اراء و مقالات

«تسريبات ونفايات إلكترونية» في الأردن: «من يصطاد من وكيف ومتى؟»… الإعلام الرسمي «إما أو» والاجتماعي بلا «فلاتر»

عمان- «القدس العربي» : الجزئية الأكثر حساسية في مواجهة جدل التسجيلات التي ظهرت فجأة وعلى نحو مباغت وبصورة تبدو منظمة حقاً ضد مدير الأمن العام الأردني الأسبق الفريق حسين الحواتمة، هي تلك المتعلقة بالغرق مجدداً وطنياً، وتتعلق بيروقراطياً وسياسياً بأسئلة ظهرت قبل سنوات لكنها بقيت معلقة: أين الحد الفاصل في الاعتداء من أي جهة على خصوصية الأفراد؟
كيف ولماذا لا تتخذ مؤسسات رسمية معنية إجراءات فعلية لحماية التسريبات الصوتية؟
يعرف الجميع حساسية أسئلة من هذا النوع. ويعرف الجميع بأن ما يسمى بالمعارضة الخارجية تتسلى أحياناً بسمعة البلاد والعباد بعد عملية تغذية بالمعطيات تصلها بطريقة لا تزال مجهولة إلى حد كبير، وإن كانت تنطوي أيضاً من جهتها على حجم هائل من التساؤلات الحائرة.
في كل حال، يرمي مغامر ما باسم المعارضة أو غيرها حجراً في مياه راكدة، فيكبر ويتحول إلى صخرة، ثم تتدحرج لتطيح – وكما يرى المحلل الاستراتيجي الدكتور عامر السبايلة مجدداً- بما تبقى من سمعة الإدارة العليا ومصداقية الدولة عند الناس.
صحيح أن المسألة لم تعد تقف عند حدود من يرمي حجراً هنا أو هناك في الداخل أو الخارج ضد مسؤول ما بعينه نكاية في الدولة والنظام، بل تتعدى في اتجاه ترويج كبير للسلبية والسوداوية، كما يصفها رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، بعد تغذية راجعة قوامها اندفاع مئات أو آلاف الأردنيين فجأة لإعادة تداول النفايات الإلكترونية، التي تبالغ أو تفرط في الحماسة، وأحياناً تفبرك أو تقول ربع معلومة فيتلقفها مواطنون ضجرون أو حانقون أو يبحثون عن أدنى فرصة لتصفية الحسابات مع الدولة عبر تشويه سمعة رموزها قدر الإمكان، فيما لا تؤسس كل تقنيات الإعلام الرسمي الحكومي لأي رواية منتجة في الوقت المناسب لتساهم في ابتلاع ولو جزء من الروايات السلبية.

«كاظمو الغيظ»

«عدد كاظمي الغيظ يزيد وسط الأردنيين».. هذا ما حذر منه يوماً وعلى مسامع «القدس العربي»، السياسي المخضرم طاهر المصري بعد لقاء عابر برئيس الوزراء الأسبق الدكتور عمر الرزاز.
في المقابل، ظهور تسجيلات صوتية مصدرها غامض تشوه سمعة جنرال أمني بارز تقاعد للتو وقبل أيام فقط، هو الفريق حسين الحواتمة، يؤدي وفي أول ردود الفعل إلى استياء قبيلته – بني حميدة – من هذا التشويه المثير والغامض، وانضمامها في بيان رسمي إلى القائمة التي يتحدث عنها المصري من مجموعات «الاحتفاظ بالحكمة وكظم الغيظ».
ليس من مصلحة أحد في الدولة ولا وسط الأردنيين الاسترسال في هذا الاشتباك الضار، وروايات منصات التواصلية بدأت تفرض سطوتها بقوة على الجميع، فيما الإعلام الرسمي إما مركوب أو مرعوب أو بطيء وزاحف بإقرار حتى كبار المسؤولين. وهذا الإعلام الإلكتروني الاجتماعي في كثير من الحالات دون فلاتر، وأصبح يقود -برأي القطب البرلماني الخبير خليل عطية- الحكومة وبقية المؤسسات والمزاج العام.
قالها عطية بصراحة أمام «القدس العربي»: «هذا وضع خطر.. لا ينبغي الاستمرار في السكوت عنه، وتلك الإمكانات السلبية في ترويج الإشاعة وتسريب التضليل وإعادة تسويقه وتزويقه لا بد من تحويلها بخطة وطنية مدروسة إلى طاقة إيجابية تكفي البلاد والعباد شرور الافتاءات على المنصة».
لا أحد في ملف روايات المنصات وحتى ميكروفونات ما يسمى بمعارضي الخارج، لا في السلطة ولا وسط النخبة السياسية، يريد أن يتوقف ويطرح الأسئلة الأعمق، مع أن الأزمة ليست سهلة، وكبيرة حتى في رأي وزراء إعلام واتصال متعاقبين شاركتهم «القدس العربي» في التقييم، ومن بيهم صخر دودين، ولاحقاً الوزير الحالي فيصل الشبول، وغيرهما.

