اراء و مقالات

الأردن: «لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين»… من القائل ولماذا الآن؟

عمان – «القدس العربي»: لا يوجد رابط سياسي ولا فكري ولا حتى شخصي بين سياسيين أردنيين هما الدكتور عمر الرزاز والدكتور ممدوح العبادي. ورغم ذلك، كرر الرزاز على نحو مفاجئ أمس الأول في المنقول عنه تلك المقولة التي كان العبادي يطرحها منذ سنوات طويلة بعنوان “لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين”.
قد تكون تلك مجرد صدفة مرتبطة بسياسيين ينتمي كل منهما إلى مدرسة مختلفة، وإن تزاملا معاً في مجلس الوزراء في عهد الدكتور هاني الملقي دون كيمياء عملياً قبل أن يسقط الدوار الرابع تلك الحكومة وتولد حكومة الدكتور عمر الرزاز.
الأسباب التي تدفع الآن سياسيين في عمان للحديث عن ديمقراطية يصنعها الديمقراطيون، لها خلفية وعدة أسباب. لكن الأهم في السجال النقاشي الذي تشهده البلاد اليوم أن بعض المثقفين سياسياً اليوم والمحسوبين على التيار الليبرالي والانفتاح ودعاة العصرنة والتحديث، يمكنهم ببساطة العودة عند التنظير حصراً لما كان يقوله رموز في العمل الشعبي والبرلماني يصنفهم التيار الليبرالي في السياق المحافظ.
مقولة “لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين”، مسجلة عبر “القدس العربي” وغيرها منذ سنوات طويلة ضمن تلك الملاحظات المتحفظة لسياسي مخضرم مثل العبادي، ويناظرها في التفكير السياسي ما يردده دوماً على مسامع “القدس العربي” ومنذ سنوات أيضاً الأمين العام لحزب جبهة العمل السلامي الشيخ مراد العضايلة، وهو يصر على أن المطلوب من المؤسسة الرسمية أن تصلح نفسها اليوم، فيما يترقب وينتظر الشعب مع الإصرار بالتوازي على أن المقاربة الوحيدة المنتجة هي تلك التي تفرض إيقاع الإصلاح الجذري والعميق.
مقاربة العضايلة في عمق الإصلاح تشبه مقاربة العبادي الذي يستغرب دوماً فرضية التحدث عن الديمقراطية بدون بناء ديمقراطيين يؤمنون بالديمقراطية والإصلاح السياسي.
المثير الآن في التشخيص العام أن شخصية مثل الرزاز تلتحق بعد ترؤس السلطة التنفيذية لعامين، بما كان يقوله وطنيون فاعلون مثل العبادي والعضايلة. لكن الأمر لا يقتصر عند هذه الحدود، فقد أفرزت تساؤلات وتوقعات مرحلة ما بعد زفاف ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله، حوارات تبدو صريحة نسبياً في مسألة التشخيص ولا تنقصها الجرأة.
ولا يقتصر الأمر على لعبة الإلهاء بالحديث عن الديمقراطية بإصلاح بدون إصلاحيين حقيقيين في واجهات القرار ومراكز صناعته، وإن كانت التجارب مع الليبراليين واليساريين الذين جلسوا في حضن السلطة عدة مرات تقول بوضوح إنهم سرعان ما يتحولون إلى ما هو أبعد من التنميط المحافظ ويغرقون في تسويات بيروقراطية من كل الأصناف بمجرد جلوسهم على مقاعد القرار في المؤسسات.
تلك واحدة من المفارقات الدائمة وغير المفهومة في خارطة النخب الأردنية، فقد قال الرزاز يوماً مباشرة لـ “القدس العربي” بأن كل دعاة الإصلاح والتغيير والتحديث هم أقلية في المجتمع الأردني، وليسوا وحدهم في المشهد.
وقبله، قال وزير البلاط الأسبق مروان المعشر عدة مرات بعيداً عن الفصام في الخطاب التثقيفي، بأن الإصلاح الحقيقي الجذري العميق يبدأ في التشكل والولادة فقط وحصراً عندما توضع في الثلاجة تلك المقولة التي تفترض أن كلفة الإصلاح على الدولة والبلاد أكبر بكثير من كلفة وفاتورة بقاء الأمر كما هو في الواقع.
تلك المقاربة فرية انتهازية اخترعها إما محافظون أو ممثلون لتيارات مغرقة في المحافظة تخشى الإصلاح والتغيير، لا بل لا تؤمن -وفقاً للعبادي وغيره- بأن الصمود والصلابة والبقاء وتمكين الجبهة مرتبط بالإصلاح الحقيقي.
في كل حال، مرحلة ما بعد الزفاف الملكي الأميري أعقبتها مداخلات هنا وهناك، فقد برزت أصوات تصعد بالتشخيص الجريء للواقع وإن كان بأثر رجعي، الأمر الذي يمكن فهمه عند مراقبة الرزاز متحدثاً بصراحة عن الحاجة لنقلة نوعية في الحوكمة أو عند مراقبته أثناء استقبال “مجموعة حزارية”، حسب صحيفة “عمون”، وهو يحذر من أصحاب الأيدي المرتجفة نافضاً الغبار عن مقولة كانت حكومته تتصرف عكسها بعنوان الديمقراطية التي يديرها ديموقراطيون.
تلك مقولة تطل برأسها بين الحين والآخر لأغراض متعددة رغم أن العبادي حصراً هو صاحب التوقيع الأول والمتكرر عليها. الحديث عن الحوكمة الرشيدة دفع بمخضرم آخر هو سمير الرفاعي، للتحدث عن نزاهة التعيينات، ما يعني أن لاعبين لا يستهان بمجساتهم مثل الرفاعي والرزاز وغيرهما، يلتقطون إشارة ما في العمق لطبيعة وتركيبة المرحلة اللاحقة.
وبصرف النظر عن هوية أي تغيير أو تصويب أو تعديل في المسار والأدوات سينتج عن تقييمات ما بعد الزفاف في المشهد الداخلي والنخبوي الأردني، يمكن القول بأن الجميع يستطيع ممارسة الإفتاء اليوم، وبأن النخبة الباحثة عن دور قريباً تستطيع العودة وبدون تقديم شرح مفصل لتلك العناوين المغرية بقصد جذب الانتباه.
وهي العناوين التي تتحدث عن الحوكمة الرشيدة وغياب الديمقراطيين عن المشهد وأزمة اتخاذ القرار، حيث طبقة كاملة من كبار المسؤولين اليوم وأصحاب الخبرة تقر بأن تجليات ودروس الزفاف الملكي الأخير في أهمها تقول بأن الأزمة ليست بالإدارة ولكن في القرار.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading