توتر وفوضى «سلطات» في الأردن: كمين تعيين «أشقاء النواب» يقود التأزيم والرزاز «يناكف» و«يلسع» نافذين في سلطة العقبة
الرسالة التي وجهها رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز دون أن ينتبه لها كثيرون تحت قبة البرلمان، يوم أمس الأربعاء، لها ما يبررها عملياً في ظل أزمة لم تعد غامضة تعيشها الحكومة ورئيسها.
تماماً خرج الرزاز عن المألوف عندما انتقد علناً، وخلافاً لما يفعله بالعادة رؤساء الحكومات، غياب مسؤولي سلطة إقليم العقبة عن حضور الجلسات الرقابية للبرلمان. تلك عملياً سابقة يقترفها رئيس حكومة يستطيع أن ينقل للمسؤولين في سلطة إقليم العقبة توجيهات وتعليمات توقف حالة الهروب في مواجهة تساؤلات النواب وجلساتهم الرقابية.
لكن الرزاز اختار أن لا يفعل ذلك وبصورة توحي ضمنياً بأنه يحرض بعض النواب على تلك السلطة التي يعتبرها كثيرون في المستوى البيروقراطي جزيرة منفصلة عن الحكومة تديرها شبكة موظفين نافذين قد يمارسون أحياناً الغرور البيروقراطي حتى على رئيس الوزراء.
رئيس الوزراء غادر «محبطاً» بعد انتقادات القصر لقراراته
في كل حال، سلوك الرزاز في هذه المساحة تحديداً يحتاج إلى تفسير وتوضيح، خصوصاً وأن خطابه الناقد لرموز سلطة إقليم العقبة يتميز بالشعبوية بين النواب وانتهى بتصفيق حار للرجل. السؤال هو ما الذي تخفيه مثل هذه الجملة النقدية من رئيس وزراء يستطيع إخضاع موظفين في مؤسسة مستقلة بأكثر من وسيلة؟
الإجابة تحتاج إلى الحفر في الأعماق قليلاً، وفي الجانب السياسي منها ليس سراً أن غمزة الرزاز تستهدف شخصية محورية ومهمة تلعب خلف الأضواء والكواليس ويمثلها رئيس سلطة إقليم العقبة ناصر الشريدة.
لا تحتفظ ذاكرة الإعلام الأردني بخلاف أو احتكاك علني بين الرزاز والشريدة، لكن الأخير من المحظيين جداً في الطبقة العليا لكبار الموظفين، وثمة من رشحه لموقع رئيس الوزراء مرتين على الأقل.
إذا كان لذلك علاقة بجملة الرزاز النقدية فالفرصة متاحة لاستنتاج يقول بأن الرجل يوجه رسالة ليس للشريدة أو رفاقه المستحكمين في إدارة مدينة العقبة، ولكن لفكرة خلافته في هذا التوقيت، بدلالة أن الخصم الأبرز لإدارة سلطة إقليم العقبة والشريدة في البرلمان الأردني وهو النائب محمد الرياطي، ممثل المدينة نفسها، حظي بمساعدة ومساندة من بعض النواب عندما كان نجماً رئيسياً في مشاجرة تنطوي على حركة حصلت أمس تحت القبة.
الرياطي خصم عنيد لسلطة إقليم العقبة، وسبق أن التقته «القدس العربي» مرات عدة، وعلاقته بهذه السلطة متوترة، وسبق أن اشتكت عليه وحاولت مقاضاته.
هنا فجر الرياطي، أمس، سابقة لم يقترفها غيره منذ التحول الديمقراطي عام 1989، عندما استفسر علناً في جلسة رقابية عن مبلغ مليون دينار دفعت لقضاة ولممثلين لدائرة الادعاء العام من قبل سلطة إقليم العقبة العام الماضي مقابل خدمات سأل عنها الرياطي.
مجدداً يتحرش الرياطي هنا بموظف كبير هو الشريدة وطاقمه، ويسجل لأول مرة حالة استفسار نظامية ودستورية مربكة ومحرجة لأن لها علاقة بسلطة أخرى مستقلة دستورياً هي القضاء.
ذلك جديد تماماً في المشهد التشريعي الأردني، وينطوي على مجازفة، وقد ينتهي إذا ما تدحرج بإشكالات أعمق سياسياً ودستورياً.
لسبب أو لآخر، وفيما اندلعت مشاجرة على خلفية ملاحظة الرياطي بين النائبين صداح الحباشنة وزيد الشوابكة، يقرر الرزاز توجيه جملته النقدية التي لسعت سياسياً طاقم رئيس سلطة إقليم العقبة النافذ.
قبل ذلك، مهم جداً توثيق التوجيه الذي صدر مساء الثلاثاء من قبل الرزاز لنائبه الدكتور رجائي المعشر بعنوان قيادة طاقم الحكومة في جلسة الرعاء الرقابية لمجلس النواب، وعلى أساس أن الرئيس الرزاز سيغيب عن الجلسة قبل أن يفاجئ النواب أنفسهم بوجود رئيس الوزراء.
أمس الأول الثلاثاء كان عاصفاً جداً للرزاز، فالمقربون- منه من طاقمه الوزاري- أشاروا لمشاعر إحباط شخصية شعر بها بعدما نهشته فجأة كل الأطراف في الشارع ومجلس النواب وحتى في القصر الملكي، إثر اندلاع قضية تعيين أشقاء أربعة من النواب في مناصب عليا. وتردد هنا أن الرزاز غادر مكتبه بعدما انتقده الملك مباشرة منزعجاً بعد ظهر الثلاثاء، وأبلغ بأنه لن يحضر جلسة البرلمان الرقابية في اليوم التالي. لكن يبدو أنه أعاد حساباته وقرر الاستثمار في انقسام وتجاذبات النواب أنفسهم لتوجيه تلك اللسعة لسلطة إقليم العقبة.
المشهد يبدو مركباً ومعقداً خلف ستارة مؤسسات القرار الأردنية، وأوقات الرئيس الرزاز عصيبة، ومجلس النواب منفلت ويهاجم سلطة إقليم العقبة ويحتك لأول مرة بمسألة لها علاقة بسلطة أخرى مستقلة دستورياً هي القضاء. في الوقت نفسه لا يجد الرزاز وسيلة من أي نوع لتجاوز الكمين الذي رصد له في قصة تعيينات الأشقاء الأربعة للنواب. هذا النوع من الاضطراب بين السلطات يسبق في العادة عاصفة ما.