مستودع الأردن «المكتوم» بين «جنرالين»:لماذا غادر فريحات وقفز «طيار مقاتل» إلى رئاسة الأركان؟
حسم مفتي التشريعات والقوانين ونصوص الدستور الأردني الوزير الأسبق، نوفان العجارمة، المسألة مبكراً، ودون أن يطلب منه أحد ذلك عندما قرر بأن تعيين وزير دفاع جديد في المملكة يتطلب دستورياً استقالة حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز برمتها. وجهة نظر العجارمة الذي يناكف حكومة الرزاز بعدما غادرها على الأرجح لصالح ممثلة للتيار الليبرالي جلست في موقعه كرئيسة لديوان التشريع التابع للحكومة- مفادها أن نزع حقيبة الدفاع من رئيس الحكومة الذي لا يمارس أصلاً صلاحياتها غير ممكن عبر تعديل وزاري.
بمعنى، وفقاً لاقتراحات العجارمة على صفحته التواصلية، إذا اتجهت المملكة لأي سبب وأي لحظة لتعيين وزير جديد للدفاع لن يحصل ذلك إلا عبر استقالة حكومة الدكتور الرزاز.
ألمح العجارمة بوضوح إلى أن تعليقه القانوني هنا له علاقة بأسئلة وجهت بعد التغيير الأخير والمفاجئ بقيادة الأركان، وبعد تسريب معطيات تتوقع أو تتكهن بترشيح رئيس الأركان المحال على التقاعد، أمس الأول، الرجل القوي في الدولة الجنرال محمود فريحات، لأول حقيبة لوزارة الدفاع عندما تتقرر.
قد لا يكون لمثل هذا الترشيح أي علاقة بالواقع أو بالحسابات العميقة في غرفة القرار.
لكن الأساس في المسألة أن الرأي العام، ومعه النخب السياسية، لا يوجد لديهما اليوم رواية صلبة متماسكة حول المبررات السياسية التي دفعت باتجاه تغيير دراماتيكي ومبكر في قيادة المؤسسة العسكرية عندما قرر الملك عبد الله الثاني تعيين قائد سلاح الجو اللواء يوسف الحنيطي رئيساً للأركان خلفاً للفريق الفريحات.
والأساس أيضاً نمو فكرة دراسة تعيين وزير للدفاع في الحكومة خلف الستارة طوال الوقت، مؤخراً ولأول مرة في تاريخ البلاد، وعلى هامش ما قيل إنه طلبات أو اشتراطات دولية لتعزيز مبادئ الشفافية وإعادة إنتاج العلاقة عبر مجلس الوزراء بين المؤسستين الحكومية والعسكرية.
إلحاح أي مؤسسة دولية أو أي نخب داخلية على مسألة تعيين وزير للدفاع ليس ملزماً للقرار المرجعي، فهذه المسألة الحساسة منوطة حصرياً بعقود من ممارسات الصلاحيات الملكية وبصيغة كانت تطمئن الشارع ولا تخلط بين اعتبارات السياسية ومقتضيات الواجب العسكري.
لكن في المستودع المكتوم في خلفية ذهن صاحب القرار ثمة دراسة لها علاقة بتأسيس وزارة للدفاع مستقلة عن رئيس الحكومة ضمن مقترحات وأفكار أخرى وضعت على شكل سيناريوهات تختص بتحديد ملامح المرحلة المقبلة، مثل ورقة تفترض انتخابات مبكرة للبرلمان أو أخرى تستعد لترحيل الحكومة والبرلمان معاً قبل اكتمال الدورة الدستورية. عملياً، لا تؤخذ القرارات جزافاً، في بلد مثل الأردن، وسط مناخ إقليمي ملتهب، خصوصاً إذا كانت قرارات سيادية، وحتى بعدما لفتت بعض المحطات في التغيير الأخير على رأس المؤسسة العسكرية أنظار المراقبين والخبراء العميقين.
مثلاً، لم يحظ رئيس الأركان الجديد اللواء يوسف الحنيطي برتبة سريعة أعلى من رتبته، وهو أمر قد يحصل لاحقاً طبعاً.
وخلافاً للعادة، لم تنشر رسالة علنية للفريق الفريحات الذي غادر موقعه في قرار مفاجئ بعد عودة الملك عبد الله الثاني من زيارة وصفت بأنها إجازة خاصة إلى الولايات المتحدة.
مهم أيضاً الانتباه إلى أن الجنرال الفريحات يغادر موقعه بشكل سريع قياساً بآلية تغيير رؤساء الأركان، الذين بقي معظمهم لفترة لا تقل عن ست سنوات، فيما جلس الفريحات في وظيفته لأقل من نصف هذه الفترة، الأمر الذي يوحي بأن مقتضيات مهنية، ويمكن أن تكون سياسية مهمة جداً، تطلبت تنحية الجنرال القوي.
في التوازي، مهم جداً أيضاً توفير إجابة من الصعب في الواقع توفيرها على سؤال يعبر عن «سابقة» لا يفك ترميزاتها إلا العسكر فقط.. لماذا يعين القصر الملكي -ولأول مرة- طياراً حربياً قاد سلاح الجو الملكي، في موقع رئاسة الأركان؟
يبدو هذا سؤالاً استثنائياً في الأهمية؛ لأن مخالفة تقليد مستقر في المؤسسة العسكرية ليس من الخطوات الشائعة أو المألوفة في الأردن.
ولأن التكليف الملكي العلني للجنرال الحنيطي تضمن الاستمرار في خطط ومشاريع تطوير وعصرنة وتحديث وإعادة هيكلة القوات المسلحة، وهو أمر سبق أن كلف به ولم يكمله الجنرال الفريحات. يبدو -وفقاً لخبراء عسكريين طبعاً- بأن التطور الكبير جداً في تكنيكات الاشتباك العسكري وطبيعة تشكيل القوات وأولويات المواجهة.. من العناصر التي دفعت بطيار مقاتل إلى رئاسة الأركان. وهنا –حصرياً- لا بد من التوقف عند تبدل الأولويات قبل ذلك بسنوات، حيث حماية الحدود ومواجهة الإرهاب أولوية على وجود عدو يتربص بالدولة، وحيث للجنرال الحنيطي نفسه صولات وجولات في غرف عمليات جوية ضمن تحالفات دولية طاردت تنظيمات داعش وشقيقاتها. يصبح السؤال سياسياً فوراً عندما يصر الخبراء على أن حروب المستقبل وصراعاتها يسيطر عليها إيقاع «معارك السايبر»، بمعنى التركيز على القصف والقوة الصاروخية وبقاء أهمية قوات المهام الخاصة الرشيقة على حساب نمط المعارك والمواجهة التقليدي بقوات البر أو المدفعية أو الدروع. صعب جداً الخوض في التفاصيل العسكرية الفنية.
لكن واضح من التبديلات الأخيرة في قيادة الجيش العربي الأردني بأن في ذهن القيادة أولويات بالتأكيد قد يكون لها علاقة، ولو من باب التحليل والتوقع، إما بتطورات ستشهدها المنطقة أو بأدوار جديدة محتملة في مناخ سياسي ومهني لا يمكن حسابه خارج سياق مشاورات عميقة، يحتمل أن الأردن خاض فيها على هامش ما سمي بالإجازة الخاصة في الولايات المتحدة.