اراء و مقالات

بعد مراجعة «اللامركزية» وقرارات «الحظر» … هل بدأ التحديث السياسي في الأردن «يتأرجح»؟

عمان- «القدس العربي»: بعد أقل من عام واحد على انتهاء الانتخابات النيابية الأردنية الأولى في مسار التحديث السياسي، أصبح السؤال مطروحاً ومشروعاً: هل يحتاج التحديث السياسي الآن إلى «اتجاه تصحيحي»؟
عملياً، يبدو أن أحد الأسئلة «اللعوب» سياسياً وإعلامياً بعد أقل من عام على أول ممارسة انتخابية للتحديث السياسي انتهى بـ «قفزة هائلة» في الانتخابات للتيار الإسلامي، ولاحقاً بالأزمة التي بات الجميع يعرفها الآن باسم «مرحلة ما بعد الحظر»؛ والمقصود قرار حظر جمعية الإخوان المسلمين.
من لا تعجبه صيغة «تصحيح» مسار التحديث السياسي يمكنه الاختيار من متعدد «.. تعديل.. تصويب.. أو تجويد مبادئ التحديث السياسي في ظل الواقع الموضوعي الذي يشير إلى أن بعض اتجاهات تشكيل الأحزاب الوسطية ثبت فشلها.
والتيار الإسلامي لا يزال الأقوى في استقطاب الأصوات في الانتخابات، وهو أمر يرى البعض في أوساط السلطة أن التيار استغله في سياق «التعسف والتحرش التشريعي» بدلاً من بناء توافقات تشريعية منطقية تكرس منهجية «التحديث السياسي».
فوق ذلك، يتأرجح التحديث السياسي الآن، رأي السياسي مروان الفاعوري، بسبب مكيانزمات سلب الحريات والاستهداف المنظم للون سياسي محدد.
الواقع الجديد المتمثل في حظر جماعة الإخوان المسلمين فرض بصمته على كل الوقائع والخريطة بصيغة لا يمكن تجاهلها، وناشط حقوقي وسياسي مثل عاصم العمري يقدر بأن إشارات أكثر تبرز في الانقلاب على مضامين التحديث السياسي التي كانت بحد ذاتها أصلاً مجرد «تسوية» ولقاء بمنتصف الطريق تحت عنوان الانفتاح السياسي.
ثمة ما يوحي وسط الأردنيين على المستوى السياسي بأن فرصة مسار التحديث السياسي بالبقاء والاستمرار أصبحت أقرب إلى سؤال استفهامي.
ولم تعد قدراً أو استراتيجية وطنية كما وصفت في الماضي لا يمكن التراجع عنها، بدلالة أن الأحزاب التي خاضت الانتخابات باسم تيارات الوسط قبل أقل من عام تبحث عن طريقة للاندماج ولتوحيد جهودها، وبدلالة أن أكثر من حزب وسطي كبير بعد مسارات التحديث السياسي يحاول البحث في تقليب صفحات هويته وترسيم الأخطاء والعثرات والنهوض مجدداً.
هنا يبرز رأي القيادي في البرلمان وفي حزب إرادة النائب خميس عطية، عندما يقترح ألا يستعجل المراقب في الحكم على تجارب الأحزاب، وأن تمنح الأحزاب السياسية الجديدة فرصة التعلم سواء من الأخطاء والعثرات أو من تطوير التجربة والأداء.
لا يجوز بمواصفات ومقاييس عطية الحكم على التجارب الحزبية من خطواتها الأولى.
واحدة من ميكانزيمات العمل الحزبي هي تلك التي تؤدي إلى تطوير الأداء في اتجاه البرامجية بين محطة وأخرى.
رغم ذلك، الظروف التي تحيط بمسار ليس الأحزاب فقط ولكن التحديث السياسي هذه الأيام تبدو ملتبسة ومفتوحة على الاحتمالات، خصوصاً أن الحكومة الحالية برئاسة الدكتور جعفر حسان قدمت مثالاً حيوياً دون أن تقصد ذلك بطبيعة الحال على أن الحكومات في المستقبل تستطيع التراجع عن مسارات مرجعية انتجتها لجان استشارية عريضة وتقررت.
المعنى هنا لا يوجد «عصمة» لأي مسار يتقرر استشارياً، والتحديث السياسي ليس الاستثناء هنا.
وهو ما يحصل وحصل مؤخراً على مستوى ملف الحكم المحلي والمجالس البلدية.
الحكومة الآن في صدد تعديل قانون البلديات، وقد يؤدي هذا التصويب والتعديل إلى إغلاق ملف انتخاب رؤساء البلديات في أكثر من بلدية كبيرة في المملكة كما يحصل في العاصمة عمان.
رغم أن الوزير المختص وليد المصري نفى أن الحكومة اتخذت قرارات محددة في هذا الاتجاه فإن الانطباع العام لدى الوسط السياسي باتجاهات الإدارة المحلية والبلديات يفيد بأن الحكومة حالياً تنقلب على نحو أو آخر على صيغة مجالس المحافظات واللامركزية الإدارية.
لاحظ الخبير البيروقراطي والنائب السابق سامح المجالي بأن الصدامات والصراعات ذات العلاقة بالرغبة بالنفوذ أحياناً وبالمكاسب بين المجالس البلدية ومجالس المحافظات ساهمت في اجهاض التجربة.
في كل حال، ثمة مؤشرات قوية على تراجع ملموس في بصمات مشروع اللامركزية الإدارية، الذي حظي مع المجالس المنتخبة في المحافظات بأضواء إعلامية لا تقل أهمية قبل نحو 12 عاماً عن الأضواء التي حظي بها قبل عامين مشروع التحديث السياسي.
وبالتالي، يمكن قراءة نية الحكومة التراجع في مشروع اللامركزية الإدارية باعتباره إشارة حيوية على أن المصلحة هي التي تتطلب التعديل والتصويب وتجويد الأداء. على الأقل، تحب نخب الحكومة تلاوة مثل هذا التبرير.
ذلك طبعاً وبالتوازي، يؤشر إلى أن فرصة وبقاء التحديث السياسي كملف كما هو أو كما صدر عن اللجنة الملكية العريقة العريضة قبل نحو عامين قد تبدو أضعف الآن من أي وقت مضى بسبب بروز أفكار ومعطيات جديدة، من بينها تعديل قانون الانتخابات، وإدماج الأحزاب الوسطية فيما بينها والبحث عن قواسم مشتركة. ومن بينها أيضاً -ولعل ذلك من أبرز العناصر- العلاقة بين التطورات الأساسية على صعيد الأزمة مع الحركة الإسلامية والسلطات وبين مستقبل وصياغات مسار التحديث السياسي برمته؛ لأن بعض الآراء تتزاحم الآن وهي تقول إن مسار التحديث السياسي يخدم الإسلام السياسي فقط عملياً ما دامت الأحزاب الوسطية أو المعتدلة لم تحصل على فرصة منصفة من الوقت لبذل جهدها للجلوس والتموقع في خارطة الواقع الموضوعي للأحزاب السياسية.
هل «يسمح» بالانتقاص من مسارات التحديث السياسي لأغراض متعددة من بينها «التصدي لنفوذ الإسلاميين»؟ سؤال يحتاج للقليل من الوقت لتحصيل إجابة عليه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading