سياحة “المغامرة” أطاحت بتركيبة “الوزاري” الأردني الرزاز في مواجهة مباشرة مع “إصلاح الطائرة أثناء التحليق”
لا صوت داخل حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز في الأردن، أو خارجها يعلو على صوت تداعيات حادثة البحر الميت وتأثيراتها الشديدة على خلخلة تركيبة طاقم مجلس الوزراء، بما في ذلك ملف قانون الضريبة الذي توارى خلف الستارة أو حتى ملف الإصلاح السياسي الذي لا يعرف الجميع إلى أين سيتجه بصورة محددة في ظل إقليم مضطرب.
سيطر ملف البحر الميت على الإيقاع تماما. وثبتت تلك النظرية التي أطلقها الرئيس عمر الرزاز، يوما وعاد وشرحها في حضور “القدس العربي” عندما أشار إلى ان إصلاح أي طائرة وهي تطير مهمة معقدة.
ثبت فعلا هذا التعقيد في إنجاز أي مهمة مع تشابكات واقعة البحر الميت حيث أخطاء ومؤشرات تقصير سبقت الحادثة وحيث إدارة متعثرة مترددة للأزمة لحقت بها، مع ان الأمر يتعلق بفاجعة حقيقية مست قلوب الأردنيين ودخلت بيوتهم لأن أغلب الضحايا من الأطفال وتلاميذ المدرسة وبقيتهم من الأشخاص الذين حاولوا إنقاذهم.
هنا تحديدا يستطيع الرزاز ان يبلغ جميع الأطراف ضمنيا بالمهمة الصعبة جدا التي تواجه كل من يحاول إصلاح طائرة فيها عطب أثناء التحليق.
بدت المسألة فلسفية عندما طرح الرزاز هذا المثال في حوار مع شباب، قبل ان تتلقفه منصات التواصل الاجتماعي. لاحقا شرح لمقربين منه ان المقصود له علاقة بحجم وتراكم المشكلات وبطبيعة الورثة الثقيلة التي وضعت في أحضان حكومة سميت باسم التيار المدني وأعقبت حراك الدوار الرابع الشهير.
طوال الوقت يقول الرزاز، لأقرب الدوائر منه، ان قراءته للواقع الموضوعي تفيد ان حكومته لا تملك إمكانية تقليب الملفات والبحث عن مشاكل كبيرة وبالتالي ستنشغل في معالجة المشكلة عندما تحصل. هذا أيضا ما حصل في واقعة البحر الميت التي خلطت الأوراق وحرمت التجربة من وزيرين كان يراهن الرزاز عليهما مهنيا، لأن تهمة التقصير والمسؤولية الوطنية سبقت في الاعتبار الوطني العدالة والإنصاف والتقييم.
الرزاز فقد وزير التربية والتعليم والتعليم العالي الدكتور عزمي محافظة، وهو عالم الأحياء والطب الذي اختاره شخصيا لإكمال برنامجه في وزارة التربية والتعليم.
كما فقد وزيرة نشطة للسياحة والآثار كانت من قلائل الوزراء الذين يحفظون الدرس جيدا ولا غبار عليهم وهي الوزيرة لينا عناب. استقالت عناب من باب المسؤولية الأدبية أيضا ومن الصعب عدم اتهامها بالتقصير لأن موظفا لديهما لم يقم بواجبه في مراقبة شركة توقع عقودا خارج ترخيصها باسم سياحة المغامرة.
ورغم انها غادرت موقعها بلا تردد، إلا ان الوزيرة عناب، والتي يتردد انها عنيدة جدا، رفضت الإقرار بالتقصير وقالت انها تستقيل بسبب المناخ العام والمرحلة المؤلمة. مقربون من الوزيرة نفسها أشاروا إلى ان النظام ونخبة القرار لم يوفروا الحماية لها بعدما استهدفها نواب محافظون من النوع الذي يبحث عن امتيازات خاصة أو مناطقية.
في كل حال فقد الرزاز مقابل حادثة مؤلمة في البحر الميت حليفين قويين وبدأت الشكوك تنهش في سيناريو عدد كبير من طاقمه الوزاري وقدرات الحكومة على العمل خصوصا أثناء تحليق الطائرة، حيث مشكلات تفيض عن قدرة الرزاز ومقالات تنشر ضده برعاية مؤسسات رسمية وحيث تربص واضح من القوى المحافظة بأجندة الحكومة ورموزها.
الأهم ان الإخفاق في إدارة أزمة البحر الميت تحديدا لا يمكن إنكاره أو تبريره حتى من جهة الرزاز. وبالتالي اضطر القصر الملكي للتدخل فحسم أمر وزيرين استقالا، وقبل ذلك أظهر الانزعاج من الإخفاق في إدارة أزمة البحر الميت عندما تم تشكيل لجنة مستقلة محايدة تحقق وتدقق برئاسة القاضي المعروف والمتقاعد محمد صامد الرقاد. تشكيل تلك اللجنة بمبادرة ملكية كان إشارة أولى توحي ان المؤسسة المرجعية بدأت تضطر للتدخل خصوصا وان حكومة الرزاز لم توفق عندما قررت تشكيل لجنة وزارية للتحقيق تضم في مفارقة غير مفهومة وزراء معنيين بتهمة التقصير.
كانت تلك إشارة خطأ في التقدير من الرزاز، سبقتها إشارة أخرى حيث الاستعجال ميدانيا في توجيه اتهام لمدرسة من القطاع الخاص أرسلت الطلاب فيما سمي برحلة الموت.
اعتمد موقف الرزاز هنا بوضوح على معلومة سريعة من الوزير المستقيل المحافظة وبالتالي سجلت ملاحظة ضد الحكومة قبل ان يظهر تحقيق لجنة البرلمان وتقرير اللجنة الوزارية برئاسة نائب رئيس الوزراء الدكتور رجائي المعشر.
التركيبة اختلت في مجلس الوزراء بسب حادثة البحر الميت. والحكومة أظهرت مساحات الضعف فيها وسمحت للقوى الأخرى بالتدخل وفرض إيقاعها.
تلك نتيجة طبيعية ومؤكدة لصنف التعقيدات التي تظهر عندما يقرر أي كان إصلاح طائرة أثناء التحليق في السماء.