الأردن: «زحام» وزراء يعيق الحركة
لا أساس دستوريا وفقا للفقهاء لحقيبة وزارة الدولة، وكل الأطر الدستورية والنصوص التي تعالج الرقابة البرلمانية تتحدث عن وزراء بصلاحيات واضحة
قد لا نحتاج كأردنيين لاستيراد وزراء من الصين لكن يمكن ببساطة انتحال أو سرقة وصفة صينية لها علاقة بعدد الوزراء الذين يديرون الحكومة.
شكلت مؤخرا في عمان حكومة عريضة قوامها 32 وزيرا، أراهن شخصيا بأن نصفهم على الأقل لا يدري عن الأسباب التي جعلته وزيرا ولن يدري عن الأسباب التي تطيح له في أقرب وصفة تعديل وزاري تتطلبه المقتضيات.
32 وزيرا في بلد يعاني من أزمة اقتصادية وشعب طفران أكثر من 68 في المئة من موظفيه مديون للبنوك، رقم ضخم وعدد كبير وزحام من الصنف الذي يعيق الحركة.
أحدهم ولأغراض تكريس المحاصصات الاجتماعية والمناطقية اخترع يوما عبارة «وزراء الدولة» ثم أصبحت موضة دارجة فمن يريد رئيس الحكومة تخفيض رتبته وليس راتبه يمنحه هذا اللقب، ومن يراد إرضاء جماعته أو عشيرته أو منطقته وبلدته يزود بحقيبة دولة دون معرفة ما هي واجباته وصلاحياته.
لا أساس دستوريا وفقا للفقهاء لحقيبة وزارة الدولة، وكل الأطر الدستورية والنصوص التي تعالج الرقابة البرلمانية تتحدث عن وزراء بصلاحيات واضحة.
لكن الحكومة الجديدة في عهد التحديث والترشيق اختار رئيسها تعيين خمسة وزراء دولة… هؤلاء يقضي بعضهم أكثر وقته في المنزل، وبعضهم الآخر يزايد عليه أصحاب الحقائب كاملة الدسم، وبعضهم الثالث يدخل رئاسة الوزراء ويغادرها مع سائق وسيارة وسكرتيرة ودون ملفات محددة.
في حادثة شهيرة قبل أكثر من ربع قرن زرت صديقا عين وزيرا للدولة فقط هكذا وبدون أي حقيبة.. سألته عن ملف محدد له علاقة برئيس الحكومة آنذاك فأبلغني أنه طلب موعدا مع رئيسه منذ ستة أسابيع وينتظر أن تتاح له الفرصة حتى يقترح أو يخطط لوضع وصفة وظيفية تمكنه من عمل أي شيء خلافا للتوسط لأقاربه وتوسل بقية الوزراء.
بكل حال وبأمانة لا أعرف الفاصل الذي يدفع رئيسا لحكومة لتسمية وزير ما مع حقيبة أو بدونها، لكن النتيجة العبقرية تمكين الحكومة من العبور والمجتمع من ممارسة أمراضه في الوجاهة والتشريف خلافا لنفقات المحروقات أحيانا والقهوة التي تدفعها الخزينة.
ما نعلمه جميعا أن الزحام يعيق الحركة، وأن الصين حكومتها أقل عددا من عدد وزراء الحكومة الأردنية، وأن دولة صديقة وحليفة مثل ألمانيا مثلا تحتل المرتبة الثانية في دعم الأردن ماليا فريقها الوزاري يقل بنسبة 50 في المئة عن الأردني. الجميع خير وبركة ونفترض بأن زحام الوزراء ينتج الإبداع والتعددية.
لا أساس دستوريا وفقا للفقهاء لحقيبة وزارة الدولة، وكل الأطر الدستورية والنصوص التي تعالج الرقابة البرلمانية تتحدث عن وزراء بصلاحيات واضحة
قيل لنا إن ترشيق الجهاز الحكومي كان طوال الوقت وصفة مستقرة تجلس بوقار في كل الوثائق والتوصيات التي أنتجتها ورش عمل أشرف عليها رئيس الوزراء الحالي شخصيا. ما حصل العكس مناطقيا على الأقل، فبعض المناطق لم تمثل بمحاصصة ويتردد أن بلدة صغيرة تمثلت بوزيرين وأن المحاصصات أصلا ارتبكت والأوراق اختلطت.
بصراحة لم نعرف مثلا ما هي أسباب الاستعانة بوزير سابق ضمن وزارة لم يعمل بها في الماضي، ولم نعلم بالتأكيد ماهي القيمة العبقرية التي تخدم المسار التنفيذي للتحديث بتعيين 8 وزراء حزبيين لكن شريطة أن لا تنسب بهم أحزابهم.
ولا نعلم بالمقابل كيف يعود وزراء الخدمات الأساسية والسيادية في القطاع العام من الحكومة المستقيلة جميعا بلا استثناء، فيما يقصف عمر وزراء المطبخ الاقتصادي في تلك الحكومة، ويكلف طاقم اقتصادي جديد من الطبيعي أن نتفاءل به.
ومن الطبيعي ايضا أن نطالب رموزه بأن يتصرفوا في اتخاذ قرارات وإجراءات تنفيذية، وفقا لما كنا نسمعه منهم من انتقادات وملاحظات على أداء الحكومة السابقة.
نأمل أن نرى من لاحظوا وانتقدوا في الماضي القريب، خصوصا في مربع «مقدار التزام الحكومة بخطة ورؤية التحديث» وأصبحوا وزراء اليوم وهم يتحدثون معنا بصراحة أكثر ودقة أكبر عن ما وجدوه وعن ما سيفعلونه لتصويب أوضاع خاطئة كانوا قد انتقدوها أصلا قبل توزيرهم، وفي المجالسات العامة وليس الخاصة فقط.
ننصح هنا حصرا بأقصى طاقات الشفافية والمصارحة. ليس فقط لأن الشعب الأردني لا يوجد ما يشغله أكثر من الحفر في أرشيف المسؤولين والوزراء، ولكن لأن الالتزام الصريح والأكيد بخطاب التكليف المرجعي يتطلب من وزراء التحديث الجدد إبلاغنا بأخطاء زملائهم الأقدم بهدف التصويب طبعا وبحسن نية. وأيضا لأن ذاكرة الجميع فتاكة ومطبات الازدواجية في الموقف والتشخيص والبيان نحذر منها مسبقا من نثق فيهم من الوزراء الجدد.
بكل صراحة أجد صعوبة في التصفيق لتركيبة مجلس الوزراء الجديد، مع أني كمراقب أثق بعدد كبير من الوزراء الجدد، فالتوليفة أقل ما يقال عنها إنها وبالتعبير الشعبي الدارج معجوقة وغير مفهومة، وفيها اعتبارات تتسلل الى أخرى.
تلك «التوليفة» تشبه ماذا أو من؟ سنجيب على هذا السؤال بعد 100 يوم حيث نتوقع تعديلات وزارية متكررة قد يبدأ بعضها مع البرلمان.