مقالات وآراء

صور‭… ‬فيديوهات‭… ‬تسريبات‭: ‬‮«‬محنة‮»‬‭ ‬مزاعم‭ ‬الفساد‭ ‬تتوسع‭ ‬في‭ ‬الأردن‭… ‬فوضى‭ ‬عارمة‭ ‬وإشارات‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬دوائر‭ ‬حساسة‮»‬

لا‭ ‬تنتمي‭ ‬العبارة‭ ‬الجريئة‭ ‬التي‭ ‬نشرها‭ ‬برلماني‭ ‬معروف‭ ‬وناشط‭ ‬من‭ ‬وزن‭ ‬عدنان‭ ‬السواعير‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬التنجيم‭ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬بدأت‭ ‬تلتهم‭ ‬سمعة‭ ‬المؤسسات‭ ‬عبر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬وصول‭ ‬مشتبه‭ ‬بفسادهم‭ ‬مالياً‭ ‬وسياسياً‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬دوائر‭ ‬حساسة‮»‬‭.‬
‭ ‬لم‭ ‬يكشف‭ ‬السواعير،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬المعتدلة‭ ‬في‭ ‬العادة،‭ ‬تفاصيل‭ ‬محددة‭ ‬ولم‭ ‬يتشدد‭ ‬بتوسيع‭ ‬قاعدة‭ ‬الاتهامات،‭ ‬لكن‭ ‬مبالغته‭ ‬ملموسة‭ ‬في‭ ‬التعميم‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬مفتوحة‭ ‬لكل‭ ‬رأي‭ ‬أو‭ ‬تعليق‭ ‬أو‭ ‬فكرة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬شائعة‭.‬
السواعير‭ ‬لفت‭ ‬الأنظار،‭ ‬بتغريدته‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬إلى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬المساحات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يفضل‭ ‬المزاج‭ ‬الأردني‭ ‬رسمياً‭ ‬وشعبياً‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬التحدث‭ ‬عنها‭ ‬ولكن‭ ‬عدم‭ ‬تخيلها؛‭ ‬لأن‭ ‬صورة‭ ‬الفساد‭ ‬الدرامية‭ ‬في‭ ‬مخيلة‭ ‬الشارع‭ ‬تتحدث‭ ‬بالعادة‭ ‬عن‭ ‬شبكة‭ ‬نافذين‭ ‬لديهم‭ ‬صلات‭ ‬بمسؤولين‭ ‬وموظفين‭ ‬وبرلمانيين‭ ‬وحيتان‭ ‬أسواق‭.‬
‭ ‬ولم‭ ‬تصل‭ ‬تلك‭ ‬المخيلة‭ ‬الشعبية‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬التحدث‭ ‬عن‭ ‬مواقع‭ ‬أو‭ ‬دوائر‭ ‬حساسة‭ ‬جداً‭.‬
‭ ‬طبعاً،‭ ‬يمكن‭ ‬ببساطة‭ ‬التقاط‭ ‬ما‭ ‬يؤشر‭ ‬إليه‭ ‬رجل‭ ‬منطقي‭ ‬بالعادة‭ ‬وغير‭ ‬محسوب‭ ‬على‭ ‬المعارضة‭ ‬أو‭ ‬المناكفة‭ ‬أو‭ ‬ماكينة‭ ‬النميمة‭ ‬النخبوية‭ ‬مثل‭ ‬السواعير‭.‬
‭ ‬لكن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التعليق،‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬تعرف‭ ‬سلطات‭ ‬القرار‭ ‬بأنه‭ ‬أعقب‭ ‬مسلسل‭ ‬الإثارة‭ ‬المتواصل‭ ‬بعنوان‭ ‬لعنة‭ ‬ملف‭ ‬التبغ‭ ‬والسجائر‭.‬
‭ ‬وأعقب،‭ ‬وهذا‭ ‬الأخطر‭ ‬والأهم،‭ ‬سلسلة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬واتساب‮»‬‭ ‬والـ«فيسبوك‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬فعلاً‭ ‬عن‭ ‬موظفين‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬سيادية‭ ‬وحساسة‭ ‬استغلوا‭ ‬وظيفتهم،‭ ‬حيث‭ ‬تنتشر‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل‭ ‬عبر‭ ‬مجموعات‭ ‬‮«‬واتساب‮»‬‭ ‬اليوم‭ ‬بكثافة‭ ‬بين‭ ‬الأردنيين‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تبرئتها،‭ ‬بحيث‭ ‬وصلت‭ ‬النميمة‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬لم‭ ‬تصلها‭ ‬سابقاً‭.‬
ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬الأساسية‭ ‬لأجهزة‭ ‬وعقل‭ ‬الدولة؛‭ ‬حيث‭ ‬تعود‭ ‬للواجهة‭ ‬سلسلة‭ ‬أو‭ ‬موضة‭ ‬تسريبات‭ ‬الموظفين‭ ‬المتقاعدين‭ ‬للتو،‭ ‬وحيث‭ ‬مواجهة‭ ‬تصفية‭ ‬حسابات‭ ‬وعلبة‭ ‬اتهامات‭ ‬يستثمر‭ ‬فيها،‭ ‬كما‭ ‬يحصل‭ ‬دائماً،‭ ‬حراكيون‭ ‬أو‭ ‬معارضون‭ ‬أو‭ ‬غاضبون‭. ‬تتغذى‭ ‬هذه‭ ‬التقولات‭ ‬ومبالغات‭ ‬قصص‭ ‬الفساد‭ ‬والفاسدين‭ ‬واللصوص‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ينتج‭ ‬من‭ ‬مخرجات‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬إعادة‭ ‬الهيكلة‭ ‬لعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحيوية‭ ‬في‭ ‬الدولة‭.‬
‭ ‬ليس‭ ‬سراً،‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬أن‭ ‬الشارع‭ ‬الأردني‭ ‬وبعدما‭ ‬وجد‭ ‬طريقه‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬تسريبات‭ ‬مجموعات‭ ‬الذباب‭ ‬الإلكتروني‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬مجاورة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يفترض‭ ‬أنها‭ ‬صديقة‭- ‬بدأ‭ ‬يصغي‭ ‬أكثر‭ ‬لنشاط‭ ‬مفاجئ‭ ‬لمجموعة‭ ‬أشخاص‭ ‬صنفوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬باسم‭ ‬المعارضة‭ ‬الخارجية‭.‬
بعض‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وبعضهم‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬بعيدة‭ ‬مثل‭ ‬السويد‭ ‬أو‭ ‬إستراليا‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تركيا‭.‬
‭ ‬انتشرت‭ ‬مجدداً‭ ‬وتوسعت‭ ‬ظاهرة‭ ‬أشرطة‭ ‬الفيديو‭ ‬التي‭ ‬يتحدث‭ ‬فيها‭ ‬أشخاص‭ ‬لا‭ ‬ثقل‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الأردني‭ ‬عن‭ ‬وقائع‭ ‬مفترضة‭ ‬أو‭ ‬متخيلة‭ ‬لكشف‭ ‬الفساد‭.‬
‭ ‬في‭ ‬الأثناء،‭ ‬ثمة‭ ‬تفسيرات‭ ‬بالجملة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬ترتبط‭ ‬بالواقع‭ ‬إطلاقاً‭ ‬لمسائل‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬أحياناً‭ ‬بإحالات‭ ‬على‭ ‬التقاعد‭ ‬أو‭ ‬بمحاكمات‭ ‬عسكرية‭ ‬وأمنية‭ ‬أو‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بالتغييرات‭ ‬التي‭ ‬تحصل‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬قيادية‭ ‬وسيادية‭ ‬من‭ ‬الطراز‭ ‬الذي‭ ‬قرر‭ ‬السواعير‭ ‬وصفها‭ ‬بالدوائر‭ ‬الحساسة‭.‬
لم‭ ‬يسبق‭ ‬للمزاج‭ ‬الأردني‭ ‬أن‭ ‬عاش‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬التسريب‭ ‬والنميمة‭ ‬والتنابز‭ ‬وتسويق‭ ‬الشائعات‭ ‬ونسج‭ ‬الحكايات‭ ‬عن‭ ‬مظاهر‭ ‬ومؤشرات‭ ‬استغلال‭ ‬الوظيفة‭.‬
‭ ‬ولم‭ ‬يسبق‭ ‬للمزاج‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬عايش‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬في‭ ‬التسريب‭ ‬مثلما‭ ‬تعيشه‭ ‬البلاد‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬دون‭ ‬ظهور‭ ‬أي‭ ‬مبادرة‭ ‬مقنعة‭ ‬أو‭ ‬مهنية‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الاحتواء،‭ ‬وبالتوازي‭ ‬مع‭ ‬نشاط‭ ‬مريب‭ ‬لمن‭ ‬يتقمصون‭ ‬دور‭ ‬المعارضة‭ ‬الخارجية‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يوزعون‭ ‬التسريبات‭ ‬داخلياً‭.‬
