بيروقراطو الأردن حولوا خبيرة فلبينية إلى “خادمة” وسيدة أعمال مصرية إلى “راقصة”
بعد أقل من شهر فقط على استلامه لمهام وظيفته الجديدة، لوح رئيس هيئة الاستثمار الجديد في الأردن الدكتور خالد الوزني بالاستقالة فورا من منصبه إذا ما أصر وزير الداخلية القوي سلامة حماد على موقفه المناصر لخلاف إداري حصل مع مندوب الوزارة في هيئة الاستثمار على معاملة تخص أحد المستثمرين.
تلك المعاملة قد تنطوي على المضمون الأكثر طرافة سياسيا، حيث خطط أحد المستثمرين في قطاع الصناعات الغذائية الأردني لفتح أسواق جديدة لبضاعته في سوق واعدة هي الفلبين.
المستثمر تقدم بطلب بيروقراطي روتيني يرغب في الحصول على تأشيرة زيارة لأستاذة اقتصاد فلبينية حتى تحضر إلى عمان في مهمة لها علاقة بتصدير بضاعة المستثمر الأردني.
تقدم المستثمر بطلبه لدى هيئة الاستثمار لكن الموظف المنتدب والذي ينبغي أن يوافق على طلب التأشيرة باسم وزارة الداخلية رفض الموافقة على الطلب على أساس أن النظام القانوني يحصر تأشيرات الشعب الفلبيني في استقدام الخادمات فقط.
قد تكون مشكلة النظام وليس الموظف الذي حاول الدكتور الوزني إقناعه وديا بأن الفلبين بلد كبير وفيها نساء من شريحة الأستاذ الجامعي وخبيرات التسويق ولا يقتصر الأمر على الخادمات فقط. لكنه أخفق في التفاهم وديا مع الموظف ودخل على الخط وزير العمل نضال البطاينة وبدا للجميع أن وزير الداخلية غير متحمس إلا لرواية موظفه الإداري المنسجمة مع النظام.
لوح الوزني هنا بالاستقالة وأصبحت الحادثة في الفارق ما بين الخادمة والأستاذة الجامعية مثارا للتندر وسط رموز القطاع الخاص خصوصا وأن الملك عبد الله الثاني كان قد اجتمع للتو بمجلس الوزراء منتقدا الحواجز والإعاقات التي تفرضها المؤسسات على المستثمرين.
حادثة الأستاذة الفلبينية ليست معزولة، فقد شرح أحد المستثمرين في القطاع الصناعي لـ”القدس العربي” ما حصل معه شخصيا حينما أقنع سيدة أعمال مصرية بارزة بمشاركته في مشروع ضخم في الأردن.
حضرت سيدة الأعمال المصرية وفي مطار عمان فوجئت بأحد الموظفين يسألها: هل أنت تعملين راقصة؟
صدمت السيدة وأبلغت شريكها الأردني مقسمة بالسماء بأنها لن تدخل عمان وعادت فورا بالطائرة التي أحضرتها.
قبل ذلك تحدث مستثمر آخر عن مطالبات متعددة تصله عبر الحاكم الإداري لأغراض إصدار سلسلة لا متناهية من التراخيص ومن جميع المؤسسات.
وقبل ذلك رفض وزير الزراعة والبيئة إصدار تراخيص لأحد أضخم مصانع معلبات اللحوم في المنطقة تسمح لمصنع باستيراد كميات ضخمة من الدجاج.
حجة الوزير إبراهيم شحاحدة كانت الحرص على الدجاج المحلي مع أن الكميات المطلوبة قد لا تكون متوفرة خلافا لارتفاع أسعارها.
واحتج قبل كل ذلك أيضا تجار كبار على حصر كميات استيراد اللبن الصلب من سوريا بدعوى الحرص على المنتج الأردني الذي يبلغ سعره 20 ضعف سعر السوري على الأقل.
يشتكي الجميع في القطاع الخاص بشقيه الصناعي والتجاري من تلك الحواجز والإعاقات.
وعلى هامش نقاش عميق حضرته “القدس العربي” تحدث رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان الدكتور خير أبو صعليك عن الذهنية البيروقراطية المعيقة باعتبارها واحدة من أربعة أسباب حقيقية تعيق الاستثمار وتنتج عنها الأزمة الاقتصادية المرهقة حاليا.
ينضم عمدة العاصمة عمان يوسف شواربة إلى المقرين ضمنيا بإعاقات بيروقراطية وذهنية تحتاج لعصرنة وتطوير ويستعرض في وجود “القدس العربي “خطته الطموحة والتي يعترض عليها كثيرون في مجال نقل جميع خدمات البلدية في العاصمة إلى الإطار الإلكتروني بحيث تختفي الأوراق والملفات وتختفي معها ظاهرة المراجع لمؤسسات البلدية.
يتعهد العمدة الشواربة بالانتقال إلى مستوى خدمات “أون لاين “كاملة ويعلم أن الذهنية البيروقراطية قد لا تتفهم الأمر خصوصا أن خطته في هذا المجال تحظى بدعم ملكي له علاقة برؤية القصر في مواجهة الترهل والفساد الإداري بكل أصنافه.
وعمليا تسلط مثل هذه الأحداث الأضواء الكاشفة على السياق البيروقراطي الذي يعيق أحيانا بقصد، وفي غالب الأحيان بدونه عملية استقطاب الاستثمار وبصيغة تؤدي فعلا إلى الاستعصاء الاستثماري في الداخل والخارج خصوصا بعدما قرر الأردنيون جميعا تجميد مدخراتهم في البنوك والتي تبلغ نحو 34 مليار دينار، يقول أبو صعليك إن أسباب التحفظ على عدم تحريكها والانفاق منها يمكن تفهمها أحيانا ومن الضروري العمل باتجاه معاكس ومنطقي لهذا التحفظ.
المقاومة بهذا المعنى شديدة في البيروقراط الأردني لتفهم اتجاهات الحاجة للاستثمار والمسألة لا يمكن مواجهتها عبر قرارات إدارية صغيرة أو استراتيجيات طويلة الأمد لان المطلوب اليوم قبل أمس هو جرأة في اتخاذ إجراءات وتدابير سريعة تنهي أزمة الثقة بين القطاعين وهو الأمر الذي يؤشر عليه الملك شخصيا عندما يتحدث عن الشراكة والتفاهم واتخاذ إجراءات على الأرض.