اراء و مقالاتمقالات وآراء

«عدمية» النقاش حول النهضة في الأردن: السلطة تطالب بـ «الصبر» والشارع تحركه قناعة «المال المنهوب»

وجوه «خفية» في الجدل الذي أثارته نقابة المعلمين

 

لا أحد يريد أن يفهم في الحالة الأردنية خلفية تشدد رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز وطاقمه في مسألة المعلمين من زاوية الحرص على ما يسمى بالإصلاح الإداري الهيكلي البطيء والزاحف. وجهة نظر المربع الوزاري الأقرب للرزاز تتمثل في أن الاستجابة لمطلب المعلمين بعلاوة صعب وشبه مستحيل ليس فقط لأسباب مالية او تتعلق بالخزينة، بل ايضاً لأسباب أكثر عمقاً من بينها احتمالات إعاقة خطة شاملة وأعمق في مجال التجديد ونفض الروح في القطاع العام برمته.
ما خططت له جبهة الرزاز مبكراً ليس فقط زيادة رواتب المعلمين بل زيادة رواتب كل موظفي القطاع العام ضمن خطة ورقية حظيت بغطاء سياسي تحاول معالجة الترهل والفساد الإداري عبر ربط التحفيز المالي ورفع الراتب ببرامج تقييم للأداء.
وجهة نظر الحكومة هنا ان الخضوع لنقابة المعلمين برفع العلاوة مرة واحدة بدون برنامج تقييم لأداء الموظف يعني دفن استراتيجية التحفيز ضمن أسس للتقييم والأداء وهي استراتيجية اعتبرها الرزاز مبكراً وحتى عندما التقته «القدس العربي» بعد نحو اربعة اشهر من تكليفه الاساس الوحيد الذي يحظى بالتوافق الوطني في مشروع وبرنامج حكومته. طبعاً تلك رواية حكومية تحاول تفسير ما يصر عليه وزير التربية والتعليم الدكتور وليد المعاني وهو يربط رفع علاوة المعلمين ببرنامج تقييم للأداء.

في مرحلة الخيار الأمني الخشن وانخفاض هيبة الدولة والمؤسسات لا احد يستمع لهذا الكلام التقني والفني. وفي نقابة المعلمين تحديداً رفضت فكرة تقييم الاداء وعلى اساس مطلب يتعلق بالحق وقررته حكومة سابقة ووفقاً لبيانات تؤكد الانخفاض الحاد لمعيشة المعلم.
ما لا تجيب عنه الحكومة عملياً هو السؤال التالي: من هو الشخص او من هي المؤسسة المؤهلة اليوم فعلا لتقييم اداء الموظف العام؟ بينما ينحت المعلمون هنا سؤالاً مختلفاً: كيف يمكن لمدرس وضعه المعيشي بائس جدًا وراتبه لا يزيد عن 600 دولار أصلاً ان يرفع من نسبة الأداء الجيد وهو في حالة معيشية بائسة جداً؟
ذلك بطبيعة الحال نقاش عدمي يشبه جدلية «الدجاجة والبيضة» ووفقاً لما سمعته «القدس العربي» من الرزاز مباشرة كل ما تطلبه الحكومة الحالية من الشعب الأردني منحها فرصة العمل ولو قليلاً لصالح برنامج التطوير الاداري خصوصاً في القطاع العام حتى يكسب الجميع وتتغير معطيات المسيرة.
الموظف في القطاع العام أصلاً لا يملك ترف الوقت والخيار لأن الرواتب متدنية جداً والأسعار ترتفع. وفي نقاش سابق مع الناطق باسم الحكومة الوزيرة جمانة غنيمات برفقة «القدس العربي» تم الإقرار بأن المسألة صعبة ومعقدة عندما يتعلق الأمر بعنصري التوقيت والصبر. وتفيد غنيمات بأن الظرف العام صعب والحكومة تعرف ذلك لكن أي أستراتيجية عميقة في مجال الإصلاح الإداري او الهيكلي او غيرهما تتقرر اليوم تحتاج لسنوات ليست قليلة. ففي حسابات الرزاز مشروع النهضة الذي أصبح مثاراً للتعليقات الساخرة طوال الوقت فكرته الاساسية هي تطوير ورفع مضمون أداء مؤسسات القطاع العام.
وبالتالي تسمع «القدس العربي» أيضاً من أحد الوزراء الاقتصاديين أن مسألة المعلمين ليست مالية فقط وينبغي ان تعالج على هذا الأساس فالحكومة تخطط لنظام حوافز قد يؤدي إلى رفع علاوة المعلم المتميز بعد تقييم الاداء لما هو أكثر من 50 % . والحكومة لا تريد تجزئة مشروعها لان الاداء مسألة مرتبطة بمضمون خطاب النهضة وقصة القطاع العام. لكن نقابة المعلمين وبضغط من هيئتها العامة لا تجد نفسها ملزمة بالتعاطي مع هذا الخطاب الذي لم تشرحه الحكومة اصلا للشعب في كل حال بوضوح ولم تحشد من اجله بسبب حلقات الكسل والخمول عند بعض الوزراء المعنيين وبسبب نفاد صبر المواطن الأردني الذي يوصف حتى داخل مقرات سيادية وامنية بأنه «مثل الأولاد متطلب جداً».
هو وصف لا يعكس الواقع لان ثقافة وسلوك واتجاه المجتمع حالياً وبرأي محلل استراتيجي مثل الدكتور عامر سبايلة هي إفراز لما أنتجته وفعلته أصلاً المؤسسات الرسمية طوال العقود الخمسة الماضية. الصبر صعب كما تلمح الوزيرة غنيمات وغيرها من الوزراء. لكن في عرف قائد حراك المعلمين ناصر نواصرة وغيره أيضاً من نقابته الصبر يأتي بعد الانصاف والعدالة. والحديث عن ربط العلاوة بتقييم الأداء مغرض وتكتيكي لأن برامج تقييم الأداء أصلاً مجهولة أو لا يعرفها القطاع التعليمي.
وبالاستخلاص النهائي ترد شرائح متعدة في المجتمع الأردني من البيروقراط و وخارجه على ثنائية الصبر والأداء بفكرة شعبوية بسيطة جداً قوامها «الأموال المنهوبة». وعندما يتعلق الأمر بقناعة المواطن الأردني الفقير بوجود هدر ونهب بعشرات الملايين من الدنانير من الصعب عملياً وإجرائياً تسويق الكلام عن تقييم الاداء ورفع سوية القطاع العام وحتى عن مشروع النهضة.
ثمة مثال يطرح هذه المقاربة بصورتها الطازجة فقد لاحظ المعلمون بعد وفاة نقيبهم الراحل أحمد الحجايا بأن نائب رئيس الوزراء الدكتور رجائي المعشر ووزير العمل نضال البطاينة وغيرهما من وزراء الحكومة يدافعون بحماس في مجلس الاعيان عن فلسفة اشراك اعضاء مجلس النواب بمظلة الضمان الاجتماعي قسراً وعلى حساب خزينة الدولة حيث ستدفع مبالغ كبيرة هنا لصالح مجلس نواب يهتف الشعب بإسقاطه.
بمعنى ان المعلم البسيط سيجد لزاماً عليه المطالبة بعلاوته البائسة ما دامت حكومة النهضة تظهر استعداداً لدفع ملايين الدنانير التي يملكها الشعب أصلاً وليست الحكومة لصالح اعضاء في مجلس النواب وبذريعة كانت اقبح بكثير من الذنب حيث قالت الحكومة هنا بأن اشراك النواب في مظلة الضمان الاجتماعي على حساب خزينة الدولة يخدم التعددية ويزيد من عدد المرشحين.
الحكومة قالت ذلك علناً لمجلس الأعيان دون ان تشرح ما هي العلاقة بين الإصلاح السياسي والتنمية السياسية ودفع كلفة رواتب تأمين اجتماعي لمجلس نواب يهاجمهم الشعب، الأمر الذي يدفع المعلمين وغيرهم لفكرة المطالبة بحقوق مفترضة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading