بلينكن «برغي» في هيئة وزير… وفي جباليا «إرحل أو تموت»: «سهرة وناسة» ضد إيران وأمريكا تبقى «رأس الحية»
الأسوأ من ظهور صورة للوزير أنتوني بلينكن، وهو يستقبل في عاصمة عربية، مثل القاهرة هو الإصرار على التعامل معه في «سياق مهني» وكأنه الرجل، الذي يستطيع إنقاذ ما تبقى من النظام الرسمي العربي بالعودة المضجرة للأفلام نفسها، التي يروجها منذ يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول السنة الماضية.
صورتان على كادر «الجزيرة» في التوقيت نفسه.
الأولى علوية للوزير بلينكن، يحاول فيها تذكير الجيش الإسرائيلي بأن إدارته طلبت «تخفيف» العمليات الحربية ضد مواقع سكنية مدنية في بيروت. لاحظوا معي مفردة «تخفيف».
حتى التخفيف لا يعني شيئا عند الإسرائيليين، الذين يعلمون مسبقا أن بلينكن برمته مجرد «برغي» صغير موظف لديهم.
على كادر «الجزيرة»، وتحت صورة بلينكن «بتاع التخفيف»، ثمة صورة أخرى لبقايا العظام البشرية لأطفال في محيط مستشفى كمال عدوان، ثم تصريح أسفل الشاشة يقول فيه بلينكن ما غيره «قلناها سابقا لا نقبل ضم أي جزء من غزة»!
طلب الرحمة من القاتل!
ما اقترحه على المستمع العربي بعد الآن هو التقاط عكس ما يقوله بلينكن فورا.
إذا قال الأمريكي إنه ضد ما يحصل في شمالي القطاع، فهذا معناه أنهم مع ما يحصل، لا بل أكثر من ذلك فإن خطة الجنرالات ذاتها هي خطة البنتاغون.
لا لزوم للتورية، ولا لمارشات عسكرية تظهر على شبكة قنوات النيل المصرية عندما يستقبل ضيف ما.
لا لزوم لكل التحليلات: الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تحاربنا عبر البلطجي المتوحش، الذي يعمل عندها.
أمريكا هي التي تسحق عظام أطفالنا في جباليا وعيتا الشعب. نعم أمريكا كانت وستبقى كما بقيت هي الرأس، والأفضل لنا العودة لأغنية الشارع والمخيمات القديمة التي تقول «أمريكا هي هي أمريكا رأس الحية».
سهرة «وناسة»
لذلك لم يعد يثيرنا أو ينفعنا كأردنيين على الأقل ظهور وزير سابق من جماعتنا على شاشة محطة «سكاي نيوز» وسط 4 معلقين معا، أحدهم بعمة بيضاء، قبل أن تبدأ حملة تدشين سهرة وناسة على الهواء ضد إيران ومشروعها الطائفي التفتيتي.
طبيعي وزيرنا السابق، يمثل حصة الأردن في هذا «اللهو البائس»، حيث وصلات ردح حصرية لإيران قد تستحقها طهران، لكن ليس في توقيت تقصفها فيه تل أبيب، كما تقصف في دير البلح وقرية الخيام!
ما يقلقني شخصيا في وصلات الردح، التي تقيمها شبكات ناطقة بالعربية ضد إيران والمحور، ليس الموضوع حيث التركيز على المشروع الفارسي ومخاطره.
بل إن أحدا في تلك السهرات لا يريد – ولو لحظة وهو يشكك بإيران محورها – الوقوف للتحدث عن جريمة الإبادة الإسرائيلية ضد أهلنا في قطاع غزة أو جنوب لبنان.
كأن بعض الفضائيات حصلت على عطاء تنظيف العدو الإسرائيلي القاتل، عبر التركيز على شيطنة المقاومة فقط، فيما يضيع حتى التحليل المنطقي، ولا أنباء عن العربدة الإسرائيلية، حيث تتجول طائرات سلاح الحرب وهي تقصف في العراق وسوريا ولبنان والضفة وغزة، وتخترق أجواء الدول العربية، ودون أدنى تردد أو حساب للعواقب، فجحافل الناطقين بإسم الاحتلال جاهزون في سهرات الوناسة العربية للدفاع عن الكيان المحتل.
وين الضمير؟
«أي ضمير يا محمد؟»… إذا فقد العرب ضمائرهم… كيف نراهن على ضمير العالم؟»!
تلك العبارة أثارت كل الوجدانيات الإحباطية التي شعرنا بها، بعدما صدرت على لسان الفريق قاصد محمود، وهو يعلق ردا على سؤال لمذيع قناة «الغد» عن قصف المدنيين في بيت لاهيا.
وصفها الفريق محمود من الآخر «هاي مش عسكرية بل وحشية»، والدماء التي تجري في عروقنا الآن لا علاقة لها بالعروبة، واللي بيموت في غزة بيرتاح الآن، والدور على بقية العرب.
ويقدر الخبير العسكري نفسه أن الحروب شهدت بعض المذابح هنا وهناك في العصر الحديث، لكن ما يجري في جباليا وبيت لاهيا لم تشهده حتى هيروشيما، وهدفه باختصار «إرحل أو تموت».
الفكرة هنا التقطها في نقاش مع «الجزيرة» أيضا أحد المحللين، فأهل شمال غزة قرروا اختيار الموت، وهؤلاء سيرتاحون عمليا لكن الموت سيلاحق من بقي في دول الجوار على قيد الحياة، لأن من أخضع مستشفى كمال عدوان لن يقف، وسيسعى لإخضاع مستشفيات الميري في مصر وعواصم العرب.
بصراحة لا توجد قيمة ولا شيء يستحق أن يسحق الإنسان من أجله بكل هذه القسوة أو يستحق أن يصمت العالم، دون خجل أو آدمية على المجازر في شمال غزة .
والغريب أن الدول العربية التي أمطرتنا صراخا وهي تتغزل في قدرة أهل شمال غزة على الصمود ورفضهم التحرك والتهجير دخلت بدورها في صمت القبور، ولم تتخذ أي خطوة ولو صغيرة تجعل على الأقل الموت أكثر إنسانية في شمالي القطاع.
يموت الأطفال في بيت لاهيا وجباليا بدلا من الرحيل، لكن دول العرب الكبيرة لا تقوم بالمقابل بأدنى واجب، حتى ولو بإرسال أكفان لمواراة اللحم العربي المسلم المشوي، وهو يلتحف التراب!