معزوفة «الوطن البديل»… كيف «يؤذي» السفير «هاكابي» أعمق مصالح الأردن؟

عمان- «القدس العربي»: قد لا يتعلق الأمر بما قاله أو لم يقله أو بما قصده ولم يقصده السفير الأمريكي في تل أبيب، مايك هاكابي، عندما تحدث عن إدراك الإدارة الأمريكية المتقدم بأن الدولة الفلسطينية من الصعب أن تولد.
بعيداً عما قاله أو لم يقصده السفير هاكابي الذي يتابع جيداً في العاصمة الأردنية عمان، يمكن القول إن تصريحاته الأخيرة والمثيرة للجدل لامست وتراً أردنياً حساساً موجعاً سياسياً طالما شغل الدولة والناس والرأي العام، وأثار نقاشات حتى على مستوى طبقة رجال الدولة.
هنا قالها السفير هاكابي من الآخر وهو يحاول إعاقة توجهات دول أوروبية، من بينها فرنسا، للاعتراف بالدولة الفلسطينية، مشيراً إلى أن الدولة الفلسطينية لا يمكنها أن تقام في الضفة الغربية، بل في بلد إسلامي.
وهو يعود هنا إلى الوجع العربي والفلسطيني والأردني المنقوع وهو يتحدث عن «قطعة أرض في بلد إسلامي» تقام عليها الدولة الفلسطينية.
يمكن وضع عشرات الخطوط تحت العبارة الأخيرة، خصوصاً أنها عبارة تضرب كل الأوتار الحساسة، وتقرع كل الأجراس الأردنية؛ لأن القناعة راسخة في المستوى السياسي بأن مشروع اليمين الإسرائيلي في ضم الضفة الغربية هو مشروع يمثل اليمين الأمريكي أيضاً، وسيقود في النهاية إلى العزف مجدداً على أوتار الوطن البديل.
هذا الرأي تبناه السياسي الأردني الأكثر خبرة واشتباكاً مع النخب الأمريكية وزير الخارجية الأسبق الدكتور مروان المعشر، الذي قال بوضوح في ندوتين على الأقل على المستوى العالمي في العاصمة عمان بأن خطة اليمين الإسرائيلي ومن يحكمون تل أبيب اليوم تؤمن بتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
حكومة عمان كانت تعاني أصلاً من ضعف وغياب الدور الأمريكي في إصلاح انحراف المواقف اليمينية المتشددة لحكومة تل أبيب، ليس فقط في غزة حيث الحرب والعدوان وجريمة الإبادة ولا في الضفة الغربية حيث التوسع الاستيطاني، لكن أيضاً على مستوى الحدود الأردنية مع الكيان، حيث يتحرش الإسرائيليون بكل تفصيلة بصيغة تؤذي الأمن أو خاصرة الأمن القومي والحدودي والوطني الأردني. وفوق ذلك، على مستوى ملف الوصاية والقدس حيث لا يعترض هاكابي على ما يقوم به المتطرف ايتمار بن غفير من انتهاكات، لا بل ثمة من يردد أن الأول بصدد مشاركة الثاني ببعض الاستعراضات.
لا تناقش الحكومة الأردنية هذه التطورات في الوقت الذي برزت فيه تحديات ذات بعد أمني عابرة للحدود من فلسطين المحتلة تجاه الأردن، وتتمثل بما يسميه بعض الخبراء حرب المخدرات من جانب تواطؤ قوات الجيش الإسرائيلي على حدود الأغوار.
خبير الاستخبارات المتقاعد العسكري الأردني نضال أبو زيد، كان أول من أبلغ «القدس العربي» بأن إسرائيل تضلل وتتلاعب بالحقائق عندما تتهم الأردن بالاسترخاء قليلاً على الحدود.
الخطر الحقيقي على الأردن، وفقاً لأبو زيد، هو عبر تهريب المخدرات في طائرات مسيرة -وصل عددها مؤخراً إلى 10- تم إسقاطها. وغالبيتها، وفقاً لتقديرات أبو زيد ورفاقه، تأتي من جانب جنوبي فلسطين المحتلة.
في كل حال، عزف السفير هاكابي على وتر إقامة دولة فلسطينية خارج فلسطين.
أما سردية أن ما قاله السفير يمثل رأيه الشخصي، كما صرحت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية، فلا تجد من يشتريها في عمان العاصمة.
الدولة الأردنية على علم مسبق بانحيازات وتصريحات السفير هاكابي، لا بل بعض المفاصل فيها على علم مسبق بتقديرات لها علاقة باختيار الرئيس دونالد ترامب حصراً للسفير هاكابي ممثلاً له في تل أبيب.
بالتالي، المؤسسة الأردنية لا تقرأ بسذاجة تصريحات هاكابي الأخيرة باعتبارها تمثل رأيه الشخصي، كما يقول رفاقه في الخارجية الأمريكية، حيث من غير المعتاد لسفراء الولايات المتحدة مخالفة القواعد العامة لتوجيهات رئيسهم وبلادهم وبصورة علنية.
تصريحات هاكابي ليست حصراً في الجزء المتعلق بالدولة الفلسطينية التي لن تولد -في رأيه- قريباً، ولكن في الجزء المتعلق منها باقتراح إقامة تلك الدولة في أراض إسلامية خارج الضفة الغربية، يضيف عبئاً إسرائيلياً وأمريكياً جديداً على الأعباء التي تعيشها العاصمة عمان سياسياً واقتصادياً وإقليمياً، خصوصاً أن دور الولايات المتحدة أميل للسلبية في الاشتباك والطاعة عندما يتعلق الأمر بسطوة ونفوذ اليمين الإسرائيلي. لا يوجد في الأردن من يمكنه الموافقة بأي صيغة وبأي حال على ألا تقام الدولة الفلسطينية في فلسطين المحتلة، وحصرا في الضفة الغربية.
تلك استراتيجية ثابتة في المعطيات الأردنية كررها وزير الخارجية أيمن الصفدي على مسامع «القدس العربي» عدة مرات.
لكن المعارضين والحراكيين على الأقل والذين استهدف بعضم مؤخراً، سبقوا الآخرين في أول إشارات تحذير الدولة الأردنية من تواطؤ أمريكي مع برنامج اليمين الإسرائيلي بدأ فعلاً وعملياً من اللحظة التي «تأسف» فيها الرئيس دونالد ترامب على «ضيق المساحة في الكيان الإسرائيلي».
يفيد تقدير غالبية النخب الأردنية بأن الإدارة الأمريكية يمكنها أن تتواطأ مع اليمين الإسرائيلي في أي لحظة مقابل تسوية إقليمية شاملة عنوانها قد يكون المساس بالمصالح العليا للأردن، دولة وشعباً.
هاكابي في تصريحه المثير الأخير، لا يركب إلا تلك الموجة التي أسس لها رئيسه دونالد ترامب وهو يعزف بصيغته مجدداً أسطوانة الوطن البديل.