اراء و مقالات

معضلة «الانتخابات ومدن الكثافة»: ويستمر «المسلسل الأردني القديم»

عمان «تنزهت» أم «اقترعت»؟

عمان – «القدس العربي»: مجدداً، تبدو الدفاعات والاندفاعات البيروقراطية والرسمية والسياسية ومعها نداءات المشاركة لكل المؤسسات وبصيغة أفقية، عاجزة تماماً عن حل معضلة مدن الكثافة السكانية في نسخ الانتخابات المحلية بالساحة الأردنية.
عمان العاصمة مرة أخرى في سياق الجدل الأعمق بعنوان السؤال القديم المطروح: لماذا لا تؤمن المكونات الاجتماعية في المدن الكبرى بتعزيز نسبة مشاركتها في الانتخابات؟

سؤال قديم ومحرج

لكن الإجابة على السؤال لا تتوفر عليه حتى هذه اللحظة، لا بل لا تتوفر في أدراج مؤسسات القرار التي تحاول عبر بعض النخب والأذرع دوماً الملاحظة والتقييم والتنديد بظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات بالتلازم مع إنكار الحقائق والوقائع حيث «بصمة كبيرة لهندسة الانتخابات». والتدخل فيها عقيدة مستقرة في وجدان غالبية أهالي المدن الكبرى، على الأقل بأن حصتهم في الإنصاف والعدالة الانتخابية يتم التدخل فيها. وفي كل حال، حتى تلك -برأي السياسي والبرلماني الأردني العريق الدكتور ممدوح العبادي- ذرائع ومسوغات لا تبرر «سلبية» المشاركة و»عدمية العزوف»؛ لأن مشكلات العملية الانتخابية أفقية وتواجه جميع الأردنيين في كل مكان.

عمان «تنزهت» أم «اقترعت»؟

العبادي قال ذلك على هامش نقاش يحاول تفسير أو قراءة ظاهرة العزوف الانتخابي مع «القدس العربي» في أمسية انتخابات البلديات التي انتهت مساء الثلاثاء. في كل حال، مفارقة العزوف في أحلك ظروفها وملابساتها عادت مجدداً إلى الواجهة مع تفاصيل وحيثيات مراقبة مجريات العملية الانتخابية التي اعتبرتها السلطات والحكومة عرساً ديمقراطياً جديداً وإطاراً يسمح بنقل الديمقراطية على مستويات محلية في المجتمعات والأطراف والمحافظات أيضاً عبر انتخاب المجالس البلدية ثم مجالس اللامركزية الإدارية، حسب ما قاله الوزير توفيق كريشان أمام «القدس العربي».
العاصمة عمان تضم ما بين 50% إلى 60% من أبناء الشعب الأردني عموماً في أدنى مستويات المشاركة في الصناديق، وبقيت في العزوف، وهو ما أغاظ الرجل الثاني في الحكومة توفيق كريشان ودفعه لإطلاق تصريح خارج عن المألوف البيروقراطي، يوجه فيه اللوم لناخبي العاصمة عمان «المقصرين» الذين قرروا فقط «التنزه في يوم عطله» و»لا يحق لهم الانتقاد لاحقاً». وفي كل حال، الأرقام بنسبة المشاركة في مدن الكثافة السكانية، وتحديداً عمان، كانت ضئيلة لا بل صادمة في بعض الحيثيات.
ويبدو في حال قراءة الرقم بعيداً عن أو بمعزل عن سياقه الاجتماعي والسياسي، أن ما حصل في انتخابات العديد من دوائر العاصمة عمان على مستوى البرلمان العام الماضي مؤهل للحصول مجدداً، فما يقوله أهالي العاصمة عملياً في أي انتخابات عامة إنهم ليسوا بصدد المشاركة بنسبة تزيد عن 10% من الذين يحق لهم الاقتراع.
تلك كانت مشكلة، والانتخابات البلدية واللامركزية التي جرت أمس الثلاثاء تؤكد أنها لا تزال مشكلة وأعمق بكثير من كل الجوانب الإشكالية ومن كل الاعتبارات السياسية التي تحيط بانتخابات بلدية لا أحد يعلم حتى اللحظة كيف ولماذا تقررت حتى قبل إنضاج فكرة الحكم المحلي داخل اللجنة الملكية الأكبر والأضخم في تاريخ البلاد لتحديث المنظومة السياسية.
وبناء عليه، من ذهبوا لمراكز الاقتراع في عمان إنما هم مجموعات مؤيدة للمرشحين وفي بعض أحياء العاصمة، لكن في الوقت نفسه، يبدو أن عدوى العزوف مرشحة للانتقال حتى في بعض المحافظات والأطراف مع أن النسبة ارتفعت في فترة ما بعد العصر. في كل حال، الشارع الانتخابي الأردني يقول بعدة لغات ولهجات بأن «مشكلات الانتخابات لا تزال قائمة» وبصرف النظر عن النهج البيروقراطي الذي سيجري لزيادة نسبة المشاركين سواء عبر إجراءات الهيئة المستقلة للانتخابات أو عبر تمديد فترة الاقتراع.
المشكلات لا تزال قائمة من حيث نسبة المشاركة والثقة في نتائجها ومعطياتها وتداعياتها، والمفارقة الأهم هي ما لاحظه رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي في إطار الإقرار بأنها مشكلة لا بد من التعامل معها، لا بل تشكل مضمون الرؤية الملكية لتحديث المنظومة السياسية ومنطوقها الأساسي، عندما تحدث عن أمل حقيقي وجديد لا بل آليات لتغيير هذا المعطى.

