اراء و مقالات

عندما يتوقف «الدلال الأمريكي»: جمارك ترامب عدائية وتثير حيرة الأردنيين… والقرار «انتظار الدول الكبرى»

عمان- «القدس العربي»: لا جديد تقوله الحكومة الأردنية للرأي العام، لا عن «انعكاسات» قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الاقتصاد المحلي، ولا عن خطتها للتصرف في الأسابيع القليلة المقبلة.
عشرات الخبراء والمعلقين الاقتصاديين عبروا علناً عن استغرابهم الشديد من أوامر ترامب التي وصفت العجز في الميزان التجاري بأنه مختل بنسبة 40% بين البلدين، ويميل لصالح الأردن، ما استوجب وضع المملكة ضمن قائمة الدول التي فرضت عليها رسوم جمركية بنسبة 20%.
بعيداً عن المخاطر التي يتحدث عنها الاقتصاديون، اعتبر معلقون سياسيون أن هذه النسبة ثقيلة جداً على الاقتصاد الأردني في ظرف إقليمي حساس، ولا تعكس مستوى أو تاريخ أو حجم الصداقة السياسية بين الجانبين. إسرائيل ومصر بالجوار حظيا بنسبة «أقل».
وعمان سياسياً على الأقل، صنفها ترامب بدولة يرفع نسبة الرسوم الجمركية عليها بنسبة كبيرة مرهقة ومقلقة، وسرعان ما انتهت بإبلاغ وزارة الصناعة والتجارة عن نوايا بعض كبار المستثمرين الصناعيين والمصدرين الأجانب للأسواق الأمريكية من الأردن «البحث عن توسعات لمشاريعهم» في دول أخرى.
اقترح خبير استثماري استمعت له «القدس العربي» مؤخراً، أن مصر ستكون الجهة المفضلة الآن بسبب نسبة الرسوم الأقل التي فرضت عليها، فيما الانعكاسات على النمو الاقتصادي وأسواق الأسهم والتداول وأسعار النفط يتأثر فيها الأردن مثل غيره في العالم، قياساً بحجم اقتصاده.
وفي المقابل، لم تفسر الحكومة التي حاولت «طمأنة» القطاعات الوطنية عموماً بإمكانية «احتواء التداعيات الجمركية»، خلفيات وأسباب حجب «الدلال» ومعانيه السياسية في إجراءات ترامب ضد الأردن، مع أنه مصنف على أنه حليف قديم للأمريكيين، وحليف صديق مع حلف الناتو، ويتصدر في معسكر السلام العربي، وله دور بارز في شراكات «مكافحة الإرهاب».
واضح للعامة على الأقل أن الحكومة لا يوجد لديها ما هو محدد ويمكنها قوله، لكن وصفة منقولة عن مستشار سابق في الديوان الملكي اعتبرت أن الاستراتيجية المقترحة على الأرجح هي «الصمت والصبر والانتظار» ثم مراقبة ما سيجري على مستوى دول اقتصادياتها ضخمة مثل الصين وأوروبا وأستراليا، على أمل أن يخفف ترامب عندما يعقد بعض الصفقات من ضغطه الجمركي على الأردنيين.
سامر عماري، الباحث الاقتصادي المتخصص، أبلغ «القدس العربي» بأن الإدارة المختصة في السفارة الأمريكية في عمان «ضللت» الرئيس ترامب وهي تقدم معطيات غير دقيقة رقمياً عن ميل الميزان التجاري، حيث بُنيت نسبة الـ «20%» على أساسها.
عماري يضم صوته إلى القائلين بأن حصة الأردن من رسوم ترامب الجمركية ليست «غير ودية» فقط، بل «عدائية» تجاه اقتصاد ينمو ببطء ويحتضن أكثر من 12 قاعدة عسكرية أمريكية، وبلد اقتصاده صغير، لكنه متمكن وصلب ويحتل الصدارة في قائمة «الأكثر عطشاً».
ما قرره ترامب بخصوص رفع نسبة الجمارك على الواردات الأردنية «مؤذٍ للغاية» بإجماع المراقبين.
