اراء و مقالات

ترامب على سلم طائرة صنع «قضية أردنية»: استعادة «غزو العراق» وفرصة لتوحيد الدولة والشعب

عمان – «القدس العربي»: لا شكوك، سياسياً وشعبياً، في أن مركز القرار الأردني يعيد ترسيم لوحة المشهد الوطني عموماً في إطار توحيد الموقفين الرسمي والشعبي بصورة نادرة تجاه «قضية أردنية «هذه المرة يتبناها الجميع بعنوان علني يتصدى لحالة الابتزاز المتسارعة والمتسرعة التي طرق أبوابها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، عندما عبر علناً عن نيته تهجير مليون فلسطيني من أبناء قطاع غزة إلى الأردن ومصر.
الأهم أن ترامب باقتراحه الذي يتكثف حول ما يمكن وصفه بدهاء أو خبث عقاري، أو بما يبدو أنه نمط من «الهذيان السياسي»، هو اقتراح غير واقعي على حد تعبير الباحث والمحلل السياسي سنان شقديح، ويساهم في إنتاج وصناعة قضية توافقية نادرة للأردنيين تعيد إنتاج مشهد مهم في التاريخ الحديث عندما توحد الموقفان الشعبي والرسمي بصورة نادرة في حرب الخليج وغزو العراق.
يستدعي الأردنيون اليوم بكثافة تلك المواجهة التي انتهت مع الإدارة الأمريكية آنذاك بحصار خليج العقبة وبخسائر اقتصادية كبيرة، لكنها برأي عشرات النخب، لا تثير أي اهتمام عند الأردنيين إذا ما كان الهدف التصدي للتهجير الذي يقترح ترامب أن يبدأ في غزة دون ضمانات بأن لا يسترسل لاحقاً من الضفة الغربية.
منذ سنوات طويلة لم يرصد المراقبون في المشهد حالة يتقدم فيها خطاب وزير الخارجية على بيانات القوى الشعبية في الاعتراض والاشتباك والمناكفة.
هذا ما حصل حقاً وفعلاً خلال ساعات قليلة ماضية، عندما اضطرت القوة الأكبر والأهم في الأحزاب والشارع ممثلة بالإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي، لإصدار بيانات تعلن مساندة الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية أيمن الصفدي، بعنوان «الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين».
حتى رئيس كتلة حزب الجبهة في البرلمان القطب صالح العرموطي، أعلن مساندة الشعب الأردني لموقف الدولة الصلب مستذكراً 3 لاءات ملكية ضد التوطين وتهويد القدس والوطن البديل.
الفكرة تبدو جاذبة جداً لاجتهادات نفر من السياسيين الكبار ما داموا قدروا بأن أفضل وصفة لاحتواء الاحتقان المعيشي والوضع الاقتصادي الصعب هي تلك التي تعيد تحشيد الأردنيين خلف موقف موحد استفزهم الرئيس الأمريكي الجديد، لا بل أجبرهم على اتخاذه، بحيث تكسب في النتيجة الثوابت الأردنية المعلنة في القضية الفلسطينية.
الرئيس ترامب برأي المحلل السياسي الإسلامي الدكتور رامي العياصرة، استعرض بسذاجة مقترحاته التي تمس بالأمن القومي الأردني وهو يلاطف بعض الصحافيين على باب طائرته.
ذلك مشهد مستفز جداً لكرامة الشعبين الأردني والفلسطيني، برأي العياصرة، لا بل مشهد لا يؤسس لحالة احترام بين الدول، ويستحق ركله بكل قوة وعنفوان على المستوى الشعبي والرسمي.
تجلت صورة وحدة صف الأردنيين ضد حالة ترامب الابتزازية التي تبدو رخيصة ومتناقضة برأي العياصرة وغيره من المحللين السياسيين.
لاحقاً، لا بد من وقوف الحكومة والإدارة في المملكة عند محطة سؤال الخطوة التالية إجرائياً بعد ترسيم لوحة التوحد للموقفين، حيث مكاسب استراتيجية تعيد توحيد صفوف الشعب مع مؤسساته من الغباء والمجازفة أمنياً وسياسياً، عدم التعامل معها باعتبارها فرصة وطنية.
ما لفت النظر عملياً بعدما استفز الرئيس ترامب جميع الأردنيين ومكوناتهم بدون استثناء هو أن وزير الخارجية الصفدي لا يتحدث بعبارات غامضة ضد الوطن البديل فقط، بل يعلن في إحاطة برلمانية أن بلاده ستتصدى لهذا السيناريو.
وفي المقابل، لا يعرض الصفدي موقفاً ضد سيناريو التهجير فقط، بل يبلغ بوضوح بأن هذا الموقف ثابت ولا يتغير ومستمر، فيما أطنان من البيانات والمواقف والتصريحات تعلن الولاء لموقف الدولة ومرجعياتها في مختلف المحافظات والمخيمات والبوادي مادامت المملكة باتجاه رفع فيتو لا يقبل التفاوض في مسألة التهجير، ما يعني لأول مرة بأن أوصال المكونات الاجتماعية والمناطقية الأردنية كلها وبرمتها جاهزة تماماً لتحمل كلفة وعواقب اتخاذ هذا الموقف ضد سيناريوهات التهجير.
لذلك يقترح البرلماني العريق خليل عطية عبر «القدس العربي»، أن يمضي الشعب الأردني خلف مؤسساته وقيادته في التصدي لسيناريو التهجير والأوطان البديلة دون حتى أدنى التفاتة إلى الوراء.
يدعم عطية القول بأن المواقف التي يعلنها وزير الخارجية تستوجب الاحترام والدعم والمساندة، معتبراً أن موقف القيادة الأردنية يعبر عنه الوزير الصفدي بوضوح وشجاعة وجرأة تليق بالأردنيين شعباً وحكومة. لذا، فالواجب واضح ومحدد الآن في الانتقال من مرحلة التأكيد على الثوابت نحو ممارستها إجرائياً وشعبياً.
بالمقابل، ناشط سياسي أردني يمثل النخبة التي تشتبك سياسياً تحت عنوان التيار المحافظ وبصيغة جريئة مثل الدكتور طلال الشرفات، يعلنها بوضوح في الاتجاه المعاكس لتصريحات ترامب عندما يقول رداً على سيناريو التهجير: «قضية حياة أو موت بالنسبة للشعب الأردني».
تلك أيضاً تأكيدات لا تظهر فقط بناء قضية تمثل الأردنيين جميعاً ولا يمكن لجهة المزاودة على الموقف الرسمي بخصوصها، بقدر ما هي خطوة إلى الأمام باتجاه فرصة وطنية عميقة لإعادة لملمة المشهد الوطني برمته مادامت المناولة والمناورة تتخذ اليوم صيغة الدفاع عن الوطن الأردني في مواجهة مخططات ترامب ومجموعته، كما اقترح المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، في مهرجان علني نصح فيه الرئيس الأمريكي بنقل 6 ملايين إسرائيلي إلى بلاده؛ لأن أحداً في الأردن وفلسطين لن يقبل التهجير بعد الآن.
ما هي الخطوة التالية الواجبة بعد الرفض الشعبي والرسمي العارم والعاصف لمقترحات ترامب؟
هذا هو السؤال الذي لا تجيب عنه الحكومة الأردنية بعد بصورة شمولية، برأي العياصرة، واجبة وتليق بنقاء الموقف الرسمي والشعبي.
ترامب بدأ رحلته في الضغط على الأردن بابتزاز دبلوماسي ومالي؛ فسحب السفيرة يائيل لمبرت، ولم يعين بدلاً منها، وشمل الأردن ولم يستثنه بقراره تجميد المساعدات.
لكن من رد عليه باسم الأردنيين هو الوزير الأسبق الدكتور بسام العموش، بصيغة: «حسناً.. لسنا هنوداً حمراً، وسنشد الأحزمة على بطوننا، ونقف مع صلابة موقف دولتنا».
الأهم في الاستنتاج السياسي، أن تصريح ترامب الذي عرض علناً على باب طائرة وبعد أول اتصال هاتفي بينه وبين ملك الأردن، لم يعرض في القنوات المغلقة وفقاً لأصول العلاقات بين الدول.
لذا، استوجبت هذه العلنية المتسرعة حالة رفض وممانعة رسمية غير مسبوقة تعرض علناً أيضاً، وتعقبها فرصة حقيقية وعميقة لإعادة توحيد مكونات الشعب الأردني بدلاً من ترك الميكرفون في أيدي من هم خارج المؤسسة.
ترامب بتسرعه والسذاجة السياسية التي يتصرف بها، قدم خدمات عريضة وتاريخية ليس فقط للمؤسسة الأردنية بل لخطاب ثوابتها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading