بعد «طول دماء» في غزة فقط «سلاح نواعم»… و«إسفين العربية «طاش» وسط الأردنيين.. و«أبو عبيدة» فوق الريح
ليلة لا تمحى من الذاكرة بعد «طول دماء».. زميلتنا مراسلة «الجزيرة» في رام الله جيفارا البديري، كلل الحماس بوضوح ملامحها، وهي تتحرك كالنحلة بين المحتفلين بأول دفعة أسرى. وللدقة أفرجت عنهم المقاومة.
هذه «نابلسية» تعانق الأرض وتصلي ركعتين بعد تحريرها. تلك شابة يافعة تحتفل في القدس، بعد دقائق من قرار الوزير المخبول بن غفير سرقة الحلويات من منزل والدتها. أم أسيرة وسط بناتها تزغرد لـ»القسام»، وأخرى يسألني صديق، ونحن نتابع قناة «الجزيرة»: كيف تمكنت من ارتداء راية حركة حماس في الحافلة، بعدما فتشها عسس بن غفير؟!
عجوز في عمر 101 عام تسأله جيفارا: «لماذا حضرت، هل لديك حفيد أسير؟ فيجيبها «أبدا كل الأسرى أولادي وأحفادي.. أنا فلسطيني».
سألني على شاشة التلفزيون الأردني الرسمي، الزميل النشط أنس المجالي عن «الهدنة»، فقلت «هي محصلة لصراع بين آلة عسكرية غربية أمريكية، مفلسة أخلاقيا، وبين فتية مقاتلين يمثلون قوة الحق».
الهدنة… صمود
أعجبنا الأمر أم لم: الهدنة صمود، لا بل انتصار. وحالة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، وهو يستقبل الدفعة الأولى من المحررين صمود ومحبة ووطنية وأخلاق. عنصر القسام، وهو يحمل بين ذراعيه عجوزا إسرائيلية أمام عدسة «الإعلام العسكري» انتصار.
هو انتصار، الفضل فيه فقط لأشلاء أطفالنا ونسائنا في غزة، ولا ينفع للتقليل من هيبته ما ركزت عليه لاحقا محطة «سي أن أن» الأمريكية، وهي تحاول تحليل العبارة، التي قالها الرئيس جو بايدن بعنوان «حماس خضعت للضغط وخططت لإعاقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية»! عبارة «لعوب»، تماما مثل صاحبها.
نتأمل أكثر في المشهد: يغيب تلفزيون فلسطين عن البسمة الممتزجة بالألم مع أول فوج من المتحررين.
حقا، مشهد مغرق في السريالية. كاميرتان فقط لـ»الجزيرة» حول سجن «عوفر»، ثم القدس ورام الله وأخرى فضائية متمكنة تبث فينا منذ 50 يوما باسم الإعلام العسكري من إعداد وإخراج «أبو عبيدة».
«سلاح نواعم»
دقق أحدهم في وجوه أسرانا المعذبين، وهي مرحة وتصر على تمني الخير لمن تبقى في مراكز تعذيب بن غفير، فيما أسرى العدو يغادرون بعد تسليمهم بوجوه «قلقة ومرتابة».
كدت أقسم أن مقاتل القسام، الذي كان يشرف على تسليم الأسرى الإسرائيليين، تقصد ألا تلمس يديه المتوضئة جسد أي أسيرة، فظهرت أصابعه في الهواء، فيما كانت «يد ناعمة»، هي التي تساعد الأسيرات على النزول، وقسامي ثالث يضع ملخصا طبيا في أذن طبيب.
يذكرني ذلك بالبرنامج الشهير على (أم بي سي) «كلام نواعم»، وأقترح على الإعلام العسكري برنامجا باسم «سلاح نواعم».
توقع العدو خروج أسراه من الجنوب وفوجئ بهم يغادرون من الشمال. ثمة من قام بتهريب رايات حركة حماس وعلم فلسطين إلى الحافلات، التي أشرف على طلائها بالأسود الوزير بن غفير شخصيا.
التفاصيل محكمة ومتقنة ومدرسة. أبشركم يا قوم لدينا اليوم مقاومة واعية وعميقة، وتقرأ الممحي، والأهم فيها جناح قسامي نسائي.
عموما، نشكر بن غفير، لأنه يزرع الحقد أعمق وأكثر في قلوب أجيال الآن، والصراع دوما يحتاج لجرعات من الحقد والثأر.
وحدها قناة «العربية» – كالعادة- لم تحفل كثيرا بقصة الصفقة والتبادل وما شغلها في الليلة الكبيرة نفسها هو توجيه سؤال «إسفيني» لوزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة: «معالي الوزير.. كيف قرأتم دعوة «أبو عبيدة» فقط للشعب الأردني للتضامن؟».
إسفين «العربية»
لم يقلقنا السؤال إطلاقا، بل أدهشنا أن زميلنا، وهو صحافي عريق وبقي قريبا لحماس «طبعا قبل الوزارة» تقبل الإسفين بصدر رحب، لا بل تعامل معه وتقدم بإجابة لا يمكن القول بتاتا إنها تمثل «الموقف الرسمي» أو تقترب حتى من الإيقاع الشعبي.
قال الرجل عن كلمة أبو عبيدة «أمر غير مستحب يثير التساؤلات».
«الأردن، ليس ساحة عمل» في عقيدة حركة حماس، ويعرف المعايطة أن كتائب القسام «لا تعمل خارج فلسطين».
نختلف مع الزميل في العبارات التلغيزية، التي صدرت بحق «أبو عبيدة» على شاشة «العربية»، والتي كان يمكن الاستغناء عنها.
والأجدى لنا جميعا التركيز على أن المصالح المباشرة اليوم لشعب الأردن وقيادته ومؤسساته تتطلب مصافحة «أبو عبيدة» ورفاقه، فلولا الرجل وأشلاء الأطفال والشهداء لاختار «أهل غزة» بكل بساطة «تهجيرهم» إلى أي مكان.
ولولا المقاومة لاكتشف صاحبنا أن كتلة ديمغرافية كبيرة من أبناء غزة تحملهم بدلال حاملة الطائرات الأمريكية إلى جبال عمان أو «حي معصوم» في الزرقاء.
في اختصار أبو عبيدة «فوق الريح»، بعدما خاطب العشائر الأردنية حصرا، لأنها عروبية وشريفة، والإسفين طاش ولم يحقق أهدافه.