تسريبات ولجوء للقضاء

وجد الأردن نفسه قبل يومين فقط في عمق هذه المفارقات مجدداً بعد ظهور مباغت لتسجيلات صوتية تخص أحاديث أو مكالمات لمدير الأمن السابق الفريق حسين الحواتمة، قال «إنها مفبركة»، وبسرعة أعلن محاميه بشير المومني اللجوء إلى القضاء بتهمة القدح والذم والتشهير، ثم تحدث عن فبركة تسجيلات ضد الباشا.
وهي نفسها العبارة التي وردت في بيان قبيلته التي تحاول الدفاع عن سمعتها الآن وسط موج منصاتي فيه كثير من السمية، فيما لا تبدو لا الحكومة ولا السلطات معنية بالتعليق على ظهور غريب ومفاجئ لتسجيلات صوتية تخص مكاتب رسمية هذه المرة أو موظفين كباراً في المنظومة الأمنية، ثم نشرها على العلن بصرف النظر عن إمكانية واحتمالية فبركتها أصلاً.
الحدث يتدحرج ومجدداً الحكومة في الصمت، وكالعادة قد تغادر مساحة الصمت فقط عندما تقرع المزيد من أجراس الإنذار، فتتقدم برواية ربع مقنعة في وقت متأخر تتكالب وتتكاثف فيه الرواية السلبية، مع أن أي مسؤول رسمي يقرر الصمت بعد ظهور مثل تلك التسجيلات الصوتية قد يجد نفسه بالضرورة الحتمية يوماً ما وقد تم اصطياده بشبكة مماثلة.
ما لم تعلق عليه السلطات بعيداً عن قصة جنرال ما اشتبك مع عصابة المخدرات ثم استهدفته فجأة عمليات البث الخارجي للمعارضين هي تلك الأسئلة المحرجة للجميع، والخاصة بفهم التوقيت والزمان والمكان، لا بل الكيفية الفنية لقدرة أي جهة أو فرد على توثيق أو فبركة ثم تسريب مكالمات أو أحاديث خاصة.
سبق أن حصل ذلك وتجاهلته الحكومة، وسبق أن شكلت لجنة تحقيق تبحث عن الطريقة التي تنشر فيها بالخارج والداخل وثائق أو محاضر رسمية، لكن لا أحد يعلم أين انتهى ذلك التحقيق الآن، ولا أحد يعلم هوية الموظف المحلي الغاضب الآن سواء داخل وظيفته أو بعد التقاعد، والذي يحترف التسريب فيشوه سمعة من أراد، ويربك مراكز القرار متى شاء، حيث في مواجهة تسريبات الوثائق والتسجيلات الصوتية تبدو الدولة برمتها مرتبكة أو عاجزة عن الاحتواء.
لا بل الأخطر أن المؤسسات الرسمية في كثير من الحالات تبدو خارج استطاعتها اليوم في حماية وثائقها وملفاتها ومحاضرها، سواء كانت رسمية أو شخصية أو حتى سيادية أحياناً.
ظهور موجة تسريب بين الحين والآخر مسألة تثير القلق ليس على خصوصيات الأردنيين وحرياتهم الشخصية؛ فتلك منتهكة أصلاً، لكن على أسرار الدولة ومعطياتها بالمقابل، فالقناعة كبيرة وسط المراقبين والخبراء بأن من يصمت اليوم قد تظهر له تسجيلات صوتية غداً خلافاً لأن هذه التغذية السلبية في كل حال وبصورة مرجحة تؤشر على مرض الأردن العضال المزدوج بعوارض أزمة الأدوات والصراع بين مراكز القوى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى