اراء و مقالات

الأردن: «دسترة» قانون الجرائم الإلكترونية في انتظار «الحسم الملكي»

عمان – «القدس العربي»: عبر قانون الجرائم الإلكترونية المعدل الجديد في الأردن من خطوته الدستورية الثانية، وهي التصويت في مجلس النواب ثم الأعيان بعد ظهر الأحد في القراءة الثانية بعد رده من مجلس الأعيان، الأمر الذي يعني دستورياً أن السلطة التشريعية انتهت من واجبها في مراجعة ومناقشة وإقرار نصوص القانون الذي أثار ولا يزال يثير حزمة غير مسبوقة من الاعتراضات والاحتجاجات تتوسع، فيما بدأ يؤثر مسبقاً على كثير من مفاصل وتفصيلات علاقة الأردنيين بوسائط التواصل الاجتماعي حصرياً.
بقي على إقرار القانون وسريان تنفيذه الخطوة الدستورية الثالثة، وهي مصادقة الملك على القانون ثم نشره بالجريدة الرسمية. وبانتظار هذه المصادقة المرجعية، يقف المعترضون على أصابعهم تقريباً، فيما تقرع طبول التحذيرات من مساس قريب ووشيك وشبه مؤكد بمساري تحديث المنظومة السياسية والتمكين الاقتصادي.

عاصفة من الجدل

عملياً، لا أحد يمكنه أن يتوقع مسير هذا القانون الذي أثار عاصفة من الجدل والاحتجاج، خصوصاً أن الفعاليات المحتجة بدأت مبكراً بمخاطبة القصر الملكي وإظهار التمنيات عليه بأن لا يتم توقيع هذا القانون؛ لأن كلفته وأضراره ستكون كبيرة خصوصاً عشية التحضير لانتخابات عام 2024 وهي الانتخابات المهمة جداً على صعيد مسار وبرنامج تحديث المنظومة السياسية في البلاد.
المشهد السياسي دخل في العديد من الاتجاهات المتناقضة، والتكهنات تملأ الساحة المحلية، خصوصاً أن الحكومة فيما يبدو لم تكن جاهزة لشرح القانون وبنوده وتفصيلاته ولا لتقديم تصور عملي حول كيفية التعامل لاحقاً مع تطبيقه بتخصيص الموارد والكوادر الإدارية اللازمة لإدارة حالة التراشق في الشكاوى والقضايا الإلكترونية بمجرد سريان هذا القانون. وفوق ذلك، توقفت الحكومة نفسها عن الفعالية والاشتباك في انتظار قرار القصر الملكي بالخصوص.
ولا يمكن طبعاً التكهن بالحسابات التي يديرها مركز القرار الآن بخصوص هذا القانون، خصوصاً أن الحملات عليه بدأت بالاتساع شعبوياً على الأقل، فيما سيربك على الأرجح كل الخطط المتعلقة بالأحزاب السياسية بعد ما ظهرت ملامح الارتباك جلية على صعيد أحزاب المنظومة السياسية الوسطية نفسها، التي اضطر بعضها للتسابق مع بقية الأحزاب لإظهار موقف فيه قدر من التحفظ دون إغضاب الحكومة والسلطات، في عملية بدأت صعبة ومعقدة حتى الآن وقد تصبح أصعب وأكثر تعقيداً إذا ما انتهى مطاف النقاش العاصف بدسترة الخطوة الثالثة من مسيرة هذا القانون سيئ السمعة والصيت على صعيد ملف الحريات، والذي يؤسس – برأي الناشط الحقوقي البارز عاصم العمري- لأزمة مجتمعية بامتياز، ستخلط الكثير من الأوراق وستوحي بأن الرأي العام الذي يشاهد حكومته وبرلمانه يتقدمان بقانون لا يتميز بأي شعبية ويخشاه الناس ويعبرون عن احتجاجهم عليه، سيجد نفسه مضطراً عملياً لتصديق الروايات التي تقال عن أسباب تكميم الأفواه بموجب هذا القانون وتلك المسوغات السياسية الخفية.
برأي العمري وآخرين كثر في المشهد السياسي والحقوقي الأردني، لا يوجد في ذاكرة الأردنيين الآن بسبب حالة الإصرار الغريبة على نصوص هذا القانون، وخصوصاً من مجلسي الأعيان والنواب بعد الحكومة إلا قراءات وتفسيرات لها علاقة بمشروع سياسي قادم في البلاد يتطلب غلاظة وشدة في نصوص القانون، كما يتطلب قدراً أو المجازفة بقدر من تكميم أفواه الأردنيين.
يقولها العمري بكل وضوح وبساطة، فقط القضية الفلسطينية والتسويات التي يمكن أن تحصل عليها على حساب الشعب الأردني وهويته ومصالحه هي المساحة التي يذهب إليها الخيال الشعبي بكل تأكيد، وهو يحاول تفسير تلك الغلاظة بالقانون ثم الغلاظة بالإصرار على تمريره وعبوره دستورياً بدون حد أدنى أصلاً من الحوار والنقاش لا مع الخبراء ولا مع الأحزاب السياسية.

الخطوة الثالثة

طبعاً، لا توجد أدلة على أن الخطوة الثالثة في دسترة القانون قد لا تتخذ لصالح الاحتجاجات الشعبي، فكل دوائر القرار عملياً وبعض التعبيرات الاجتماعية لديها قناعة بالحاجة إلى قانون ينظم ما يحصل على الشبكة الرقمية.
ومشكلة القانون الذي مرره النواب وعدل عليه بشكل طفيف الأعيان واعتمدته الحكومة هو أنه يتوسع بعبارات غامضة ومصطلحات مرنة ويتذاكى في محاولات استغلال رغبة كثير من الأطراف في إظهار قدر من السيطرة على الشبكة الافتراضية وضبط إيقاع الفوضى والانتهاكات، لا بل تجريمها بشكل غير محدود وغير مسبوق وفج إلى حد ما، وبدون مشاورات، وهي كلها الأسباب التي أدت ضمنياً وعملياً إلى فوضى النقاش العاصف.
بانتظار قرار القصر الملكي، توسعت المناشدات لمؤسسة القصر، لا بل برزت أصوات من وزراء سابقين وشخصيات من رجال الدولة ومحسوبين على دوائر القرار نفسها، تعبر عن المخاوف من نتائج وتداعيات تطبيق هذا القانون، خصوصاً أنه يصدر بالتزامن مع قوانين أخرى مثيرة للجدل، من بينها قانون السير الذي يرفع بشكل غير مسبوق وعدة أضعاف مخالفات وغرامات السير على الطرق، خلافاً لقانون الملكية العقارية الجديد الذي أثار نشطاء إسلاميون حوله العشرات من علامات الاستفهام.

هل يعني ذلك شيئاً محدداً؟

يمكن ببساطة ملاحظة أن قرار مجلس النواب الأخير بالتصويت على تعديلات القانون الواردة من الأعيان يعبر يومه الرابع، فيما لم تعلم بعد -كما تفترض الحكومة- الخطوة المتمثلة بتوشيح القانون بنص تتضمن إرادة ملكية.
قد يعني وقد لا يعني، ولذلك يكثر التكهن ما لم تقل أجهزة الدولة هذه المرة للرأي العام ما هو تصورها بعد كل الاعتراضات والاحتجاجات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى