«حساسية» الاقتصاد الأردني في ذروتها ومعبر «نصيب» والسيجارة الإلكترونية و«الهايبرد» أبرز «المتهمين»
سيناريو «التعديل» الوزاري يقفز مجدداً ونظرية «التصعيد الضريبي» سقطت
وصلت الحساسية في المربع الاقتصادي الأردني إلى ذروتها خلال اليومين الماضيين وسط غموض في أجندة الحكومة المالية والاقتصادية لا ينافسه إلا الغموض في أجندتها مع البنك الدولي لاحقاً، إثر الفوضى التي أثارها إقرار الحكومة ضمنياً وعلناً بعبثية برنامج التصعيد الضريبي.
حجم السخرية وسط الناس وعبر منصات التواصل أكبر من أي إمكانية لإنكاره، خصوصاً عندما يتعلق الأمر باكتشاف جماعي يقول بأن عوائد الخزينة ووارداتها انخفضت بشكل ملحوظ في الأشهر الستة الماضية خلافاً لكل التوقعات، رغم كل إجراءات الرفع الضريبي.
الإقرار بذلك حذر منه خبراء كثيرون في الماضي، والطاقم الاقتصادي الوزاري في حالة أزمة حرجة، ويستعين برؤساء اللجان في مجلس النواب على أمل أن تحافظ حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز على فرصتها بالبقاء وهي تلاعب البرلمان وتحاول إشراكه في حوار مجهول لتدارك الأزمة، في الوقت الذي يرى فيه بعض النواب بأن صيغة الانفتاح الحكومي المباغت على رؤساء لجان البرلمان مريبة وقد تنطوي على توريط للنواب وليس رغبة في إشراكهم. والأزمة في المسألة الاقتصادية والمالية قد تدفع الرزاز قسراً لتجريب خيار التعديل الوزاري مجدداً. وهو خيار بدأ يطرحه كثيرون في الواقع داخل الحكومة وفي محيط الرزاز وضمن نطاق التشاور مع البرلمان وعلى أساس تقديم بعض وزراء الطاقم الاقتصادي بصيغة «كبش فداء»، بعد الإخفاق العلني في زيادة واردات الخزينة من الضرائب.
بمعنى، بعد البرهنة العملية وبلسان الوزراء على سقوط نظرية صندوق النقد الدولي الخاصة بتخفيض عجز الميزانية عبر القضاء على مظاهر ما أسماه ممثل الصندوق في عمان، سابقاً وعلناً، بـ «الكرم الضريبي» في سيناريو أبعد، قد تقدم الحكومة برمتها وليس بأركان طاقمها الوزاري فقط كقربان لهذا الإخفاق الرقمي الواضح، حيث أعلن الخبير الاقتصادي الذي يحظى بجمهور واسع، الدكتور معن القطامين، بأن انخفاض نسبة الاستهلاك لأكثر قليلاً من 8% خلال ستة أشهر في العام الحالي، وبعد الرفع الضريبي، مسألة لا تعني إلا حقيقة واحدة، وهي أن خطة الحكومة فشلت، وطاقمها الاقتصادي أخفق.
انخفاض الاستهلاك هنا دليل على تحفظ الأردنيين بإنفاق المال محلياً أو على ضعف قدرتهم، كما يلمح القطامين الذي تقدم بفيديو حقق معدلات مشاهدة عالية، يظهر فيه رئيس الطاقم الاقتصادي رجل الحكومة القوي الدكتور رجائي المعشر متردداً وحائراً وهو يبلغ أعضاء اللجنة المالية في البرلمان بأن بعض المفاجآت قد لا تدخل في الحسابات.
أعاد القطامين، في شريطه، لقطة المعشر وهو حائر مرات عدة ، ثم أعاد لقطة أخرى يستند فيها وزير المالية عز الدين كناكريه إلى أرقام محافظ البنك المركزي حول انخفاض نسبة الاستهلاك التي أدت بالنتيجة إلى انخفاض واردات الخزينة من الضرائب.
حاولت الحكومة طوال الشهر الماضي عبثاً اختراع متهمين لهم علاقة بانخفاض واردات الضريبة، فتحدثت عن سيارات الهايبرد مرة وعن تهريب السجائر مرات وبدت الحكومة بجناحها الاقتصادي عشوائية ويحكمها الارتجال وهي تحاول لفت نظر الرأي العام إلى أن واردات الخزينة انخفضت ليس بسبب خطتها الاقتصادية البائسة، ولكن بسبب توسع التهريب عبر معبر نصيب مع سوريا بعد فتحه، وبسبب الدعم النقدي المقدم للخبز، وكذلك بسبب ميل الأردنيين الكثيف إلى السيجارة الإلكترونية.
تلك مجرد ذرائع لا تعفي حكومة الرزاز من صدمة أو مفاجأة سياسية من العيار الثقيل، تعلن بكل اللهجات بأن برنامج التصعيد الضريبي الذي أقلق الدنيا وشغل الناس ونتج عنه ضغط معيشي كبير وكساد تجاري، خرج عن السكة المرسومة ولم يعد من الطراز الذي يمكن الاستمرار فيه.
قالت الناطق الرسمي باسم الحكومة الوزيرة جمانة غنيمات لـ «القدس العربي» مباشرة، إن أي خطط إصلاح حقيقية طويلة الأمد وإن وضع أي استراتيجية في أي ملف الآن يحتاج إلى سنوات حتى يتلمس الجميع أثره، وأقرت الوزيرة غنيمات بأن الموقف صعب ومعقد، لكن الحكومة تعمل ما في وسعها، مع التلميح بطبيعة الحال إلى التركة الثقيلة التي ورثها الرزاز وصحبه في أزمة المديونية والخزينة والاقتصاد.
دخول مجلس النواب، وهو بطبيعة الحال شريك في الحكومة، في كل تفاصيل برنامج التصعيد الضريبي عبر اجتماع تشاوري بعيد عن الأضواء عقد الثلاثاء، هو دلالة متراكمة على عمق أزمة الطاقم الاقتصادي، وإشارة استغاثة من الحكومة للنواب على أمل تخفيف الاستعراضات التي يمكن الاستثمار بها برلمانياً قبل أسابيع قليلة من انتخابات جديدة وآخر دورة برلمانية في عمر المجلس الحالي.
الموقف صعب على الجميع، والرأي العام الأردني يراقب باهتمام مؤشرات الاعتراف الحكومي والرسمي بالإخفاق في مسألة الضريبة والواردات.
سياسياً، مثل هذا المشهد والموقف ليس من النوع الذي يمكن التغاضي عنه بدون إجراءات على مستوى القرار المركزي، فالحد الأدنى أصبح الإطاحة ببعض رموز الطاقم الاقتصادي، والحد الأعلى التغيير الوزاري، وما بين الحدين احتمالات وسيناريوهات متعددة من المرجح أن الرئيس الرزاز يحاول ويناور بينها.