اراء و مقالات

الأردن «الجهادي» والتدخل الخارجي

أمن الأردن واستقراره وسلامه الاجتماعي الداخلي عناصر يفترض لا تقبل القسمة على إثنين لا عند المعارض ولا عند البيروقراطي والرسمي

لا مبرر للاعتقاد بأن الموقف الرسمي الأردني فيما يخص الأزمة المتفاعلة مع التيار الإسلامي تحديدا منطلق فقط من حسابات الضغوط الخارجية. ولا مبرر للاعتقاد في المقابل بأن الضغوط والتدخلات والأجندات الخارجية ليست طرفا في الأزمة، فهي بكل تأكيد جهة ناشطة، وما ينبغي مناقشته حجم تأثيرها ونفوذها.
نحب كأردنيين وبصرف النظر عن الاجتهادات المتباينة والآراء الشخصية أن ننظر للخلاف والتجاذب والأزمة مع الحركة الإسلامية الأردنية الوطنية باعتبارها جزءا من مساحة الخلاف الوطنية في المقام الأول، الأمر الذي يعني تلقائيا البحث عن صيغة وطنية للحل.
ونحب كأردنيين بلورة الإجراءات من جهة الدولة ونظام القانون والعدالة ومن جهة الحركة الإسلامية ومؤسساتها وتعبيراتها انطلاقا من ذلك النضج.
الدافع في الإجراء والرد عليه يتوجب أن يبقى داخليا ووطنيا، وعليه يصبح السؤال: كيف نتفق على رؤية وطنية للتعامل مع أزمة حادة لها جذورها في الواقع وأسبابها دون مبالغات ودون أيضا حالة تماهي مع الاعتبارات الخارجية التي تتبدل وتتغير بعيدا عن ميزان المصالح الوطنية.
نعرف تماما أن هذا السؤال معقد والإجابة عليه شائكة. لذلك المطلوب حقا وفعلا ودوما نقاش منطلق من البيئة الوطنية في الملف الحساس القائم الآن وترسيمات خالية من الشوائب والتجاذبات لمسألة العلاقة الرسمية في الحركة الإسلامية بعيدا عن الاحتقان أو الإقصاء والاجتثاث.
وبعيدا أيضا وبالتوازي عن الاسترسال في لعبة ساذجة فكرتها التخندق خلف التشكيك بسياسات الدولة وقراراتها وإجراءاتها.
طوال سبعة عقود حظي الإسلاميون بكل مساحات الحرية والعمل والقول والفعل، وقبل أشهر فقط حظوا بواحدة من أكثر الانتخابات نزاهة منذ عام التحول 1989.
طوال تلك الفترة لم تنقلب الدولة على الإسلاميين. لا بل كانت تتهم بمنحهم مساحات واسعة من الدلال والعمل الفردي والاجتماعي.
الرؤوس الحامية الآن في التيار الإسلامي تحديدا عليها تذكر ذلك قبل الوصول إلى استنتاجات مختلة تتهم وتشكك فقط، وتتحدث حصرا عن أصابع أجنبية وغربية وإسرائيلية وأمريكية في لعبة الضغط على الأردن الرسمي.

أمن الأردن واستقراره وسلامه الاجتماعي الداخلي عناصر يفترض لا تقبل القسمة على إثنين لا عند المعارض ولا عند البيروقراطي والرسمي

تلك الأصابع كانت دوما موجودة، ومن يبغضون الإسلام السياسي في العالم والمنطقة والجوار العربي أكثر بكثير من الذين يحاولون الإقرار به وتجنب استهدافه.
سواء أعجب القول البعض أم لم يعجبهم، القيادة الأردنية وفي مواجهة حملات ضغط شرسة وعنيفة بعد موجة الربيع العربي الشهيرة وفرت الحماية وبصلابة للإسلاميين ولغيرهم في الأردن، وتمكنت من ملاعبة كل تلك الضغوط.
لا توجد شكوك بأن التيار الإسلامي الوطني يستحق الفرصة مجددا لأن العدوان الإسرائيلي الهمجي هو الذي يعبث بكل الإعدادات في بلد آمن مستقر كما فعل بالإقليم برمته.
أمن الأردن واستقراره وسلامه الاجتماعي الداخلي عناصر يفترض لا تقبل القسمة على إثنين لا عند المعارض ولا عند البيروقراطي والرسمي.
أمن واستقرار الأردن منجز تاريخي للأردنيين، وما كان يمكن استمراره وتثبيت أقدامه لولا التسامح والمرونة وأحيانا صلابة وضراوة المؤسسات الأردنية ودور الإسلاميين النسيجي في خدمة الاستقرار لا ينكره إلا جاحد.
يمكن إظهار الملاحظة والتحفظ على إجراء هنا أو قرار هناك وفي ذات الوقت لا بد من تذكير كل الأطراف، خصوصا تلك التي تحاول العبث في معادلة الأردنيين في الخارج بأن ميزة هذا الوطن تتمثل في أن الهوية الوطنية السياسية لشعبه تعبر عنها الدولة والمؤسسات في منطقة كل من يحاول اختراقها أو إضعافها يتوجب تحرق أصابعه من الشعب قبل الدولة.
لا مزاودات مقبولة لا على الإسلاميين عموما ودورهم المقدر في استقرار وأمن المجتمع طوال 70 عاما ولا على الدولة وأذرعها ومؤسساتها.
الحالة الوحيدة التي تعبر عن مزاج الشعب الطيب المعتدل المتسامح الوفي الصابر هي تلك الحالة التي تنبذ الفرقة والانقسام وتبغض العنصرية والهويات الفرعية وتظهر الاحترام للفرد ورأيه وتعبيره السلمي بنفس الدرجة التي يظهر فيها الفرد المواطن خضوعه للقانون أولا واحترامه ثانيا لحسابات الدولة وخبراتها.
خبرات الدولة وتوازناتها، شاء المعترض أم أبى بصرف النظر عن هويته أو عن فكره ومنطلقاته، دورها حاسم وأساسي في جعل الأردن حالة آمنة مستقرة عموما، في وقت تشتعل فيه بجوار البلاد النار في كل الدول خلافا للاحتقان الاقتصادي والاجتماعي.
أي لحظة يتم إنكار ذلك فيها تعبر عن لحظة صدام مع أشواق الأردنيين أنفسهم وليس فقط مؤسساتهم الرسمية.
غير منصف وفي كل صراحة مطالبة الدولة وسط العالم الذي بتنا نعرفه اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتصرف كحزب أو كمجموعة أو حتى كتيار لأن المواطن هنا سيعترض ولن يقبل بذلك.
وليس من الإنصاف مطالبة الدولة بإدارة شؤون الاشتباك وسط هذا الإقليم المرعب الآن باعتبارها حركة جهادية أو فصيلا سياسيا.
هذا لا يحصل ولن يحصل في الأردن وينبغي أن لا يحصل لا اليوم ولا غدا والإسلاميون يعلمون ذلك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading