جديد الإعلام الأردني: «شيطنة المواطن المتضامن مع المقاومة» وسؤال «الحاضنة» يقفز: مكسب… فاتورة… تهمة أم جريمة؟

عمان- «القدس العربي»: الفرضية التي تتصور بأن الإجراءات التي اتخذت مؤخراً في الأردن ضد أهم تعبيرات أو جماعات الإسلام السياسي في البلاد تنتهي باحتواء ومحاصرة الحاضنة الاجتماعية الداعمة للمقاومة الفلسطينية، لم تعد فرضية قابلة للصمود في الواقع الموضوعي.
الغطاء الاجتماعي للمقاومة الفلسطينية في الأردن يمكن التعاطي معه كمكسب استراتيجي كبير أو «فرصة» أو «كلفة وفاتورة ينبغي عدم دفعها».
عملياً، لا يوجد ما يستوجب ويستحق الابتهاج؛ لأن العلم الفلسطيني اختفى من أيدي المتظاهرين والمحتجين المتضامنين مع أهل غزة.
ولا يوجد ما يستوجب الاحتفال؛ لأن تلك التظاهرات والوقفات التضامنية شبه اختفت من الشارع بعد قرارات الحظر الشهيرة فيما المذبحة التي يرتكبها الإسرائيليون متواصلة، بل تتوسع باتجاه تغيير الأمر الواقع في الضفة الغربية.
وهو ما ألمح له سياسيون كبار معتدلون، من بينهم مؤخراً الدكتور جواد العناني.
بعد سلسلة من المقالات والأقلام التي اتخذت منهجاً في تحريض الدولة على مؤشرات التعاطف الاجتماعي وسط الأردنيين مع المقاومة، وجد السياسي مروان الفاعوري نفسه مضطراً للسؤال بحضور «القدس العربي»: بالله عليكم.. كيف تستفيد مصالح الأردن إذا أصبح التعاطف مع المقاومة تهمة تجعل صاحبها خارج الصف؟
يطرح الفاعوري سؤاله وهو يراقب سلسلة الادعاءات الوطنية التي تظهر في مقاربات ونصص ومقالات تطالب السلطات بالتدخل أكثر لقمع حريات ورأي الأردنيين ضمن معطيات مرحلة توقعها مبكراً وعبر «القدس العربي» الناشط الحقوق المعروف عاصم العمري، عندما قال إن ما يخطط له الأمريكيون والإسرائيليون ليس فقط ضرب تلك الحواضن الاجتماعية التي تناصر الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة، ولكن أيضاً تجريم التعاطف مع الفلسطينيين.
قال العمري بذلك قبل أسابيع، وقرره مؤخراً دون أن ينتبه الملاحظون إلى أن حزمة من النصوص والاقتراحات بدأت تتزاحم خصوصاً في بعض زوايا الإعلام الرسمي التي تحترف شيطنة المقاومة لصالح خطاب جديد يقترح على السلطات بالتوازي شيطنة الشرائح الاجتماعية والنخب السياسية الأردنية التي تظهر علناً تضامناً أو تعاطفاً مع المقاومة الفلسطينية.
ذلك المشهد لم يعد من الممكن خصمه من إيقاع النقاشات بين الأردنيين هذه الأيام، حتى وإن تطلب الرد على ما وصفته صحيفة الأنباط المحلية بـ «تحرشات صهيونية بالمملكة».
إظهار قدر من حرية التعبير في التعاطف مع أهل غزة ومقاومتها ولو من باب العجز أو استقرار الشعور بالعجز، قد يخدم سيناريو إقصاء الإسلاميين ونزع فتيل الاحتقان.
لا يدرك أصحاب الاجتهادات التي تزايد على الجميع في الحديث عن المصالح الأردنية بأن الجريمة التي ترتكب في غزة تستيقظ وتنام مع كل الأردنيين بما لا يدع مجالاً للشك، وفقاً للفاعوري، وأن الموقف الرسمي الإيجابي في إغاثة أهل غزة وفي التنديد بالعدوان، هو أمر مقدر ومرصود ولا أحد يناقشه.
لكن توجيه الاتهامات للإسلاميين ولغيرهم من الأردنيين جزافاً من جهة بعض أقلام السلطة والحكومة هو الذي يثير التساؤلات، في الوقت الذي يظهر فيه الشارع الأردني طوال الوقت تقديراً شديداً للموقف المرجعي والرسمي للدولة الأردنية، خصوصاً أن وزير الخارجية أيمن الصفدي تحدث على هامش نقاش مع «القدس العربي» عن اشتباك بلاده اليوم وفي كل القنوات والمستويات دولياً وإقليمياً مع العدوان الإسرائيلي.
لافت للنظر أن بعض الجهات على هوامش الدوائر الرسمية بدأت تسعى لاستباق المراحل والتأسيس للانطباع القائل بأن التعبير عن دعم وإسناد المقاومة في المشهد الاجتماعي والشعبي الأردني يمكنه أن يلحق الأذى بمصالح الأردن وشبكة علاقاته.
تلك -برأي العمري وآخرين- «فرية» من وزن ثقيل ولا أساس لها من الصحة؛ لأن المطلوب خطوة للأمام باتجاه تفهم المقاومة من أجل حماية مصالح الدولة الأردنية.
وثمة حسابات استراتيجية أعمق عبر عنها نائب رئيس الأركان السابق الجنرال قاصد محمود عندما أبلغ «القدس العربي» بأن مصالح الأردن الأعمق والأبعد تتطلب ألا تهزم المقاومة في غزة وفلسطين المحتلة.
ليس مطلوباً من الحكومة الأردنية دعم المقاومة بأي صيغة، لكن المطلوب ولأغراض الداخل الأردني التوقف عن شيطنة انحيازات أردنية أخلاقية وقيمية في المجتمع تتضامن مع أهل غزة والمقاومة الفلسطينية.
بعض مخرجات الإعلام الرسمي توحي بعكس ذلك تماماً، علماً بأن معادلة البوصلة الرسمية قد تكون تلك التي افترضت مرحلة مقبلة صعبة ومعقدة وتتطلب تنحية وعزل تعبيرات الإسلام السياسي قدر الإمكان، وضبط جموح التظاهرات المؤيدة للمقاومة في الشارع الأردني.
معاقبة الدول والحكومات التي لا تتخذ إجراءات هنا، بإقرار العمري ذاته، قد تكون وسيلة للأمريكيين المناصرين لإسرائيل.
وذلك عملياً يجعل المشهد ملتبساً وغامضاً جزئياً، ويدفع باتجاه القول إن تخفيف مظاهر نصرة المقاومة في الشارع الأردني يحقق بعض المصالح الأساسية، خصوصاً أن الأفراد الذين اعتقلوا مؤخراً بتهمة التخطيط لإرهاب خالفوا كل قواعد اللعب والأمن.
بين هذه وتلك، تستطيع البوصلة الرسمية التموقع وإيجاد موطئ قدم؛ لأن لعبة الاحتواء والضبط قد تكون مفيدة مؤقتاً، وبقاء التحريض من أنصار الحكومة وبعض أقلامها ضد الأردنيين المتعاطفين مع المقاومة يقدم في النتيجة خدمات مجانية ويزيد من رقعة الشرائح الاجتماعية التي تلامس المقاومة وجدانياً.