بين حفتر والسيسي: الأردن يخطط لمغادرة نادي «الاعتماد على المساعدات» والتخلص من «الوعود السياسية»
«وديعة» رفضت السعودية تحويلها إلى «هبة» و»منحة إماراتية» لم تصل
وضعت ملامح الميزانية المالية الخاصة للدولة الأردنية دون إشارات لوعود سياسية لها علاقة بمنح ومساعدات.
خلافاً لما كان يحصل في الماضي، لم تدرج الوعود سياسية الطابع والخالية من قرارات مكتوبة ونصية من الدول الصديقة والحليفة حتى في بند الإيرادات ضمن مشروع قانون الميزانية الذي يناقشه مجلس النواب رسمياً بداية الأسبوع الحالي. ويعني ذلك عملياً وإجرائياً، وبلغة سياسية ودبلوماسية، أن الحكومة الأردنية تصرفت دون رفع سقف التوقعات، وفي ضوء القناعة التي عبر عنها أمام «القدس العربي» قبل أشهر رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، وتحت عنوان «نحاول تجهيز البلاد عموماً»، وأثر توجيه ملكي مرجعي مباشر إلى دفن تراثيات وبكائيات المساعدات، وتدشين مرحلة جديدة من الاعتماد على الذات.
تلك مرحلة تبدو صعبة بكل الأحوال، لكنها محطة عبور إجبارية بدأت تحكم إيقاع البوصلة السياسية الأردنية وتؤشر إلى أن عمان مجبرة، بكل حال، على مغادرة نادي الاعتماد على المساعدات. وهذا التموقع في التخطيط المالي والاقتصادي له ما يبرره. والمبرر هنا يعني بأن الرهان حتى على تحويل وديعة سعودية إلى منحة أخفق وخرج عن السكة. وكانت عمان، وبعد استعادة بعض الدفء في محور العلاقات مع السعودية، قد ألمحت إلى أن الحليف السعودي يستطيع تقديم خطوة واحدة صغيرة قوامها تحويل وديعة بقيمة 350 مليون دولار إلى منحة أو هبة.
اعتذر السعوديون تماماً عن الالتزام، وتحدثوا عن ظروف صعبة يمرون بها، لكنهم عرضوا تحويل الوديعة إلى قرض طويل الأمد ودون فائدة على أساس خطوة تساعد في استقرار قيمة الدينار الأردني.
في التوازي، تحدثت أوساط من أبو ظبي عن منحة إماراتية في الطريق قد تصل إلى 300 مليون دولار أيضاً وفي إطار استمرار تفاعل التنسيق والاتصال بين البلدين. لكن دولارات أبو ظبي في الوقت نفسه بقيت في إطار الوعد السياسي حتى اللحظة ولم ترسل فعلاً، فيما يعتقد مراقبون بأن العلاقات والاتصالات مع الإمارات أصبحت أقل حماسة في الأسابيع القليلة الماضية، دون معرفة الأسباب والتفاصيل.
إلى ذلك، لعب الأمريكيون على الأوتار نفسها وأبلغوا بصدور وثائق أولية تعمل على زيادة جرعة المساعدات المالية السنوية المعتادة للأردن. لكن هذا الوعد المالي أيضاً ليس قطعياً ونهائياً ولم تكتمل وثائقه، الأمر الذي دفع المختصين في عمان لتجنب تضمين مشروع الموازنة المالية بالوعدين الإماراتي والأمريكي، على أساس أن وصول هذه المنح لاحقاً سيساعد في تقليص عجز الميزانية وتعويض زيادة النفقات الرأسمالية، وعلى أساس أن عدم وصول هذه المنح لأي سبب ينبغي أن لا يتحول إلى مأزق مالي وفني يواجه مشروع الموازنة المالية.
وبهذا المعنى يمكن القول إن التكتيك والتموضع الأردني في ملف المساعدات يبذل جهداً ملموساً في تجنب المطبات والمساعدات، خصوصاً أن خططاً من نوع التصعيد الضريبي وتحفيز النمو الاقتصادي واستقطاب الاستثمار الداخلي على الأقل وتحريك السيولة النقدية.. تشكل ملامح الانكفاء الأردني على الذات، وتبدأ مرحلة المصداقية في التصرف الداخلي والذاتي دون الاسترسال في انتظار الوعود.
سياسياً في المقابل، غرفة التقييم الأردنية على قناعة بأن حجم الضرر في التحالف مع المملكة العربية السعودية يمكن ترقيعه. ولا يمكن الادعاء بعكس ذلك، خصوصاً أن الظروف المالية للسعودية بعد استنزاف حرب اليمن لخزينتها، والتحديات التي تواجه صناعة النفط بسبب طائرات الحوثيين الصغيرة، تبدو مقنعة ويستطيع الأردن أن يظهر قدراً من التفهم لها. وتفهم عمان بأن تجاوبها مع حليف الإمارات القوي في ليبيا الجنرال خليفة حفتر، وصديقها في مصر الجنرال عبد الفتاح السيسي، من العناصر التي تبقي الخطوط حيوية مع أبو ظبي. لكن المقـابل، التصـعد الـلافت في عـلاقات الأردن وقـطر وبـقاء الاتصـالات مع تركيـا هي من العـناصر التي تعــمل في الاتجـاه المعـاكس.
وهذا يعني عملياً أن ما يسميه الأردن بالتوازنات قد لا يقفز بالتحالفات مع دولة الإمارات إلى ما هو أكبر مالياً، حيث وعد بمنحة لم ينفذ بعد، فيما لم تتضح بعد ملامح أي تقارب في محور عمان – الدوحة. في الأثناء يبدو لغز صفقة القرن أساسياً وحمال أوجه عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع إدارة الرئيس الأمريكي الرئيس دونالد ترامب.
في عمان ثمة من يرتاب من أن قرار الإدارة دعم مقترحات زيادة المساعدات للأردن العام المقبل ومنحه المزيد من الوعود قد ينتهي بدور ما مربك في لعبة صفقة القرن، التي يصر وزير الخارجية أيمن الصفدي على أنها لا تزال غامضة ولا توجد معلومات تخصها لا عنده ولا عند أي وزير خارجية آخر في العالم.
كل تلك المؤشرات تعني بأن حكومة عمان تناضل على جبهتين، فهي تحاول ترشيد برنامج الاعتماد على الذات، وباليد المقابلة تعزف على أوتار التوازنات مع الحلفاء والأصدقاء بطريقة تجعل الحصول على شيء منهم بأي وقت خطوة مباركة، وغياب كل شيء محطة عبور قسرية لا بد من التعاطي معها وطنياً.