جدل في الأردن بعد ترشيح “الخارجية” وزيرة أقالها رئيس الوزراء لمنصب سفير المملكة في اليابان
الرغبة فقط في “إنصاف” الوزيرة الأردنية السابقة لينا عناب هو الذي دفع باتجاه رسالة الاستمزاج التي أرسلها وزير الخارجية أيمن الصفدي لنظيره الياباني كخطوة أولى في السياق الدبلوماسي تنتهي بتعيين عناب سفيرة في طوكيو.
ثمة متربصون كثر بالوزيرة النشطة والمقربة جداً من الملياردير النافذ والقوي في المعادلة الأردنية والسعودية صبيح المصري.
طبيب فقد ابنته بفاجعة البحر الميت يطالب طوكيو مباشرة بإعاقة تعيين عناب سفيرة لبلاده
هؤلاء مسؤولون عن “تثوير” وتأزيم قضية تعيينها سفيرة للأردن في طوكيو بعدما دفعت قبل وأكثر من غيرها ثمن تهمة “التقصير” في فاجعة البحر الميت الشهيرة.
قبل أشهر وفي فيضان البحر الميت الذي أودى بحياة 21 أردنياً أغلبهم من طلبة المدارس تحملت عناب، وقد كانت آنذاك وزيرة للسياحة، جزءاً من المسؤولية الأدبية عن الحادث، وعلى أساس عدم وجود لافتات إرشاد في الموقع السياحي الذي ابتلع حياة الضحايا.
وقتها، وفجأة، استدعى رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز وزيرته النشطة والتي كانت طوال الوقت محسوبة على القطاع الخاص، برفقة وزير التربية والتعليم عزمي محافظة، وطلب منهما الاستقالة أدبياً.
استقالت عناب بطريقة دراماتيكية، وخطوة الرزاز لم تعجب مراكز القرار الأساسية.
لاحقاً، ووسط شعور داخل أروقة الدولة بأن “الوزيرة الأنشط” أقيلت ظلماً وتعسفاً وبتسرع، تم ترتيب أمر تعيينها سفيرة في دولة مهمة مثل اليابان، وانتظر الجميع إلى أن يستقر “قرض ياباني” مع منحة حتى تجد السيدة عناب ما تفعله عندما ترسل إلى طوكيو.
الشارع الأردني، وخلافاً للعادة، كان له رأي مختلف؛ فقد هاجم وبقسوة الاستمزاج قبل الانتقال إلى مستوى التسمية والتعيين.
لوحظ وبكثافة بأن الاعتراض على تعيين عناب سفيرة في طوكيو كان أفقياً وليس عمودياً، بمعنى ـ أن كل الشرائح بما في ذلك شخصيات رسمية تعترض وهي تقر بنشاط وأداء الوزيرة المستقيلة، والتي ستصبح سفيرة قريباً.
وصل الاعتراض إلى منطقة “حساسة جداً” لم يصل لها أردنيون في الماضي، فقد قرر العضو الأنشط في لجنة ضحايا البحر الميت، وهو طبيب أردني فقد ابنته في الحادثة، واسمه عدنان أبو سيدو، مخاطبة اليابان نفسها وإرسال رسالة تعريف لطوكيو بالسفيرة الجديدة وبما حصل في حادثة البحر الميت، مطالباً وباسم الضحايا برفض الاستمزاج احتراماً لمشاعر أهالي الضحايا.
تلك مرحلة من الاحتجاج تشكل “سابقة” مثيرة جداً لو نجحت رسالة الطبيب المكلوم بفقدان ابنته في “الاعتراض” يابانياً على تعيين السفيرة عناب. السفارة اليابانية في عمان أمرت بإعداد ملف والمتابعة، وطوكيو قد تتجاهل رسالة أبو سيدو على الأرجح في اختبار لم يكن من الممكن أن تواجهه الدبلوماسية الأردنية لولا الإصرار على “تجاهل” دعوات الطبيب أبو سيدو ورفاقه في لجنة أهالي الضحايا للإنصاف والتحقيق والعدالة.
قبل ذلك بأسابيع، كان الطبيب أبو سيدو “الأكثر تعاوناً” مع السلطات، وتوقف موظفون في الديوان الملكي عن الرد على اتصالاته الهاتفية رغم تكليفهم بالمتابعة مع أهالي الضحايا بتوجيه ملكي مرجعي.
بمعنى آخر، سياسياً وبيروقراطياً، “التفريط” بالمتابعة ثم “التقصير” من الطاقم العامل مع المكاتب الملكية أدى مجدداً، ورغم المبادرة الملكية العلنية التي أمرت بالتحقيق بالفاجعة، إلى توريط وزارة الخارجية بـ”سابقة” بمنتهى الحساسية يمكن أن تحرج جميع الأطراف.
ذلك لم يكن ليحصل لو حظي أهالي ضحايا البحر الميت بتحقيق جذري وعميق وحقيقي وبالإنصاف، أو لو سمع موظفون صوت الطبيب أبو سيدو وهو يناشدهم علناً بالعودة معه وأقرانه إلى مضمون المبادرة الملكية النبيلة التي تفاعلت معهم بحضور الملكة رانيا العبد الله.
بعيداً عن “الطبيب الغاضب” أبو سيدو ورفاقه من أهالي الضحايا ورسالته للبلاط الإمبراطوري الياباني، كما أعلن هو شخصياً، يمكن القول إن الاحتجاج الشعبي النادر على تعيين عناب سفيرة في طوكيو بحد ذاته “سابقة” حراكية وإعلامية من الصنف الذي لم يسبق للسلطات أن واجهته أو تعاملت معه.
عملياً لم تعرف بعد تلك الرسالة التي تقف وراء استفزاز الحكومة ومجلس الوزراء للرأي العام بخطوة الاستمزاج، لأن من أدان الوزيرة السفيرة بتهمة “التقصير بالواجب” هو الإطار الرسمي ورئيس الوزراء وليس الشارع أصلاً.
يبدو واضحاً أن الأوراق مختلطة مجدداً في ملف التعيينات الذي بات يشكل أرقاً كبيراً لكل مستويات القرار وسط شارع محتقن ومستفز وتتوفر لديه القدرة على إثارة مشكلات من كل الأصناف عبر منصات التواصل الاجتماعي وفي مواجهة أي قرار أو تعيين.