فرز الأصوات

لا بد من العبور إلى مرحلة، كما يلمح الرفاعي، يعبّر فيها الأردنيون عن قناعاتهم عبر صناديق الاقتراع وتنتهي فيها إشكاليات العزوف الانتخابي، وتتحول فيها جميع الأطراف إلى معطيات الاشتباك الإيجابي مع الواقع والتمثيل. في كل حال، يوم الانتخابات أمس وحتى قبل بدء عملية فرز الأصوات، كان متعباً ومجهداً ومليئاً بالأسئلة السياسية والأمنية والرقمية، ومفعماً بكل الاعتبارات التي تحافظ فيها سياقات هندسة الانتخابات أيضاً على مستويات محددة من التواجد بفعل سلسلة كبيرة من التقاليد يقترح العبادي ضرورة التوقف عندها اليوم، لا بل معالجتها في إطار رؤية أشمل وفعالة أكثر بعيداً عن منهجية «إقصاء الذات» التي لن تعالج شيئاً.
بمعناها الأمني وعلى قلة المشاركين، سارت العملية عموماً في الأردن بقدر معقول من الهدوء، وإن تخللتها بعض المشكلات والاحتقانات، سواء المناطقية أو الأمنية أو العشائرية من النوع والطراز الذي يمكن التعامل معه بكل الأحوال، وتخلل العملية العديد ما سمّاه رئيس الهيئة المستقلة لإدارة لانتخابات، مبكراً، بمخالفات فردية يتم التعامل معها ميدانياً وفي ظل الموجب القانوني. رصدت محاولات رشوة ناخبين، وتم تحويلها إلى النيابة. وحتى الآن، رصد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو الذراع الحقوقية التابعة للدولة، مخالفات من موظفين يحاولون توجيه الناخبين في اتجاه مرشح دون غيره، ثم تعامل معها، وشمل ذلك رئيس إحدى اللجان.
وتحدث الفريق الراصد حقوقياً لمجريات العملية الانتخابية عن مخالفات بالجملة، بعضها لوجستي من النوع الصغير، وبعضها أمني الطابع، وتعاملت معه المؤسسات الأمنية، خلافاً لرصد نحو 50 مخالفة لها صلة بالمال السياسي.
لكن على قلة الناخبين بصفة عامة، خصوصاً في المدن الكبرى، وعلى غياب النكهة السياسية والحزبية في هذه النسخة من الانتخابات، يمكن القول بأن الاحتقانات طبعاً متوقعة أمنياً بعد إعلان النتائج؛ لأن الجميع يترقب الآن. ويمكن القول بأن الانتخابات البلدية الأردنية عبرت بالحد الأدنى من الخسائر، لكن دون مكاسب استراتيجية عميقة، خصوصاً على صعيد توسيع إطار العقيدة الشعبية التي تؤمن بأن الانتخابات نزيهة فتؤثر على نسبة مشاركة معتدلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى