اراء و مقالات

فيلم «الحارة» الأردني ومقترحات سحب الجنسية: مايكروفون نائب أعاد السياق إلى «ما قبل الدولة»

حالة القصف والنقد التي تعرضت لها تجربة فيلم «الحارة» تثبت ان حالة الإنكار للحقائق والوقائع ليست حكرا على السلطة والحكومة بل على المجتمع أيضا.

عمان ـ «القدس العربي»: الدعوة التي تقدم بها أحد أعضاء البرلمان الأردني وانتشرت على منصات التواصل الاجتماعي المحلية الأسبوع الماضي بعنوان «سحب جنسية فنان معروف» بسبب فيلم سينمائي أثار ضجة تعيد جميع الأطراف إلى ما قبل مرحلة الدولة والقانون، في الوقت الذي اعتقد فيه الجميع بان البلاد عموما وهي على مسار تحديث المنظومة السياسية تجاوزت طروحات متطرفة ومتشددة وكل تقاليد مقولة سحب الجنسية من مواطنين.

بطل المشهد حسب ضجيج المنصات عضو البرلمان سليمان أبو يحيى. والأخير يبدو انه حاول تذكير الجميع بمقولة سحب الجنسية التي اجتهدت الدولة الأردنية لأكثر من عقدين من الزمن للتراجع عنها وتشكل اعتداء صارخا على كل ما يمت بصلة لدولة القانون والمؤسسات.
ويبدو ان النائب أبو يحيى لا مس خيطا رفيعا من الحساسية واللعب بالأوتار التأزيمية في المجتمع بذلك الاقتراح غير البناء وبصورة تظهرها ردود الفعل الشعبية والحقوقية الغاضبة.
كان يمكن للنائب أبو يحيى وغيره الوقوف فقط عند محطة استنكار المسلسل أو رفض أفكاره أو حتى التوجه باستجوابات للحكومة حول كيفية السماح للحكومة بإنتاج هذا النوع من الدراما.
بكل حال لم يقصد النائب أبو يحيى وهو أحد النواب الجدد في البرلمان ان يتطور الجدال بعنوان سحب الجنسية إلى المعنى السياسي والقانوني وكل المسألة على الأرجح مرتبطة حصرا بسباق بعض النواب أمام المايكروفون لقصف نخبة من الممثلين الشباب المبدعين عمليا والمشاركة في حفلة الجدل والاعتراض على مسلسل أثار الجدل باسم «الحارة».
«الحارة» وهو فيلم درامي يتحدث عن ما يحصل في شوارع الأردنيين وأحيائهم أثار عاصفة من الجدل ليس لأنه تميز بسقف جريء وحاول تمثيل الواقع كما يحصل أو على الأقل كما يفترض أنه يحصل. بالتالي أي دعوة من قبل ممثلي الشعب لسحب جنسية أي مواطن أردني تعني عموما وبصرف النظر عن الموضوع والشخص ان البلاد في الإصلاح الحقيقي لا تزال تحتاج للكثير وان هندسة الإصلاح على حد التعبير الذي صرفه رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري ليست بديلة حقيقة عن الإصلاح، بل ان خطابات بعض النواب والنخب البيروقراطية والسياسية وأحيانا الاجتماعية تنتمي فيما يبدو لمرحلة ما قبل الدولة وما قبل المواطنة.
وخطاب من هذا النوع المتشنج هو حصريا ذلك الخطاب الذي يقدم دليلا وبرهانا مباشرا على الحاجة الملحة فعلا تحت عنوان ومسار التنمية التحديثية لإعادة تعريف هوية المواطن والعودة لمنهجية المواطنة خلافا للبحث حقا وفعلا في جوهر ملف الهوية الجامعة.
يعلم المراقبون والخبراء ان المسألة لا تتعدى مشاركة منفلتة في القصف الذي طال عملا دراميا أحد المسلسلات، وتهمة الفيلم أنه لا يمثل بيئة الأردنيين رغم ان بعض المعلقين قدروا بان البيئة الحقيقية في الواقع في الحارات الأردنية أسوأ بكثير من تلك التي حاول العمل تصويرها.
ويبدو ان «الحارة» ضرب عدة أوتار حساسة في نفس الوقت ونتج عن ذلك هجمة غير مفهومة كان من الطبيعي ان يركب موجتها بعض نواب البرلمان أو حتى بعض رموز التيار الإسلامي، ولكن من غير الطبيعي ان تصمت الحكومة وان تخشى وزارة الثقافة جرأة الاشتباك مع انها ليست طرفا في الإنتاج.
حجم الجدل الذي أثاره مسلسل أو فيلم «الحارة» هائل وغامض وغريب بطريقة تجعل كل القضايا الأساسية والمفصلية المهمة والتي لا يهتم بها نواب البرلمان بالعادة مثل القدس واحتلال فلسطين والفساد وحتى مثل الأزمة المعيشية الطاحنة في البلاد قضايا مهمة قياسا بتجربة درامية سينمائية حاولت واجتهدت بصرف النظر عن شكلها وإطارها ونصوصها.
بالمدلول السياسي الوطني العام ليس فيلم «الحارة» هو الذي دلل على الكثير من مواطن الخلل. لكن حالة القصف والنقد التي تعرضت لها هذه التجربة بصورة وصيغة تثبت بأن صدور الأردنيين أو الكثير منهم على الأقل لا تزال ضيقة، وان حالة الإنكار للحقائق والوقائع ليست حكرا على السلطة والحكومة في الواقع ودوائر القرار بل على المجتمع والناس أيضا مع ان الحملة ضد تجربة فيلم «الحارة» خدمت الفيلم وأشهرته وتسببت في إنتاج مساحات واسعة من الرغبة والفضول في الاطلاع عليه.
والأهم ان وزيرة الثقافة التي يفترض انها تقود مؤسسة قادرة على الاشتباك أبلغت لجنة برلمانية بعدم وجود صلة بين وزارتها وإنتاج العمل الدرامي المثير، فيما كان نائب آخر من التيار الإسلامي يقصف العمل مطالبا بمساءلة ومحاكمة الهيئة الملكية للأفلام التي يبدو انها مولت تلك التجربة الجريئة.
تجليات النقاش في عمل درامي مثل «الحارة» سياسيا وإعلاميا وعبر منصات التواصل تثبت عمليا بان التيار المحافظ جدا أو الذي ينكر الوقائع مستقر وموجود بقوة في عمق القواعد الشعبية والمؤسسات وليس فقط في مؤسسات السلطة.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى