اراء و مقالات

«حكومة تكنوقراط سورية»… لماذا «تحمس» الأردن؟ 7 قطاعات عالقة ووزراء ينتظرون «نظراء لهم» بشغف

عمان- «القدس العربي»: الترحيب الحار الذي حظيت به تشكيلة الحكومة السورية الجديدة المعلنة في دمشق مساء السبت من جهة نظيرتها الأردنية له ما يبرره سياسياً وعملياً، لأن عمان بقيت طوال الأسابيع الماضية بانتظار مغادرة مأزق عدم وجود فريق وزاري له عناوين مؤسسية واضحة يمكن التفاهم معه.
هنا سارعت الخارجية الأردنية صباح الأحد لإصدار بيان رسمي لا يقف عند حدود الترحيب بتشكيل الحكومة السورية الجديدة، ولكن يتجه أيضاً نحو تهنئة الشعب السوري بهذه المناسبة على أمل انطلاق القطار المتوقف عملياً على مستوى العلاقات الثنائية المشتبكة بعد فترة سبات استمرت ثلاثة أشهر على الأقل إثر الاستقبال الأردني الحافل في عمان للرئيس السوري أحمد الشرع، والذي لم تعقبه في الواقع بروتوكولات إجرائية سريعة وفعالة تقفز إلى مستوى متقدم ثنائياً في إدارة العلاقات والتفاعلات.
لذلك، يقدر غالبية الخبراء الأردنيين بأن إغلاق ملف تشكيل حكومة انتقالية في سوريا هو نبأ سار في عمان، والسبب شغف طاقم وزراء الاختصاص في الحكومة الأردنية بوجود نظراء لهم في 7 قطاعات عالقة على الأقل يمكن التفاهم معهم أو تنفيذ البروتوكولات إجرائياً بدلاً من البقاء في دائرة التعامل اليومي مع الفصائل السورية التي تم توزيع الأعمال على بعض قادتها بصورة أربكت الدول المجاورة عدة مرات.
طبيعي القول إن وزراء الداخلية والزراعة والتجارة والمياه والمالية والبيئة والطاقة بقوا في حالة بحث منذ تسلمت الثورة السورية الحكم والإدارة عن زملاء لهم للتواصل والتفاعل وحل المشكلات، مع أن وزارة الخارجية لا تعاني من هذه الإشكالية.
قبل تكليف الحكومة السورية الجديدة، اشتكى كبار المسؤولين عدة مرات بعد الحفاظ على الحدود سيادياً من جهة الأردن، فقط عملياً من غياب النظير السوري، ولجأت عمان بطبيعة الحال بعد مؤتمر العقبة الشهير إلى تقنيات الصبر البيروقراطي، وتم ترحيل العديد من الملفات والبروتوكولات بناء على اتفاق ضمني مع الشرع ومجموعته تحت عناوين انتظار تشكيل الحكومة الانتقالية، حيث سبق للشرع أن طلب المساعدة من الأردن في تأسيس هيكل إداري يسمح بتشكيل حكومة تكنوقراط لها جذور فنية ومهنية وتمثل في الوقت ذاته قدراً من المحاصصة للمكونات الاجتماعية والمناطقية السورية.
الإدارة الأردنية صاحبة تجربة في مجال التمثيل المناطقي بالحقائب الوزارية، وأظهرت عمان في وقت مبكر قدرة ملموسة على التعاون مع الشرع والحكم الجديد في درعا، والسويداء حصراً.
ما لا يعرفه الرأي العام في البلدين عموماً أن عمان نصحت دمشق الجديدة بالحرص على تطعيم حكومتها الانتقالية فقط باللون الإسلامي قدر الإمكان، لا بل قدم مكتب مختص في الخارجية بالتنسيق مع دول أخرى بعض الأسماء التكنوقراطية الخبيرة التي اقترحت لتولي حقائب وزارية.
الهواجس المرتبطة بالإخوان المسلمين تحديداً نوقشت أيضاً في الغرف المغلقة خلافاً لأن الأردن الذي مارس أقصى طاقات الانفتاح والمساندة للحكم السوري الجديد بقي في حالة معاناة سياسية رغم الاندفاع نحو تجربة الثورة السورية من الحسابات التي تربط مستقبل العلاقة بين دمشق وعمان بمصالح سياسية أخرى لدول لها نفوذ في العمق السوري، ما يبرر عملياً حرص الأردن بالتوازي على إطلاق اتصالات رفيعة المستوى بعد التحول في سوريا مع الجمهورية التركية. كما برر لاحقاً الترفع الذي أظهرته المؤسسة الأردنية بالمزاحمة في ملف تصدير الكهرباء والطاقة للداخل السوري.
وبالرغم من أن مؤثرات تركية وأمريكية ولاحقاً إسرائيلية، تلعب دوراً في التدخل في هندسة العلاقة الأردنية السورية فإن المؤسسة الأردنية المرجعية حرصت بوضوح على فتح قنوات دولية أمام وزير الخارجية السوري الشاب النشط. كما حرصت على توفير الرعاية قدر الإمكان، ما يبرر إجراءات استثنائية خصصها وزير الداخلية الأردني مازن الفراية أيضاً لدعم الشعب السوري؛ إما بفتح المعابر أمام حركة المواطنين والشاحنات والاستيراد والتصدير، أو بتسهيلات غير مسبوقة للسوريين المقيمين في الخارج الراغبين في العودة إلى وطنهم أو زيارته.
الأردن قدم الكثير لدعم التحول في سوريا، لكن ملفاته المصالحية والخاصة تأثرت بحالة الفوضى الإدارية في الماضي القريب، ما برر مبكراً حديث الحكومة في عمان عن دعم وتمتين مؤسسات القطاع العام عند الجار السوري.
الأمل يرتفع بأن تتغير المعطيات بعد تشكيل حكومة بطاقم تكنوقراط اقتصادي قد يتمكن، بعد تفاهمات المنظومة السيادية في البلدين، من التفاعل إيجابياً ونقل العلاقات إلى المرحلة المطلوبة لاحقاً، وعلى رأسها أولويات أردنية، من بينها تسهيل حركة التبادل التجاري والنقل البري، والتمكن لاحقاً من توريد ولو جزء من فائض الكهرباء الأردنية، وقد يكون الأهم بمعنى أو بآخر هو توفر فرصة لم يسبق للنظام المخلوع أن وفرها لاستعادة حصة المياه الأردنية من حوض مياه نهر اليرموك.
المدلول هنا برمته يؤشر إلى أن تشكيل حكومة انتقالية في دمشق بعد تفاهمات خاصة جرت مع المنظومة الأمنية والعسكرية التابعة للرئيس أحمد الشرع هي فرصة لمناقشة الاعتبارات الثنائية وتحريكها باتجاهات تعيد إنعاش العلاقات الأردنية السورية.
أهم ما يقوله البيروقراط الأردني الآن هو أن تشكيل الحكومة سيسمح للوزراء في قطاعات الحدود والخدمات بتبادل الزيارات وعقد الاجتماعات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading