الأردن: بعد قرار «المحكمة الدستورية»… هل خطط الرزاز للتخلص من بعض وزرائه أم بدأت حكومته «تخسر»؟
لا يمكن ترسيم حدود الظروف التي دفعت حكومة الدكتور عمر الرزاز في الأردن إلى «مطب» دستوري وسياسي ستكون له بالتأكيد تداعيات مختلفة هذه المرة.
حرصاً من الرئيس على الشفافية والالتزام بالدستور، وجه قبل عدة أسابيع سؤالاً يبحث فيه عن فتوى دستورية لها علاقة بمبادئ الشفافية المالية والنزاهة الشخصية بموجب أحكام القانون والدستور عند من يتولى المواقع العامة المتصدرة. فقد تمهلت المحكمة الدستورية ودرست السؤال لإصدار فتواها التي تعتبر، عندما تصدر فعلاً، بمثابة القانون الملزم فوراً ومن دون أي نقاش.
قبل ثلاثة أيام صدرت تلك الفتوى وقررت تفجير لغم سياسي وبيروقراطي في حضن الحكومة عندما اعتبرت المحكمة الدستورية في تفسيرها بأن من يتولى موقع الوزير في الدولة لا يستطيع الجمع بين الحقيبة الوزارية وأي دور له أو مصالح في الشركات المساهمة العامة بكل أنواعها.
كانت الفتوى مفصلة هنا، وتحدثت أيضاً عن أعضاء مجلسي الأعيان والنواب، ويرى خبراء أن نص قرار المحكمة الدستورية لا ينطبق فقط على عضوية الوزراء في مجالس إدارة شركات خاصة، ولكن على أسهمهم وملكياتهم المالية أيضاً.
الأصل في الاستفسار الدستوري كان توضيح الأمر بخصوص أسئلة طرحت ولها علاقة بوزير الصناعة والتجارة الدكتور طارق الحموري، وهو رجل قانون ووزير ناشط وديناميكي في الحكومة. عند التدقيق، تبين بأن الالتزام الفوري، وهو ما يفرضه قانون المحكمة الدستورية أصلاً بمضمون الفتوى، قد يؤدي إلى وقوف الحكومة قسراً وإجباراً على محطة تعديل وزاري اضطراري. تلك على الأرجح كانت مفاجأة ليس للرزاز حصرياً ولكن للرجل الثاني في الحكومة ونائبه الدكتور رجائي المعشر.
ما قررته المحكمة الدستورية أربك مجلس الوزراء وفاجأ الحكومة، وللتعاطي مع المسألة خوفاً من تداعياتها والتورط بشبهة مخالفة الدستور صدر توجيه من رئيس الوزراء بتشكيل لجنة وزارية يترأسها الدكتور رجائي المعشر ويقتضي واجبها السريع بالبحث في فتوى المحكمة الدستورية وتأثيرها على تركيبة مجلس الوزراء والتدقيق في الخيارات قبل اتخاذ أي تدبير على مستوى الرئاسة.
بدا واضحاً أن المسألة سياسية أشبه بـ «كمين» تعثر فيه الطاقم الوزاري فجأة، فالمعطيات الأولية ترجح وجود مساهمات لسبعة على الأقل من وزراء الحكومة الحالية يعتقد أنهم، في القراءة الأولى أو الانطباع الأول فقط، مخالفون للفتوى الجديدة. ليست صدفة هنا أن الدكتور المعشر أهم هؤلاء، مع أن بعض الوزراء يتحدثون عن ستة من زملائهم فقط يحتاج الأمر إلى التدقيق بشأنهم انسجاماً مع الفتوى الدستورية.
في الانطباع الأولي، حتى اللحظة، لا مجال للمراوغة في المسألة، فأي وزير يثبت وجود تعاكس بين وضعه القانوني والدستوري ومصالحه، عليه أن يلتزم وفوراً بمضمون الفتوى الجديدة.
الخيار اليتيم على الأرجح أمام اللجنة المشكلة برئاسة المعشر هو دراسة الحالات المعتمدة، وقد أعلنت الحكومة رسمياً وعبر وزيرها للشؤون القانونية مبارك أبو يامين بأن قرار المحكمة الدستورية واجب النفاذ وفوراً. الوزير أبو يامين، الذي يشكل عقل الحكومة القانوني، استبعد أن يؤدي إنفاذ القرار إلى تعديل وزاري؛ لأن المطلوب بتقديره من الوزراء جميعاً ومن الحكومة تصويب الأوضاع في حال حصول أي مخالفة إن وجدت لمضمون الفتوى.
يعني ذلك ضمنياً بأن ورشة التصويب تلك، حتى تتجنب الحكومة شبهة مخالفة الدستور، بدأت فعلاً عبر لجنة المعشر الوزارية.
سياسياً، قد تكون الحكومة هنا في مواجهة استحقاق ليس سهلاً، خصوصاً أن الرجل الثاني فيها من كبار المساهمين في أحد البنوك، وهذا طبعاً علني ومعروف، وهو رجل أعمال بارز، إضافة إلى أن أربعة أو خمسة وزراء على الأقل يملكون أسهماً في شركات مساهمة عامة أو حتى مساهمة خاصة، لأن بعض الآراء تعتقد بأن القرار يشمل شركات المساهمة الخاصة.
بمعنى آخر، الملاذ الوحيد للتصويب اليوم له شكل واضح مسبقاً، وهو أن يضطر كل وزير في الحكومة له أسهم أو أدوار اعتبارية أو ملكيات مالية إلى تصويب وضعه، بمعنى نقل أسهمه إلى شخص آخر فوراً وبسرعة، والاستغناء عن أي أدوار اعتبارية ووظيفية واستشارية في القطاع الخاص.
تلك مقايضة ظالمة، لكنها سياسياً قد تضع بعض الوزراء على الأقل أمام مفارقات مفصلية، وقد تجبر الرئيس الرزاز لاحقاً على مقايضات أو حتى على تعديل وزاري، وهو إجراء بكل حال لن يتقرر قبل انتهاء ورشة التصويب وتوصيات لجنة المعشر.
السؤال المحوري الذي يثيره، في سياق التحليل السياسي، هذا المطب أو الكمين الجديد: هل كان الرزاز يخطط للتخلص من بعض رموز فريقه عندما وجه سؤالاً بهذا المعنى للمحكمة الدستورية؟ ..هذا السؤال الملغوم يستنسخ آخر في حال الإجابة بالنفي: هل المقصود في النهاية اصطياد خطأ ارتكبه الرزاز نفسه، وبالتالي خلخلة أرضية حكومته؟
وتجنباً لأي تسرع في الإجابة على السؤالين، لا بد من انتظار العبور بخطة التصويب وما سيعقبه.