة مبكراً عن «الثورة الصناعية» يبدو اليوم أن لها علاقة بالثورة الصناعية في أي بلد آخر وليس الأردن
قالها لي بكل ألم وبطريقة دراماتيكية صديقي الصناعي الأردني وهو يحاول التعليق على انخفاض مستوى معيشة الناس وأوضاع الأسواق… «لم تعد المسألة متعلقة بامتداد يد الحكومة مالياً إلى جيب المواطن، بل تطورت الأمور، والمطلوب كبد المواطن».
محطة لافتة للنظر بعنوان: «أيها المواطن الأردني… المطلوب كبدك وليس فقط ما في جيبك».
حسناً، لنتأمل المشهد ونطرح بعض الأسئلة: إذا كان مستثمر صناعي مثقف مؤمن بالأردن والوطن وحريص على بقاء صناعته وعدم نقل مصالحه خارج المملكة ويعيش مستوى حياة اقتصادي فوق متوسط… يشعر بأن يد الحكومة تحاول استئصال كبده وليس ما في جيبه فقط، فما الذي يمكن أن يشعر به فعلاً وحقاً مواطن بسيط لا يملك أصلاً شيئاً في جيبه؟
قد يقول قائل بأن الفقير وضعيف الدخل أصلاً لا ضرر ولا ضرار عليه عندما يتعلق الأمر بانكماش السوق والتصعيد الضريبي، طبعاً هذه فرية مضللة وكذبة كبيرة لأن تذمر الصناعيين مثلاً سيؤدي إلى طرد موظفين بسطاء، والكساد التجاري يطال الجميع، وارتفاع سعر البنزين يرفع كلفة صيانة الحنفية في المنزل وحتى طبق قلاية البندورة.
باختصار، بالنسبة لمن لا يملك أصلاً في جيوبه إلا قروشاً يأكل فيها خبزاً ومن دون كرامة، يمكن القول بأن قطعاً أخرى من جسمه مرشحة لأن تطالها يد الحكومة خلافاً للكبد.
ورغم أن خبراتي شخصياً بالاقتصاد والمال ضعيفة، إلا أن الإصغاء للآخرين الخبراء ينطوي على مفارقات بغاية الطرافة، وينتج أطناناً من الحسرة الوطنية. مثلاً، سمعت وزير المالية عز الدين الكناكريه، وهو «يهدد» أعضاء اللجنة المالية في البرلمان بأن عوائد الخزينة من ضرائب المحروقات والسجائر تقلصت لملياري دولار.
لم يتحرك جفن صاحبنا الوزير بأي اتجاه وهو يقول بأن هذا المبلغ «قد يقل وقد لا يصمد».
الوزير لم يلتفت حوله وهو يحاول إقناعي كمواطن بأن انتشار السجائر الإلكترونية وسيارات الكهرباء «هايبرد» هو السبب في كارثة انخفاض واردات الخزينة.
ضمنياً، أفهم بأن وزارة المالية هنا تتحدث بعقلية «محاسب الشركة» أو بائع البقالة… الحكومة تريد دفع الأردنيين للحفاظ على منسوب تدخين التبغ العادي، بل زيادته من أجل زيادة واردات الخزينة الضريبية.
حسناً، إذا نفذ الوزير تهديده الضمني بجعل سعر التدخين الإلكتروني يماثل ضريبياً سعر سيجارة التبغ، أين سنصل؟
لأول مرة أسمع حكومة تحرض شعبها على «تدخين التبغ» ولا تقول إن كلفة فاتورة وزارة الصحة الناتجة عن أمراض التدخين تزيد بكثير عن تلك العوائد التي تدفع الوزير لمضايقة السيجارة الإلكترونية والتنديد بها… ذلك طبعاً على أساس أن السيجارة الإلكترونية التي يحاربها الوزير كناكريه أقل ضررا قياساً بالتبغ.
وأيضاً… ثمة مفارقة لا تقول الحكومة إن خسائرها من التبغ المهرب فقط بمئات ملايين الدنانير، وبأنها أخفقت في المتابعة والتحقيق والحد من تهريب وتزوير السجائر، وجازفت بسبب الفشل في إدارة الملف بمئات الملايين من الدنانير التي أفلتت من الخزينة بسبب «فساد ما».
الأسهل من مكافحة تهريب السجائر هو محاولة التذاكي وإقناع المواطن بأن السيجارة الإلكترونية خطر على الأمن القومي المالي.
لن أستغرب لاحقاً إذا خرج لنا مسؤول، وعلى الطريقة المصرية، لكي يقول للشعب: سنتوقف عن دفع الرواتب أو تنظيف الشوارع إذا استمر تدخين السيجارة الإلكترونية… وهنا لن يتوقف الأمر عند عبث الحكومة بـ«كبد المواطن»، بل ستتحول الحكومة إلى تجارة أعضاء بشرية، علها هنا تبيع أعضاء الشعب لكي تعوض فاقد واردات الخزينة جراء الفساد والاسترخاء والترهل.
مهم جداً تذكير وزير المالية الحالي، عدو السيجارة الإلكترونية، بأن فضيحة مطيع والتبغ الكونية ولدت وهو بموقع الأمين العام لوزارة المالية.
المنطق الحكومي البائس نفسه يطال سعر الخبز الذي قال نائب رئيس الوزراء، رجائي المعشر، إن دعمه كان سياسة خاطئة حافظت على عجز الميزانية.
وطالت جزئية السيارات الكهربائية، فلأول مرة في حياتي أسمع أو أقرأ عن حكومة تجازف بكلفة تلويث البيئة، لأن سيارات «الهايبرد» يقبل عليها المواطنون وتخفف بالتالي عائدات ضريبة المحروقات، مع أن ثقة الحكومة بدور الديزل والبنزين في رفد الخزينة بالضرائب يعني المجازفة بمخاطر وخسائر الخزينة جراء الحرص والسهر على «بقاء تلويث البيئة».
للأسف الشديد، سمعت شيئاً مماثلاً يتعلق بفوضى الطاقة وإنتاج الكهرباء وفقاً لمنطلق متكلس يعيق مشاريع الطاقة البديلة بقرار سياسي فقط، لأن شركة الكهرباء التقليدية العملاقة دفع عليها بالماضي الكثير، ولديها منشآت لا بد من تشغيلها وإدامتها رغم أن كلفة صيانتها فقط كفيلة بحل معالجة مشكلة فاتورة الكهرباء.
الحكومة لا تريد أن تغلق «دكاكينها القديمة» ولا تلحق بالعصر، وكل ما تفعله حتى اللحظة «التلذذ» في استئصال كبد المواطن، مع أن رئيسها تحدث مبكراً عن «الثورة الصناعية» وبطريقة يثبت وزراؤه اليوم بأن لها علاقة بالثورة الصناعية في أي بلد آخر وليس الأردن.