اراء و مقالات

سيناريو ضرب «ديمونا» الأسوأ أردنياً… والتفاؤل بانحسار «المعركة» أقل

«أقراص للحفاظ على الغدة الدرقية» في حال حصول التسرب الإشعاعي

عمان ـ «القدس العربي»: سقطت طائرة مسيرة ثانية بحمولتها من المتفجرات قرب إحدى القرى شمالي الأردن في حادث تكرر خلال 4 أيام، فيما خرج مسؤول هيئة الطاقة الذرية الأردني مجدداً أمام الرأي العام بمعادلة يلوح فيها بالإجراءات البروتوكولية العلمية إذا ما شهدت المنطقة في جوار الأردن واقعة تسرب إشعاعي.
حبوب «يوديد البوتاسيوم» ذكرها رئيس هيئة النووي الأردني الدكتور خالد طوقان، ضمن الوصفة الأكثر فعالية للحفاظ على الغدة الدرقية في حال وصول تسرب إشعاعي.
في الأثناء، بدأت الحكومة البحث عن بدائل لضمان أمن الطاقة واستمرار إنتاج الكهرباء في حال استمرار انقطاع الغاز الإسرائيلي، فيما الاجتماعات تكثفت، وارتفعت وتيرة التنسيق قليلاً مع الإدارة السورية بعنوان الحفاظ على الأمن الحدودي والغذائي بقدر الإمكان إذا ما تدحرجت الحرب في الجوار.
الجاهزية الأردنية تجاوزت مربع الاشتباك في الدفاع الجوي والحرص على الحياد العملياتي في اتجاه مساحات تستعد لأسوأ السيناريوهات، وتلجأ إلى تجربة وتطبيق بروتوكولات طوارئ عنوانها بقاء الأردن في الجغرافيا والجيوسياسي عالقاً بين طرفين ضمن أولويات محددة، يحاول كل منهما إخضاع الطرف الآخر.
لا يوجد أساس على المستوى الوطني الأفقي للقول بأن المعادلة السياسية الأردنية واضحة الملامح بعد فيما يتعلق بامتداد الصراع العسكري بين إيران وإسرائيل لأسابيع جديدة ما دام الخطاب الأمريكي قد أصبح جزءاً من الحملة العسكرية، وما دام الوضع في إيران ومدن الكيان الإسرائيلي غامضاً.

«الأردن ليس ساحة للصراع»

الجزء الوحيد الواضح أردنياً حتى الآن هو سيناريو العمليات في النطاق الجوي والمعادلة السيادية التي تقول بالحرص الشديد على الحياد العملياتي قدر الإمكان، وعزل الجغرافيا الأردنية عن الصراع بين أجندتين أو مشروعين كلاهما – وفقاً لوزير الخارجية الأسبق الدكتور مروان المعشر – ليس صديقاً للأردن ولا حليفاً له.
عنصر المفاجأة لا يمكن إنكاره في بنية تعليق المعشر الأخير. فطوال ربع قرن مضت، لم تكن إيران لا حليفاً ولا صديقاً، بينما كانت إسرائيل شريكاً وصديقاً قبل أن يعيد الواقع الموضوعي تعريفها من الزاوية الأردنية، فيما سمعت «القدس العربي» مباشرة عدة مرات المعشر وهو يطرح المقاربة المستجدة بعنوان: إسرائيل اليوم ليست إسرائيل الأمس، فقد انقلبت على ذاتها وعلى السلام وعلى الأردن.
الواضح الوحيد في المعادلة الأمنية والسيادية هو ذلك الالتزام العملياتي بأن الأردن ليس ساحة للصراع، ولن يكون بين إسرائيل وإيران؛ لأن تلك أولوية يعرفها – برأي السياسي الخبير الدكتور جواد العناني – الإسرائيلي قبل الأمريكي، ولأن التساهل مع أي من طرفي الصراع في الساحة الأردنية يعني التفريط بمعادلات أمن حدودية غارقة في التعقيد ومرتبطة بالجوارين العراقي والسوري، ومعهما اللبناني.

«أقراص للحفاظ على الغدة الدرقية» في حال حصول التسرب الإشعاعي

لذلك، تقاربت عمان مع دمشق مؤخراً حتى لا يعود النشاط الإيراني المسلح إلى مناطق جنوبي سوريا ويؤسس حالة تخدم اليمين الإسرائيلي، بمعنى استمرار هجماته على الأراضي السورية والتدخل في الأردن.
تلك جزئية ناقشتها على الأرجح رسالة خاصة وصلت إلى عمان من الرئيس السوري أحمد الشرع، وناقشتها أيضاً رسائل أردنية موازية طالبت الأوروبيين بالتحرك بفعالية أكثر تجنباً لخيارات التصعيد العسكري، ما يثبت مجدداً أن عين الأردن الأولى حرصت على حياد العمليات وسياسة النأي بالنفس عسكرياً.
لكن عين الأردن الثانية مشغولة بأن لا ينفلت الوضع في العراق وسوريا ولبنان؛ لأن ما قيل في أروقة مقرات القرار مؤخراً هو أن بنيامين نتنياهو وطاقمه طامعان بعمليات تدخل وقصف في العمق العراقي، وينتظران الإشارة الأولى لإنجاز ذلك ضمن مخطط التهشيم للنفوذ الإيراني.
قيل ذلك بوضوح في الواقع، وبصيغة ترافقت مع القناعة بأن نتنياهو افتعل الأزمة الحالية مع إيران هروباً من استحقاق ما يفعله بأهل غزة، وسعياً لتحطيم مشروع الإقرار بشرعنة الدولة الفلسطينية.

ارتفاع منسوب التشاؤم

ما يخطط له اليمين الإسرائيلي واضح بالنسبة لدوائر القرار الأردنية، وحجم ومستوى غياب التأثير العربي في الإدارة الأمريكية الحالية أوضح. لكن المراقب للمسؤولين والسياسيين في عمان، يلحظ خلال الأيام الثلاثة القليلة الماضية ارتفاعاً مرصوداً في مستويات التشاؤم بأن المنطقة ليست أقرب لسيناريو تهدئة التصعيد، بل قد تكون أميل إلى فرصة امتداد النزاع إقليمياً بطريقة ليس من الواضح بعد إلى أي حد يمكن أن تقف أو ينتج عنها.
ناضل الأردن في الدوائر المغلقة، لكن طبيعة الاجتماعات والمشاورات الأخيرة تظهر جاهزية للسيناريوهات الأسوأ.
لذلك، اشتدت تحذيرات الأجهزة المختصة بضرورة التفاعل مع الإرشادات والتوجيهات الخاصة بالشظايا والأجسام الطائرة، وبرز لأول مرة مفهوم المساءلة القانونية للمواطن في حال تجاهل التعليمات.
وتشدد الخطاب هنا بوضوح بعد سقوط طائرتين مسيرتين جراء خلل في البرمجة في مناطق مدنية أردنية، ما يعتبره حتى الخبير العسكري نضال أبو زيد، بين احتمالات من الصعب نفيها في كل حال.
ولذلك، خرج إلى الجمهور مسؤول الهيئة النووية الأردنية الدكتور خالد طوقان، ليتحدث عن الإجراءات الوقائية في حال حصول تسرب إشعاعي ينتج عن عمليات قصف محتملة من جهة إيران لمفاعل ديمونا الإسرائيلي.
الدكتور طوقان بدا غريباً إلى حد ما وهو يقترح نوع الأقراص التي ينبغي تعاطيها حفاظاً على الغدة الدرقية إذا ما تشكلت سحابة من التلوث النووي جنوبي فلسطين، مع رغبة موازية بتجنب إثارة هلع الأردنيين عبر القول بأن ضرب ديمونا وتشكل سحابة سيؤثر بصيغة محدودة على مناطق صحراوية وليس سكنية في الأردن.
المفارقة في المسألة أن أحداً لا يستطيع ضمان ذلك، لكن ما يبدو عليه الأمر حقاً أن مؤسسات الدولة الأردنية غرقت تماماً في بحث الخيارات، وتحاول الاستعداد لأسوا الاحتمالات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading