شفافية موظفي «ديوان الملك»: أنماط خارج المألوف الأردني واشتباك مع الشائعات ورجال غامضون
العيسوي والناصر و1200 موظف وسط «معمعان» التواصل الاجتماعي
لا أحد يعرف، بصورة محددة، ما الذي كان يهدف إليه الوزير يوسف العيسوي رئيس الديوان الملكي الأردني وهو يستقبل عشرات النشطاء وإعلاميي المجموعات الإلكترونية لكي يوضح بعض المسائل الإدارية وليس السياسية، مع أن التطرق إلى الجوانب الإدارية بالرد والتعليق ممكن عبر بيان صغير الحجم.
وممكن أيضاً أن يشكل الرد على الاستفهامات والتساؤلات الإلكترونية حول كادر وعدد ودور موظفي مؤسسة الديوان الملكي بواسطة الحكومة ووزراء كان انتداب وإيفاد الموظفين دوماً في صلب واجباتهم. تلك برأي سياسيين شفافية محمودة من الصعب الاعتراض عليها.
لكن المبالغة في استقبال نشطاء وإعلاميين وعاطلين عن العمل وأصحاب حاجة بقيت دوماً من المسائل التي تثير ضجة عندما يتعلق الأمر باشتباك موظفين كبار في مؤسسة سيادية مهمة يفترض بالمنطق البيروقراطي والدستوري والقانوني أن تعفيها السلطة التنفيذية من مواجهة التفاصيل والاشتباك معها.
يجتهد العيسوي وغيره في اتجاهات معاكسة، لكن التعبير بمعناه الإعلامي المهني عن الطاقم الإداري العامل في مؤسسة الديوان تجتاحه الاحتمالات والتشويشات عندما يتعلق الأمر بعدم تحديد بوصلة واضحة واجبها يتطلب الاشتباك أو التحدث، خصوصاً أن مؤسسة ديوان الملك بقيت أبوابها مفتوحة طوال الوقت، كما اعتاد الأردنيون.
التحدث مع إعلام منصات التواصل ونشطاء الشارع في الحالة الأردنية الحالية مهمة صعبة ومعقدة ومحفوفة أيضاً بالمخاطر. وثمة من يعتقد من كبار الساسة ورموزها بأن واجب ودور بعض كبار الموظفين في مؤسسات محددة يقدرها الأردنيون، هو الصمت أكثر من الكلام، وتجنب الرد المباشر دون الغرق في التفاصيل. ويبقى مثل هذا الوضع عنصر تجاذب ونقاش، خصوصاً أن الوزير العيسوي مسؤول عن المبادرات الملكية ذات القيمة الفاعلة، واسمه كرئيس للطاقم الإداري يظهر أكثر مما ينبغي في مناسبات غير معتادة، بدلالة أنه قرر -وعبر مجموعات تواصل هذه المرة- تجاهل الإعلام الرسمي ومؤسساته والرد على ما يشاع حول وجود عدد كبير من الموظفين. نقل عن العيسوي القول بأن عدد موظفي المؤسسة التي يديرها هو 1200 موظف فقط وليس 4000 كما أشيع في مراحل عدة.
استعرض الرجل نفسه أيضاً النفقات المالية، ويبدو أن انفتاحه المفاجئ على ما يمكن تسميته بإعلام المواطن والشارع له علاقة بسلسلة لا تنتهي من التسريبات والشائعات بصرف النظر عن الخلل في تقنية وأسلوب الرد والتوضيح والشرح والتعليق، وسط موجة شائعات شعبوية بدأت تنتهك كل الخصوصيات والخطوط الحمراء التي ألفها الأردنيون في الماضي. وهي موجة لم يعد سراً أن موظفين ومتقاعدين من أجهزة الدولة، وأحياناً يمارسون وظائفهم، يشاركون في تسمينها وتغذيتها بين الحين والآخر، الأمر الذي نوقش في اجتماعات سيادية ثلاث مرات على الأقل.
غياب الحكومة
تغيب الحكومة إعلامياً، ويتحدث العيسوي في تفاصيل إدارية بعد سلسلة لقاءات مع إعلاميين وباحثين، ذات بعد مرجعي وأخفقت تماماً في نتائجها المهنية وأثارت من الفوضى أكثر مما أنتجت من إجابات في ظل إدارة الطاقم السابق للمكاتب الملكية.
اليوم يتجه العيسوي نحو سنة حميدة على الأقل في حساباته الذاتية، لكن يغيب عن الواجهة والاشتباك الإعلامي التواصلي موظفون نافذون خلف الستارة، أحدهم تنطوي تسمية وظيفته على إيحاء بأنه المسؤول عن الرواية الإعلامية باسم مؤسسة الديوان الملكي، وأحياناً القصر.
لا يعرف الإعلاميون بعد ما هو سر أو خلفية إدارة عملية انفتاح وشفافية جزئية عبر مجموعات «واتساب» و»فيسبوك» وليس عبر الإعلام التقليدي، ويبدو أن المسألة مرتبطة مجدداً باجتهاد تقني ومهني ما، من الواضح أنه انتهى بتورط عدة وزراء ومسؤولين أمنيين بتصريحات مثيرة عندما جربوه مؤخراً.
ولا أحد يعلم بعد، على الأقل بصورة وجاهية ومباشرة، طبيعة الدور الذي يقوم به المستشار برتبة وزير الدكتور كمال الناصر، الذي تشير له دوماً الإيحاءات والأصابع الإعلامية دون أي ظهور علني أو اشتباك مع الجسم الإعلامي من طراز ذلك الذي يقترحه العيسوي.
مع أن الرواية تكتمل بصورة أفضل وصيغة أنضج إذا ما شاهد الشارع والإعلام من يتحدث معهما، لأن البديل سيكون – كما حصل في الماضي – التحدث «عن» الأشخاص ما لم يتحدثوا كمسؤولين مع الناس. بكل حال، وبدون مبرر أيضاً وسط تلك الأمراض المزمنة التي تثيرها وتنتجها سلوكيات تواصل الأردنيين عبر المنصات، يصمت موظفون كبار وأنيقون، ويحصلون على رواتب رفيعة ثم يتركون الشائعات والتسريبات تنمو في المجتمع حول مؤسساتهم التي يديرونها مع الاستمرار في التواري عن الأنظار.
غبار الشارع
من الواضح والأكيد اليوم أن هذه الشريحة من الموظفين لا تريد التعامل مع غبار الشارع والإعلام والمواطن والشائعات، فتراكِم الإحباطات بالنتيجة، وتغذي التسريبات، وتتشوه صور مبادرات وطنية مهمة ونبيلة، لأن مديراً ما لا يريد التحدث أو يترفع عن الرد على شائعات الشارع، أو لأن المدير نفسه لا يريد القيام بواجبه الأساسي، وإن قرر التحدث والرد والتوضيح يفعل في وقت متأخر جداً، ويفتقد أحياناً إلى المهارة.
بسبب هذه الأنماط في إدارة الملف الإعلامي في أكثر من مؤسسة سيادية أو مرجعية أو مؤسسة اجتماعية نبيلة أو تقوم بعمل نبيل.. سادت سلبية أكثر، ونمت الشائعات والتسريبات، وتشوهت مؤسسات ومبادرات، وتراكم الإحباط، وتغذى على صمت هؤلاء الموظفون الكبار.
تلك إشكالات واضحة وملموسة اليوم تحتاج إلى قرار سياسي يوفر الغطاء لشفافية إعلامية مدروسة بعناية أكثر، وهادفة وعميقة، وتستطيع في النتيجة أن تخدم الأجندة المرجعية والرؤية الملكية، بدلاً من تيسير خدمات لأشخاص وموظفين لديهم حسابات ومصالح يتم إسقاطها في عمق تلك الشفافية وأثناء ممارستها.