اراء و مقالات

الأردن والجرائم الإلكترونية: أحزاب ابتلعت لسانها… ومصطلحات مطاطة وتأثيرات سلبية على «التحديث والتمكين»

عمان- «القدس العربي»: دخلت تحضيرات الانتخابات الأردنية المقبلة ومسارات التحديث السياسي والتمكين الاقتصادي في مناطق مجهولة وغامضة جراء تفاعلات النصوص المتشددة التي وردت في تشريع قانوني جديد في الأردن يختص بالجرائم الإلكترونية أو يقال إنه كذلك.
ولم تشرح الحكومة الصيغة أو الطريقة التي استعانت بها لصياغة نصوص ومصطلحات جديدة اسنتسخت بتعجل على الأرجح قبل إرسال القانون بصفة الاستعجال إلى السلطة التشريعية.
وتزايدت دوائر القلق والتوجس وسط النخب السياسية والأوساط الإعلامية من كلفة وفاتورة العودة للتشدد في مجال حريات التعبير في توقيت كان يفترض بالحكومة أن تدعم خلاله منهجية الإصلاح السياسي وتعمل على توسيع نطاق الحريات العامة في البلاد.
وأغلب التقدير، وفقاً للسياسي مروان الفاعوري، أن الحكومة كشفت عن وجهها الحقيقي ونظرتها للتحديث السياسي والمعلبات التي تريد حشر الأحزاب السياسية فيها من خلال الوجبة التشريعية المقيدة والسالبة لحرية التعبير عند المواطنين بموجب نصوص قانون الجرائم الإلكترونية الجديد. وهي نصوص وصفها الفاعوري بأنها متشددة للغاية، لا بل غير مسبوقة في تشددها وتوحي تماماً بأن العمل الحزبي سيخضع للمراقبة والمناخ أقرب لمناخ الأحكام العرفية.
كما توحي بأن كل الجدل المرتبط بالإصلاح السياسي قد لا يجد مكانه في الواقع لأن قانون الجرائم الإلكترونية الجديد يؤسس لإيحاءات معاكسة عن البيئة التي تقدرها الحكومة وتريدها وهي تلسع ظهر المواطنين منذ عام ونصف بالحديث عن الحريات الحزبية على حد تعبير بعض الخبراء، خصوصاً وأن حزب المعارضة الأكبر في البلاد وصف الخطوة التشريعية الجديدة بأنها تمثل عودة الأحكام العرفية عشية الانتخابات المقبلة.
يقدر الخبراء ومنهم الفاعوري بأن الحريات العامة كل لا يتجزأ. وبالتالي من الصعب قبول فكرة حريات أقل أو سالبة في منصات التعبير مقابل الحديث اللفظي والإنشائي عن رفع مستوى ومنسوب حريات العمل الحزبي.
وهذا الرأي يقترحه حقوقيون بارزون أيضاً من بينهم عاصم العمري الذي يرى بأن الإشارات تتكثف على مستوى السلطة في البلاد بشكل يوحي بأن الجو عموماً يسير لصالح مستويات أقل من الحريات العامة الحقيقية والجوهرية بدلالة المناخ واعتقالات ومحاكمات الرأي. يبدو أن الحكومة وهي تمارس وجبة تكتيكية في بعض نصوص قانون الجرائم الإلكترونية الجديد أسقطت من حساباتها التأثير المحتمل على مسارات التحديث السياسي وعلى مسارات العمل الحزبي، وقد بدا للمراقبين بأن الكثير من الأحزاب الجديدة والتي ملأت الساحة ضجيجاً اضطرت لابتلاع لسانها في مواجهة المخاوف ومؤشرات القلق التي يثيرها القانون الجديد خصوصاً وأنه يتضمن سوابق في العقوبات الغليظة التي قد تصل إلى السجن وإلى غرامات مالية ضخمة جداً حتى مقابل الاشتباه خلافاً لأنها في حال استخدام أذرع التشريع الجديد قد تؤدي إلى زحام في المحاكم وسلطات القضاء.
صمت العديد من أحزاب تحديث المنظومة الجديدة يتسبب بالإحراج لها ويفقدها إذا ما تواصل الأمر “ميزة الانتقاد” والانضمام لحلقة روافع الحريات العامة.
السياقات التي يفترضها التيار الإسلامي وهو يتحدث عن قانون يعيد البلاد إلى الأحكام العرفية عشية التحضير لانتخابات 2024 هو السياق الذي يزيد من مساحة الخوف والقلق خصوصاً في مجال الحريات العامة وحريات التعبير، حيث اعتبر أحد الوزراء علناً بطريقة غريبة رغم عدم اختصاصه بأن القانون الجديد سيتولى التعليقات على صفحات ومنصات التواصل.
وهذا يعني النبوءة التي توقعها الناشط النقابي البارز أحمد زياد أبو غنيمة، حيث إن السلطة بعد الآن ستدقق في أحرف وكلمات الأردنيين عبر منصات التواصل كما يحقق مفارقة الفاعوري الذي يستغرب دفع الغرامات للحكومة في حالات الإدانة بعد شكوى من مواطن ضد آخر.
وفرض ولاية قانون الجرائم الإلكترونية المعدل على منصات التواصل الاجتماعي تحديداً قد يكون سابقة غير مألوفة ومن غير المنطقي توقع ألا تؤثر على مجمل مسار التحديث والتحزيب السياسي. الأحزاب اليوم حتى في منابرها الإلكترونية عليها أن تفعل وتنشط الرقيب الذاتي ومن يشتبك مع قواعد العمل العام سيترصد له قانون الجرائم الإلكترونية الجديد.
ورغم أن الحكومة زعمت بأن الأهداف تنظيمية إلا أن جزئية التنظيم ذابت في تراتبية النصوص لصالح حزمة جديدة من القيود. واللافت جداً للنظر أن توقيت التقدم بهذا التعديل رغم الشكوى والتضجر العامين من انفعال حريات التعبير خصوصاً على المنصات سقط من الحسابات بمقابله تأثير محتمل على مستقبل مسارات التحديث والتمكين الاقتصادي أيضاً.
أجواء القلق التي تثيرها النصوص والمصطلحات المطاطة في القانون، كما قالت نقابة الصحافيين، تشير إلى أن المطبخ الذي أعد النصوص كان في ذهنه التركيز على القيود وليس التثقيف الحرياتي. كما تؤشر على أن الفريق الذي أعد هذا القانون فريق يخلو من الخبراء حقاً في مجالات التشريع الإعلامي والجوانب التقنية على الأرجح،
وهي مسألة تبرر وجود مصطلحات فيها قدر كبير من المرونة والمطاطية ويمكن تفسيرها لاحقاً بعدة أنماط ولم يعرف بعد ما إذا كانت اللجنة القانونية في مجلس النواب مؤهلة بالقدر الكافي لاصطياد تلك السوابق والتركيز على المصطلحات حمالة الأوجه والتفسيرات أو الجديدة التي ألحقت بنصوص هذا القانون.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى