الأردن: خسائر بالجملة بعد «إدارة فاشلة» لسحب حصانة نائبين «مشاكسين»
الشارع يتداول قائمة بأسماء «50» برلمانياً خارج الشرعية الشعبية
بدت تماماً مغامرة غير محسوبة الجانب.. الحكومة الأردنية تخطط لإسقاط الحصانة الدستورية عن نائبين في البرلمان تميزا بالمناكفة، و»الخيبة» تلاحق الخطة، ويقرر مجلس النواب توفير الحماية وعدم رفع الحصانة.
لا يحتاج رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز إلى إعادة قراءة هذا المشهد فقط، بل دوائر صناعة القرار كلها. النتائج والتداعيات كانت «كارثية» سياسياً ولا تقف عند حدود الفشل في التصويت فقط على رفع الحصانة عن النائبين المعارضين غازي الهواملة وصداح الحباشنة.
بل تجاوزت إلى محطة أعمق بعد رصد ردود فعل الشارع والرأي العام، حيث يتبادل نشطاء المنصات الاجتماعية اليوم قائمة باسم «العار» تضم أسماء نحو 50 عضواً في البرلمان صوتوا لصالح الحكومة في هذه المواجهة الخاسرة. تقريباً لأول مرة يحصل شيء مماثل. ويتداول المسيسون في الحراك الشعبي والمستقلين أسماء النواب المصوتين حسب المزاج الحكومي باعتبارهم خارج الشرعية الشعبية. بالتوازي، تسابق بعض هؤلاء في محاولة بائسة لتبرير الموقف والتصويت دون فائدة.
النائب اندريه العزوني أصدر توضيحاً قال فيه إنه صوت لرفع الحصانة عن الهواملة، لكنه صوت ضد رفعها عن الحباشنة.
تلك محاولة مبكرة منه لتجنب خسارة كتلة صلبة من الزملاء التشريعيين تمثل جنوبي المملكة. نواب محافظات الجنوب برمتهم، باستثناء واحد فقط، رفضوا التصويت ضد زميليهم، ومن المرجح أن الحكومة وهي تحاول رفع الحصانة، تجاهلت مسألتين؛ الأولى أن النائبين المطلوب رأساهما بالصدقة يمثلان أهالي وعشائر جنوب المملكة والثانية أن العملية عرضت في الدورة الأخيرة للبرلمان، حيث موسم الانتخابات على الأبواب، وحيث يتخذ عدد كبير من النواب بالعادة مواقف مناكفة للحكومة وتحكمهم حسابات محض انتخابية ويخاطبون الغرائز.
خلافاً لذلك، لم تكن المبررات التي قدمتها اللجنة القانونية وجيهة ومنطقية وتحظى بالإجماع، وهي تقرر التوصية برفع الحصانة.
الاعتقاد ساد جميع الأوساط بأن التهمة الموجهة للنائب الهواملة تحديداً خارج اختصاص هيئة مكافحة الفساد وتتعلق حصرياً بمخالفة ينبغي أن تبحثها نقابة المحامين وليست أي هيئة قضائية، حيث يشتكي مواطن هنا على محام أوكله في إحدى القضايا.
ألمح إلى ذلك مباشرة القطب القانوني والتشريعي صالح عرموطي، وهو يعتبر أن هيئة مكافحة الفساد أخطأت وليست مختصة في قضية النائب الهواملة الذي هاجم بدوره الهيئة نفسها متحدثاً عن ممارسة إرهاب وملاحقة في غير مكانها له كممثل للشعب من جهة مؤسسة رسمية.
بالنسبة لرصد منابر أنصار النائب الهواملة، الإيحاء واضح بـ «تسييس» محتمل في قضيته. الحكومة خسرت أيضاً هنا بزج هيئة مكافحة الفساد.. تلك كانت خسارة كبيرة لم تظهر مؤشراتها بعد.
وعندما يتعلق الأمر بالنائب صداح الحباشنة، فقد نجح في إقناع زملائه بأن الدعوى المرفوعة ضده والتي أدت إلى مناقشة رفع الحصانة عنه أصلاً موجهة من رئيس الحكومة. والنتيجة وضع الحباشنة المزيد من «فاكهة الشعبية» في سلته وأثبت أنه ليس لقمة سائغة. بالعكس.. أظهرت تداعيات خسارة الحكومة لمواجهة كان يمكن تماماً الاستغناء عنها وأديرت بعقلية متسرعة ودون محفزات تشريعية فنية ذكية أن اتجاهات الجمهور ضغطت بشدة على النواب وأصبحت من اليوم لاعباً أساسياً، بصرف النظر عن الجانب «القانوني» أو «التظلمي» في القضيتين المقامتين أصلاً ضد النائبين.
حتى نخبة من النواب المقربين جداً من السلطات أخفقت في التصويت لصالح خيار رفع الحصانة.
وعند إحصاء الخسائر لا بد من التوقف عند «حالة ذهنية» توحي ضمنياً بأن السلطة التنفيذية تفقد سحرها وتأثيرها، ولاحقاً ثقلها، عند أعضاء السلطة التشريعية. بمعنى أن «تجميع الأصوات» لصالح أي اتجاه أو مشروع أو قرار حكومي لم يعد سهلاً أو ممكناً عبر الآليات القديمة وفقاً لظاهرة «آلو».
..ذلك أيضاً وجه لمسألة اللعبة الديمقراطية كان ينبغي أن لا ينكشف ويظهر بكل هذا الفقر التحضيري البرلماني.
ثمة «تضحية» أيضاً بهيبة اللجنة القانونية في مجلس النواب، التي أصبح رئيسها الشاب الواعد عبد المنعم العودات متاحاً للانتقاد الآن، حيث تراكم الاستعصاء البرلماني ليس حباً بالنائبين ولا إيماناً بهما، ولكن – في بعض محطات التصويت- تنديداً بالحكومة ومناكفة لها بسبب «سوء الحسابات»، حيث من الطبيعي أن يقول النواب لأي حكومة في الدورة الأخيرة لهم بأنهم «ليسوا في جيب السلطة». وهو قول كان ينبغي أن يدركه رئيس الوزراء أو يستمع لنصيحة رئيس مجلس النواب عاطف طراونه بالاتجاه المعاكس خلافاً، لأن القراءة نفسها للواقع وللخارطة أفلتت من يدي الوزير المخضرم لشؤون البرلمان موسى المعايطة.
في حال إضافة تراكم رصيد شعبوي في حضن عضوين في البرلمان مجاناً مع احتمالية تصاعد سيناريو «رد عميق» من السلطة التنفيذية.. يمكن القول إن الخسائر كبيرة رسمياً في مواجهـة محـاولة لم تتـميز بأي ذكاء لإسقاط حـصانة عضـوي بـرلمان يستطـيعان الآن «التكييش» سياسياً في الشارع، ولن يصدق أحد سقوطهما الطبيعي في الانتخابات المقبلة إذا ما شاركا فيها، وكذلك إذا لم يشاركها ولأي سـبب.