لكن الحكومة ولأسباب غامضة، لا تريد أن تعلن ذلك أو تكشف حيثيات ردود الفعل. وأغلب التقدير أن وصفة «التريث وانتظار» ما ستفعله دول كبيرة وعريضة اقتصادياً، التي اقترحها المستشار الاقتصادي السابق سليم كرادشة، وتداولتها منصات، هي المحطة الأكثر رجاحة وتعقلاً بعيداً عن ردود الفعل.
بوضوح، لم تعقد في عمان ندوات أو ورش عمل رسمية تكشف عن التأثيرات، ولا يوجد خبراء مهنيون مقنعون قدمتهم أذرع الإعلام الرسمي، ولا بيانات خسائر أو مكاسب، فيما الانطباع يتكرس تماماً بأن نسبة الرسوم التي فرضها ترامب على الأردنيين «مخيبة للآمال» للغاية، ولا تعكس التاريخ المشترك من التحالف بين البلدين، ما يكدس الإحساس بالمرارة وسط الصف الرسمي الذي لم يعد يستطيع الدفاع عن علاقات التحالف مع الأمريكيين في ظل ترامب.
تكتم السلطات «تأثيرات محتملة» لقرارات ترامب على بعض القطاعات الأردنية، خلافاً للإرباك، حيث يعتقد أن تجميد حيثيات «اتفاقية التجارة الحرة» بين البلدين محطة «مؤلمة». بعض الصناعات الأجنبية على الأقل ستبحث عن «ملاذ في الجوار». والصادرات الأردنية للسوق الأمريكية تتقلص، وبالتالي تتقلص واردات الخزينة. وحجم التنافس سيخف، مع أن الأردن سبق أن قدم تضحية بالامتناع عن عقد اتفاقيات تجارية حرة مع عدة دول بسبب حرصه الشديد على الجزء الأمريكي المعطل الآن من الاتفاقية.
سياسة تأسيس تكتلات على أساس اقتصادي هي «الرد الأمثل» مرحلياً، كما ذكر لـ «القدس العربي» قبل يومين السياسي طاهر المصري، وهو يعتبر أن الأردن في المحصلة سيضطر للبحث عن ملاذات وتكتلات؛ لأن غطاء التحالف السياسي كشفته أوامر ترامب التنفيذية، خلافاً لمواقفه «المشينة» في دعم اليمين الإسرائيلي وقصف اليمن.
بالمقابل، يبدو السؤال الأكثر إلحاحاً بين الأردنيين: كيف سنتصرف في ضوء وقف كل جرعات «الدلال والاستثناء» بعد الآن؟
طبعاً، لا إجابة موثقة أو موثوقة على سؤال من هذا الصنف، أو بهذا الحجم الآن.
لكن المفهوم سياقاً، أن رفع الجمارك على الصادرات الأردنية ليست «فرصة»، بل أقرب إلى محنة واختبار أقسى من ذلك المتعلق باحتمالية «حجب المساعدات» أيضاً في أي وقت، حيث لم تعد تتوفر إمكانية لـ «ضمان أي مستقبل» للعلاقات مع الأمريكيين على أسس التحالف القديم المسجل الموثق في ظل الرئيس ترامب، الذي احتاج الإفلات من فكرته بعنوان «تهجير الفلسطينيين إلى المملكة» و»تخصيص قطعة أرض لهم» إلى جهد «جبار ودؤوب» طوال الأسابيع الماضية دون أدنى ضمانة بطي صفحة سيناريو التهجير الترامبي.
قبل رفع الجمارك بواقع 20 %، علق ترامب «المساعدات» وحجب الحصة الأردنية من معونات وكالة الإنماء الأمريكية، وزاد حجم الخسائر عن مليار دينار، ودفع حكومة عمان دفعاً إلى زاوية ضيقة تستعين فيها بتبرعات الشركات الرابحة والبنوك والقطاع الخاص.
بالخلاصة، الدلال الأمريكي للأردن توقف، ولا مزيد من جرعاته… ذلك بالضرورة سيعني شيئاً ما لاحقاً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading