الأردن يتطلع لليوم التالي في غزة… والمساهمة بإعادة بنية التعليم والصحة… والأمن
مستعد للتنسيق مع الفصائل في الميدان بما فيهم «بيروقراط حركة حماس»
عمان ـ «القدس العربي»: المرجح في الحسابات السياسية الأردنية العميقة والتفاعل مع محطات التحول الإقليمية هي في سياق الاستعداد لكل الفرضيات وكل الاحتمالات وبصيغة تحافظ على التوازنات التي قصدها وزير الخارجية أيمن الصفدي عندما ألمح في نقاش مع «القدس العربي» سابقاً إلى أن بلاده تتعامل مع الأولويات والتحديات في ملف قطاع غزة.
الأردن يؤكد على جزئية البقاء في أقرب دائرة ممكنة من الإغاثة والإنسانيات والمساعدات والوزير الصفدي أمس الأول، حاول تذكير المجتمع الدولي بأن ضرب مقرات الأونروا والنازحين في غزة بحد ذاته جريمة ينبغي ألا يسكت الجميع عنها، فيما المؤسسة الأردنية تعتبر ملف وكالة الغوث ومحاولة يمين إسرائيل تفكيكها هي خطوة عدائية بامتياز.
«ما تفعله حكومة إسرائيل بمقرات ونظام خدمات وكالة الغوث هو خطير للغاية».. هذا ما قاله الصفدي لـ«القدس العربي» أيضاً عندما أوضح أن الأبعد والأعمق في خطوات استهداف وكالة الغوث وتقويض أعمالها يستهدف بالنتيجة حالة وصفة اللجوء وشرعيته.
لذا، يشتبك الأردن مع التفصيلات هنا على هذا الأساس. عمان في المقابل، أخذت على عاتقها -ما دام الوضع العربي العام لا يسمح بإيقاف العدوان- التركيز على احتواء آثار العدوان وملاحقة التفاصيل الإجرائية. وهو الأمر الذي دفع بالوزير إلى زيارة القاهرة مرة أخرى أمس الأول، فيما الفرقاء يجتمعون في الدوحة على أمل تقليص المسافات والمساحات نحو صفقة تفاوضية.
الاستراتيجية الدبلوماسية الأردنية بقيت بعيدة عن ملف الوساطة والوسطاء. لكن مع دعم جهود الوساطة بنفس التوقيت والتركيز في الأثناء على الدور الإغاثي واللوجستي الذي حقق فيه الأردنيون تقدماً ليس على صعيد الدور المؤثر كما وصفه رئيس غرفة تجارة الأردن خليل الحاج توفيق لهيئة الإغاثة الهاشمية التي نجحت في مأسسة أعمال الإغاثة لأهل غزة، لكن على صعيد تأسيس مبادرات بضوء أخضر دولي وعربي وإقليمي تجعل الإغاثة ولوجستياتها أقرب الى عملية سياسية تستعد بموجبها الأطراف المعنية بإعادة الإعمار في غزة عندما يتوقف العدوان العسكري.
مستعد للتنسيق مع الفصائل في الميدان بما فيهم «بيروقراط حركة حماس»
في هذا السياق، ثمة أدوار وبصمات وسيناريوهات وأوراق عمل تشير إلى دور موضوع على الورق الآن مسبقاً للأردن في اتجاهات مفصلية عندما تبدأ مرحلة التعافي من آثار العدوان، ولم يعد سراً أن بين تلك الأوراق مقترحات لإعادة سريعة وفعالة لنظام التعليم وبنيته في قطاع غزة، وأخرى لإنقاذ البنية التحتية الصحية، حيث عُقد مؤتمران في إطار الجاهزية اللوجستية في عمان العاصمة، وحيث يرى الخبير الصحي الدولي الدكتور مهند النسور -كما شرح لـ«القدس العربي»- أن العدوان الإسرائيلي وفي كل مراحل الجرائم التي ارتكبها تقصد بلا شك تقويض شبكة الأمان الصحية من جذورها والحرص على منع كل نطاقات الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية.
إعادة بناء الشبكة الصحية في غزة مهمة كبيرة ونبيلة، في رأي النسور، وتتطلب الكثير من الجهد والعمل. والانطباع لدى المؤسسات الأممية المختصة هو أن الخبرات الأردنية هي الأقرب والأكثر جاهزية في الجغرافيا السياسية بجوار قطاع غزة، الأمر الذي دفع فعلاً في اتجاه تنميط مقترحات تحصي عدد الجرحى وتستعد لإغاثتهم وإنقاذهم بمجرد توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، على أن ذلك قد تتصدره مبادرات أردنية خالصة قوامها إقامة المزيد من المستشفيات الميدانية وبسرعة داخل قطاع غزة أو حتى إقامة مستشفيات لهذا الغرض في منطقة الأغوار الأردنية.
الأردن في المسألة العلاجية والطبية وضع خططه بشمولية، ووزير الصحة فراس الهواري في وقت مبكر من العدوان تحدث عندما قابلته «القدس العربي» عن توجيهات واضحة بوضع كل الإمكانات لمساعدة الأهل والأشقاء في قطاع غزة. حاولت مؤسسات سيادية محلية إظهار الاهتمام بأن تكون للأردن بصمة ودور إنساني الطابع وليس سياسياً في مرحلة ما بعد وقف العدوان الإسرائيلي أو عندما تبدأ مرحلة مشاريع إعادة الإعمار، وهو دور رأى النقابي الأردني البارز عبد الله غوشة أنه يقع في سياق الواجب ليس على القطاع العام، لكن على القطاع الخاص والنقابات المهنية أيضاً في البلاد.
وما يتحدث به الخبراء اليوم عن إعادة بناء الشبكة الصحية في غزة لاحقاً يمكن سحبه على مقترحات تريد أن يكون لعمان دور في إعادة بنية التعليم في المدارس المدمرة أيضاً.
لكن بعد الصحة والتعليم ثمة من يضغط على الأردن تحت عنوان خبرته أيضاً في مجال إعادة بناء المنظومة الأمنية التي ستساعد الإدارة مستقبلاً في قطاع غزة، حيث مأزق متوقع لا يستهان به، وحيث انطباعات بأن تمكن الخبرة الأردنية في الملف الأمني من المساعدة تتطلب صفقة استقرار أكثر شمولية وإغلاق ملف تجديد الشرعية الفلسطينية وعودة السلطة إلى غزة.
وقد تتطلب تواصلاً من طراز ما مع فصائل المقاومة الموجودة في الميدان أيضاً، مع التذكير بأن الوزير الصفدي هو أول من استعمل عبارة «بيروقراط حركة حماس» الذين يشكلون شريحة أساسية من الصعب تجاهلها إذا ما خطط القوم لاستقرار حقيقي.