يا «رهف»: «بلاد الكفر أوطاني»… المنسف الكروي ينسف المطابخ وسر غضب مصطفى الآغا من «النشامى»
ما الذي يمكن أن يقوله سجان أمريكي لسجين موريتاني عندما يزوره لاحقا بعدما أصبح مسلما؟
عند مراقبة اللقطات، التي بثتها محطة «العربي» للسجان الأمريكي في غوانتانامو يزو سجينه محمد ولد صلاحي، وهو يحتسي الشاي المخلوط بغبار الصحراء، مع الشاب الموريتاني السجين، يمكن لكل أدبيات ونصوص الضحية والجلاد أن تقفز فجأة إلى أعلى الدماغ البشري لكي تصنع المفارقة.
إلى حد كبير تأثرت بالمشهد، لأن ما فعله الضحية هنا باسم الإسلام وهو يتسامى ويصفح، ثم يستقبل معذبه في منزله المتواضع بترحاب أهم بتقديري الشخصي بكثير من كل ما فعله مشايخ المولينكس وعلماء السلطة و«تنظيم الدولة» وشقيقاتها، حيث الإسلام المتسامح بكل معانيه يتجلى ويغزو القلوب.
طبعا لن تجد محطة «سي أن أن» الأمريكية مثلا «قصة صحافية» تستوجب التغطية في مفارقة من هذا النوع .
ولن تفعل شقيقاتها في الشاشات الغربية والإسرائيلية، التي تسعى لأن تقف ذاكرتنا عند مشهد «أبو ساطور» ممثل الخليفة المزعوم أبو بكر البغدادي، وهو يهوي بساطوره باسم الله والسماء والإسلام على رقبة عامل مصري مسكين تصادف عبوره المكان الخطأ في الموصل أو الرقة.
حسبك… يا رهف
الإعلام إياه يريدنا التوقف فقط عند سوق النخاسة وعند الصورة التي تنسجها محطة «بي سي أس» للفتاة السعودية المشهورة «رهف»، التي تعلن بأنها ستترك الإسلام، مع أن مشكلتها مع نظام مستبد ومجتمع ذكوري بطرياركي وأم وشقيق متخلفين، وليس مع الإسلام كدين.
حسبك يا ابنتنا المكسورة الهاربة رهف الشوق، ونرجو من الله أن لا تغويك النجومية أكثر، فمن يرغب بتغيير دينه يفعل بصمت .
وكندا – التي وفرت لك الحضن، بعدما انتقد العهد الجديد في بلادك سجلها في حقوق الإنسان – فيها مآذن واستقرار وتسامح مجتمعي وحرية دينية أكثر بكثير من تلك، التي يزعمها مشايخ السعودية، الذين «حبكت معهم» وقرروا الرقص مع نجوى كرم بالقرب من الحرم النبوي .
«بلاد الكفر المزعوم أوطاني». هذا ما تقوله الصبية المسكينة، التي يستقر الدهاء في عينيها.
لكن ما فعله أهل رهف بها – إن كان صحيحا – لا علاقة له بالإسلام. تريدون حضن الإسلام الحقيقي. حسنا: إشربوا الشاي مع الغبار في فناء منزل الموريتاني سجين الأمريكيين سابقا.
نيابة عن المنسف
الأردني عندما فرح وقرر إظهار ما لديه من طاقات «فكاهية» أعلن فور الفوز على منتخب استراليا أن طبق المنسف المقبل سيعد على «لحم الكنغر».
وعندما احتفل بعض الأردنيين بفوز النشامى على المنتخب السوري أعلنوا «إغلاق باب الحارة»، لكن عندما تعلق الأمر بمقابلة منتخب الفدائي الفلسطيني تغيرت السخرية، وظهرت تلك الشعارات والتغريدات، التي تهتف باسم «شعب واحد لا شعبين»، ونحمد الله أن المباراة انتهت بالتعادل السلبي، لأن الهتافات تتغير مع النتائج.
المذيع الرياضي السوري الزميل مصطفى الآغا «رحم الله والده المتوفى مؤخرا» يكاد يقفز فرحا من الشاشة وهو يتحدث عن تقدم منتخب النشامى ويهنىء الامير علي بن الحسين على الهواء مباشرة خلال وصلته بعنوان «أصداء».
واضح أن «مزح» الأردنيين وعلى قاعدة «مزح الرجال جد» استفز زميلنا الآغا فنشر تغريدة لم يحفل بها الشارع الأردني توجهت لـ«مجهول» بعنوان «من حقك تفرح عندما يفوز فريقك، لكن ليس من حقك الإساءة لشعب بأكمله».
أتفهم حساسية الآغا، فقد نشر المحتفلون بالنشامى كل أصناف الطعام الشامية والسورية، وهم يتحدثون عن اكتساح «المنسف» للمطبخ الشامي، رغم أن الشارع الأكثر شهرة في غرب العاصمة عمان واسمه «شارع الأكل»، بسبب وجود نحو 43 مطعما فيه، يوجد فيه محل واحد فقط يقدم المنسف، وفي البقية يتصدر بلا منافس الطعام الشامي والسوري على موائد جميع الأردنيين.
هذه إساءة مباشرة لتراث المطابخ وأغلب الظن الدوافع بنية سليمة، لكن الآغا لم يبتلع الأمر فهو يدير البرامج الرياضية الأهم في العالم العربي منطلقا من «أم بي سي»، التي تتبع العدو الأول لنظام بلاده في كل الأحوال.
نيابة عن الناس في بلدي أبلغ صاحبنا أن العتب على قدر المحبة، وأن الشارع الأردني لا يقصد إطلاقا أي إساءة، خلافا لأن الطبق الشامي يتفوق على غيره دوما على طاولات الأردنيين وغيرهم من العرب، مع يقيني أن التشكيك بطعم أو بنكهة طبق من «حراق أصبعه» مثلا ينبغي أن لا يتحول إلى مساس بمحور الممانعة، كما أن تفضيل المنسف على طبق «مسخن» لا يعني أن الملتهم لا يحب فلسطين.
بالمناسبة، حسنا فعل الزملاء في قسم الأخبار في تلفزيون فلسطين وهم ينشدون «أنا دمي فلسطيني»، بطريقة محببة لدعم منتخب «الفدائي»، وحسنا فعل صديقي الفيسبوكي عندما غرد متوسلا في رسالة للاعبين: «أرجوكم إلعبوا بروح المقاومة».