الأردن: «لا حقوق إنسان بعد الدوام الرسمي»… عبارة تثير هواجس عودة «الأمن الخشن»
«فيتو» على الدوار الرابع… وتوقيفات ثم إفراجات بالتزامن مع عيد الجلوس الملكي
تثير مظاهر الخشونة الأمنية التي تصر عليها المؤسسات الرسمية في الأردن تساؤلات وتكهنات بالجملة بعنوان وقائع الرسالة المقصودة، التي تريد الإيحاء بأن الظروف تغيرت وبأن التساهل إزاء إقلاق السلطة لم يعد خياراً كما كان المناخ في مرحلة الربيع العربي.
صعدت هذه التساؤلات مجدداً مساء الأحد وفي التوقيت نفسه الذي كانت تحتفل فيه البلاد بعيد الجلوس الملكي، حيث اعتقل الأمن 24 شخصاً على الأقل من المعتصمين أمام مقر المركز الوطني لحقوق الإنسان في العاصمة عمان بالقرب من رئاسة الوزراء. وبين الموقوفين لعدة ساعات ثلاثة مراسلين صحافيين خلال فض اعتصام بالقوة الأمنية.
رجال الأمن والدرك قرروا بأمر مباشر من الحاكم الإداري للعاصمة عمان منع الاعتصام حفاظاً على حقوق السير بالشارع ولعدم الحصول على ترخيص مسبق وبعد مواجهة حصلت بين محافظ العاصمة ومدير المركز الوطني لحقوق الإنسان الدكتور موسى بريزات. الدكتور بريزات، وهو يدير مؤسسة تعتبر بمثابة الذراع الرسمية في مجال حقوق الإنسان للدولة؛ بمعنى مؤسسة نظامية، سبق أن دافع عن حقوق المواطنين في الاعتصام أمام أبواب مؤسسته، ووجه اللوم علناً لرجال الأمن لأنهم يقمعون محاولات الاحتجاج أمام مركز معني بحقوق الإنسان.
الإثارة زادت بعدما أعلن بريزات أنه اتصل بالمحافظ سعد شهاب مطالباً بأن يسمح الأمن للمعتصمين بنشاطهم على أبواب مكاتبه، فعالجه الأخير بعبارة أثارت ضجة عندما قال: «لا حقوق إنسان بعد الدوام الرسمي». وأصبحت المسألة قابلة للتندر على منصات التواصل الاجتماعي، وحاول نشطاء في الحراك الاستثمار في المشهد والتجمع لعدة مرات أمام المركز نفسه لمضايقة السلطات والحكومة، لكن وزارة الداخلية تريد أن تؤكد لجميع الأطراف أن «قواعد اللعبة» تغيرت هذه المرة، وبأن مفهوم «الأمن العام» ليس وقته الآن.
«القدس العربي» سمعت وزير الداخلية المخضرم سلامة حماد يشرح أن التساهل في مواجهة أي محاولات للنيل من القانون غير وارد الآن حتى لو تقمصت الحراك الشعبي، مؤكداً أن الشعب الأردني لا يقبل عملياً بأن تستغل مظاهر حريات التعبير لإعاقة مصالحه ومخالفة القوانين. بمعنى آخر، يلاحظ الجميع بأن وزارة الداخلية في عهد حماد تريد أن توحي ضمنياً بـ «الوجه الخشن» في التعاطي مع المسألة القانونية ومظاهر التعبير الشعبي، ويقترح حماد نفسه هنا أن لا تتحول حريات التعبير المضمونة بكل حال والمرعية إلى حالة تسمح بالفوضى؛ لأن الظروف عموماً دقيقة. لذلك، كان النقاش حاداً طوال 48 ساعة على خلفية ما حصل أمام مقر المركز الوطني لحقوق الإنسان، حيث تواجدت قوة كبيرة من الأمن والدرك في مقابل عشرات المعتصمين الذين أرادوا توجيه رسالة.
بوضوح، يترك رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز الأمر ولا يعلق عليه، ويؤسس هامشاً ما بين تصريحات حكومته الرسمية وسلوكيات الأجهزة الأمنية التي تريد بدورها السيطرة على الإيقاع العام ووضع حد نهائي، كما فهمت «القدس العربي» لمظاهر التشنج والخشونة والحدية في الحراك الشعبي. ولا مجال للعودة لمظاهر الربيع العربي…هذه العبارة قيلت في اجتماع سيادي مؤخراً، الأمر الذي يبرر على الأقل بالمنطق الرسمي حجم الفوضى الذي ساد على أبواب المركز الوطني لحقوق الإنسان حيث خشونة أمنية وإصرار على منع الاعتصامات ثم عودة مظاهر الاعتقالات.
تم فعلاً اعتقال نحو 24 شخصاً لخمس ساعات قبل الإفراج عنهم لاحقاً بقرار سياسي. ووجه الحراكيون نقداً لاذعاً لحكومة الرزاز والوزير حماد وللأجندة التي تعود بالبلاد إلى مرحلة «الأمن الخشن». وقبل ذلك، ومساء الخميس الماضي، أغلقت السلطات الأمنية جميع المداخل والمخارج المؤدية للدوار الرابع في قلب العاصمة، ورغم عدم وجود أو رصد زخم حراكي في الموقع وحوله يبدو واضحاً أن التواجد الأمني كثيف للغاية، في رسالة تقول أيضاً بأن السلطات قررت بالتوازي عدم انطلاق موجة جديدة من الشغب والحراك باسم الدوار الرابع.
الرسالة واضحة هنا، وسلطة القرار الأمني تقدر وتقرر بأن السماح بتشكيل نواة حراكية، ولأي سبب على الدوار الرابع مجدداً، ينطوي على مجازفة لا تناسب توقيتها الأحوال الاقتصادية العامة في البلاد ولا الظروف الإقليمية والدولية. لكن السلطات تستعمل الحد الأدنى من الردع، وتفرج عن من توقفهم بعد ساعات، وتبقي في السجن موقوفين تورطوا في «إطالة اللسان» فقط من متشددي الحراك الشعبي، وتعمل بالتوازي مع أبناء العشائر. وحتى في مناسبة مثل عيد الجلوس الملكي، قررت السلطات الأمنية التأكيد على رسائلها وإعادة بثها في الأجواء وبعنوان: «لن يسمح بتجمعات حراكية على الدوار الرابع» دون أن يعني ذلك المساس بروح الاحتفالات الوطنية. يلتقط الجميع هذه الرسائل اليوم. اللافت أن حكومة الرزاز لا تقدم رسائل معاكسة، وأن الأخوان المسلمين قرروا البقاء في أبعد مسافة عن حراك الشارع المحلي، وزخم الحراك الحقيقي لم يعد بمستوى يؤهله لفرض بصماته على التوجه الأمني الجديد والواضح.