الأردن و«المستجد الأهم»: سؤال «البنية العشائرية» بالتزامن مع «انتقادات واستفسارات» السفراء الأجانب
تظهر مستجدات في غاية الأهمية والحساسية بسبب الضغط السياسي الخارجي والأزمة الاقتصادية وذلك على المشهد الداخلي الأردني من الصعب تجاهلها، ولم يعد من المنتج إنكارها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتقاط بيانات وأصوات بلغة تصعيدية على جبهة القبائل والعشائر التي تشكل أساس المكون الاجتماعي للدولة وللشارع في الأردن. هنا تحديداً بات لافتاً للنظر أن المتعطلين عن العمل الذين توقفوا عن مخاطبة الحكومة واتجهوا للديوان الملكي يمثلون مختلف محافظات المملكة.
ولفت النظر أيضاً إلى أن البيانات شديدة اللهجة الصادرة باسم حراكات أبناء القبائل الكبيرة بدأت تصدر في مكان ويتم تأييدها في مكان آخر، كما حصل تماماً مع بيان شهير صدر عن قبيلة بني حسن فتجاوب معه مسانداً بياناً صدر عن قبيلة بني عباد ثم قبيلة بني حميدة وفي المحطة الأخيرة أبناء محافظة عجلون.
التنويع الجغرافي والمكوناتي هنا ملموس ويشكل هنا ظاهرة جديدة لم تختبرها السلطات الأردنية في المستوى السياسي العميق، وحتى الأمني سابقاً، بصرف النظر عن ظهور بيانات مضادة تسحب شرعية التمثيل من النشطاء المعترضين أو المناكفين باسم العشائر والمناطق والقبائل.
اجتماعات ومشاورات عميقة لخطوات الاستدراك والتبديل أفقياً
تلك ظاهرة غير مسبوقة في إيقاع الحياة الداخلية الأردنية، خصوصاً وأن حراكات الأطراف تستخدم المفردات والعبارات نفسها في مطالبها التصعيدية وهي تبحث عن العدالة والإنصاف وتتحدث عن إسقاط النهج وتغييره، وتطالب بحل السلطتين التنفيذية والتشريعية وبإعادة الولاية العامة للحكومة والتراجع عن التعديلات الدستورية الأخيرة. كما تطالب بحكومة إنقاذ وطني، والأهم وبصرف النظر عن الحقائق والوقائع، أنها تتحدث بنفس اللهجة واللغة في ملف الفساد وعن اللصوص ونهب ثروات الدولة.
مضمون خطاب حراكات الأطراف هنا يتغذى أكثر على مخاوف البنية الشعبية والاجتماعية للأردنيين من توابع وتداعيات ما يسمى بصفقة القرن. والمطالب الكبيرة التي تعرض في أدبيات الناس اليوم من النوع الذي يصعب على أي مواطن أو مكون اجتماعي معارضته أو الاعتراض عليه.
وهو أيضاً من النوع الذي توقف حتى كبار المسؤولين عن إنكاره أو تبريره وسط خمول ملموس في الحلقات الوسيطة وصمت سلبي مطبق من نخب القرار والدولة وأزمة أدوات وفلاتر أصبحت في غيبوبة وأجهزة أمنية يتم إشغالها باليومي المؤرق وبنظام القطعة بدلاً من التركيز على الاستراتيجي العميق.
يقر سياسيون كبار تحدثوا لـ «القدس العربي» ومقربون من القصر الملكي بأن طبقة صغيرة من رموز الدولة والنظام تتميز بعدم وجود حضور ونفوذ لها في المجتمع هي التي تتولى فقط الاسترسال في إنكار الواقع وتتحدث عن منجزات هنا وهناك مع الإشارة إلى أنها نفسها الطبقة الوظيفية المحدودة التي احتكرت الوظائف والمواقع طوال عشرين عاماً. هؤلاء يتحدثون عن نجاحات واختراقات في البعد الدولي وعن مؤتمر لندن وعن تصريحات إيجابية تصدر في الخارج، لكن لا تعـكس الوقـائع في الداخـل.
العمق الأردني بالمقابل، وعلى مستوى صناعة القرار، بدأ يدرك بأن الأزمة حقيقية وتتوسع أفقياً لأن مظاهر عدم الرضا شملت شرائح وقطاعات أكبر في المجتمع، منها التجار والصناع والمستثمرون والمتقاعدون، الأمر الذي يجعل بروز توافقات على التذمر والشكوى وعلى المطالبة بتغيير النهج، خصوصاً في البنية الاجتماعية التي تشكل أجهزة الدولة وأسستها في الأصل، وبالتالي اقتراب من المناطق الحساسة جداً التي برزت فجأة في حضن المؤسسة.
وفي المقابل، ثمة مستجدات أخرى على صعيد الضجيج العام؛ فبعض المخلصين من أبناء الدولة من الذين يتم إقصاؤهم وإبعادهم يستفسرون كبقية الناس اليوم عن حجم إدراك عقل الدولة لمستوى الأزمة. وهؤلاء تحديداً توقفوا عن القيام بواجب التبرير والإنكار.
في التوازي، وفي ملمح عميق آخر وجديد، بدأ سفراء ودبلوماسيون أجانب بكثرة يطرحون التساؤلات عن مشكلات في إدارة ملفات الداخل، بما في ذلك مشكلات شبكات الطرق والنقل ومعيقات توطين الاستثمار وأسباب الترهل الإداري وضعف جدية مكافحة الفساد، بالرغم من كل الشعارات والهتافات والقنابل الدخانية الإعلامية.
استقرار السؤال في المشهد البنيوي الأردني في حضن سفير لدولة أوروبية بعد إنتاج السؤال نفسه في عقل تيارات الولاء من المواطنين- يعني بأن الوضع العام دخل في تعقيدات متراكمة ووصل إلى مسافات وزوايا حساسة للغاية، الأمر الذي أوجب الحديث في غرف القرار المغلقة اليوم عن مراجعة شاملة وجذرية لأوضاع وأداء المؤسسات وعن ضرورة وضع خطة سريعة وفعالة للاستدراك.
طبعاً، لا توجد ضمانات أكيدة بأن توضع خطة فعالة ومنتجة، لأن بعض الرموز ما زالت مسترسلة في تحذير القرار من كلفة التغيير والإصلاح، وهي تنطلق من دوافع انتهازية وشللية.
بالرغم من ذلك، الاستدراك في حالة الإدارة الداخلية الأردنية أصبح محطة إجبارية تتطلب، بعد تحديد الاحتياجات، الاستعداد لتقديم تنازلات وبعض التضحيات والعودة إلى صياغة معادلة إعادة هيكلة وبنية المؤسسات والنخب والأدوات أفقياً بدلاً من الإقامة المطولة في منطقة الأداء العمودي. كيف ومتي سيحصل ذلك؟.. الأيام القليلة المقبلة قد تجيب عن هذا السؤال.