‭ ‬الدولة،‭ ‬وليس‭ ‬الحكومة‭ ‬فقط،‭ ‬‮«‬‭ ‬في‭ ‬محنة‭ ‬‮«‬‭.. ‬عبارة‭ ‬قالها‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬سابق‭ ‬من‭ ‬الحرس‭ ‬المخضرم‭ ‬القديم‭ ‬أمام‭ ‬‮«‬القدس‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬يناور‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬تفسير‭ ‬لظاهرة‭ ‬تراجع‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬يسيء‭ ‬لها‭ ‬اليوم‭ ‬ويتهمها‭ ‬أولادها‭ ‬قبل‭ ‬غيرهم‭.‬
في‭ ‬مقاربات‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الدكتور‭ ‬عمر‭ ‬الرزاز‭ ‬ونخبة‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬معه،‭ ‬وأمام‭ ‬‮«‬القدس‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬أيضاً،‭ ‬ثمة‭ ‬تفسير‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مقنعاً‭ ‬ينفي‭ ‬وصول‭ ‬الفساد‭ ‬المالي‭ ‬والإداري‭ ‬إلى‭ ‬مساحات‭ ‬كبيرة،‭ ‬ويربط‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬بارتفاع‭ ‬منسوب‭ ‬الشفافية‭ ‬الرسمي‭ ‬ووجود‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬عامل‭ ‬آخر‭.‬
‭ ‬لكن‭ ‬الجميع‭ ‬يتذكر‭ ‬بأن‭ ‬الإقرار‭ ‬الرسمي‭ ‬الأول‭ ‬والأبرز‭ ‬بوجود‭ ‬شرائح‭ ‬من‭ ‬موظفي‭ ‬مؤسسات‭ ‬أمنية‭ ‬استغلت‭ ‬وظيفتها،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬برز‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬شهيرة‭ ‬وعلنية‭ ‬من‭ ‬الملك‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الثاني‭ ‬شخصياً‭ ‬إلى‭ ‬مدير‭ ‬المخابرات‭ ‬الجديد‭ ‬الجنرال‭ ‬أحمد‭ ‬حسني‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬بصمت‭ ‬مطلوب‭ ‬وطنياً‭ ‬وبجهد‭ ‬عملاق‭ ‬على‭ ‬مبادرات‭ ‬الاحتواء‭.‬
بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬شفافية‭ ‬وصراحة‭ ‬مركز‭ ‬القرار‭ ‬ومرجعه‭ ‬لم‭ ‬تلتقطها‭ ‬بقية‭ ‬مؤسسات‭ ‬الحكومة‭ ‬والدولة‭ ‬لكي‭ ‬ترد‭ ‬على‭ ‬فوضى‭ ‬التسريبات‭ ‬والفيديوهات،‭ ‬والأخطر‭ ‬أن‭ ‬الأسماء‭ ‬بدأ‭ ‬يتم‭ ‬تداولها‭ ‬بصراحة‭ ‬وبصورة‭ ‬تثير‭ ‬احتقانات‭ ‬عائلية‭ ‬وعشائرية‭ ‬ومناطقية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الوجبات‭ ‬الإعلامية‭ ‬المدسوسة‭ ‬أو‭ ‬المرسومة‭ ‬خصوصاً‭ ‬باسم‭ ‬معارضة‭ ‬الخارج‭. ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬العملي‭ ‬الدقيق‭ ‬يتمثل‭ ‬بوجود‭ ‬قرائن‭ ‬وأدلة‭ ‬على‭ ‬قنوات‭ ‬محلية‭ ‬تزود‭ ‬منتجي‭ ‬الفيديوهات‭ ‬وغيرهم‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ ‬بحيثيات‭ ‬ووقائع‭ ‬ومعلومات‭ ‬ووثائق،‭ ‬وفي‭ ‬غالب‭ ‬الأحيان‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬يتم‭ ‬تضخيمه‭ ‬وفبركته‭ ‬والإضافة‭ ‬عليه،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬وضوح‭ ‬وجود‭ ‬صراعات‭ ‬بين‭ ‬مراكز‭ ‬قوى‭ ‬متدنية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدوائر‭ ‬التي‭ ‬يصفها‭ ‬السواعير‭ ‬بالحساسة‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى