«جدارية السنوار» تعيد السؤال الأردني للمربع الصفري: المقاومة فكرة «تسللت»… كيف «نحتوي»؟
عمان – «القدس العربي»: أيهما منتج أكثر سياسياً لحسابات الدولة الأردنية ومصالحها، تنفيذ أمر اعتقال احترازي بحق فنان شعبي أردني يحمل صفة اللاجئ لأنه حاول رسم جدارية للقائد الشهيد يحيى السنوار على جدران مخيم البقعة الشهير، أم توظيف تلك اللوحة وصاحبها والاستثمار فيهما لتذكير المجتمع الدولي والأصدقاء الأمريكيين تحديداً بوجود شعب في الأردن له حق العودة ويريد دولة فلسطينية؟
يبدو السؤال بصيغته طويلاً، لكن دائرة الأسئلة التي لا تنتهي في المشهد السياسي الأردني ومن زاوية الاشتباك مع مستجدات الملف الفلسطيني الخطرة هي درب طويل بطبيعته، لا ينتهي إلا عند الإجابة، كما يصر المحامي والسياسي البارز زياد الخصاونة عن الأسئلة الحرجة وطنياً.
ذلك سؤال طويل نسبياً ومن النمط الذي لا ترغب الحكومة في الإجابة عنه مع علمها المسبق بأن منع رسم جدارية لصورة القائد الأيقونة الآن يحيى السنوار ثم اعتقال صاحب الريشة التي حاولت الرسم احترازياً بقرار من الحاكم الإداري، لا يعني بأن الصورة وصاحبها وظرفها ومناسبتها غير مستقرة في وجدان الشعب الأردني بكل مكوناته.
أمام “القدس العربي” وفي جلسة حوار عميقة وصاخبة، صاح المحامي الخصاونة قائلاً: نحن قد نتسامح إذا شتمتمونا شخصياً وفي بعض الأحيان عائلياً، لكن السنوار والمقاومة خط أحمر، والأردنيون لا يقبلون ذلك الكيد الاستفزازي الذي يحاول المساس بأنبل وأكرم أبناء الأمة وأصحاب الكف التي قاومت المخرز الإسرائيلي المتطرف الاستيطاني نيابة عن الشعب الأردني قبل الفلسطيني، وعن الأمة برمتها قبل أهل غزة.
ينفعل المحامي الخصاونة إذا ما لاحظ أن نقاشاً ما يحاول المساس بقادة المقاومة، ويصر على أن مكانة قائد تاريخي مثل السنوار وسط الأردنيين لا مجال بعد الآن للتأثير فيها ولا لتقليصها، والأفضل للأردنيين أكثر من غيرهم هو استلهام ما تعنيه معركة غزة والطوفان من عبرة وطنية ورفع الإحساس العام للمخاطر والسعي إلى الجاهزية.
لذلك، وفي سياق هذا المنطق الشعبي الاجتماعي الذي لم يعد شعبوياً في الواقع، يمكن القول إن تحري مذكرة اعتقال إداري بحق فنان شاب من أبناء مخيم البقعة يرسم جداريات للناس على أسوار المخيم، خطوة قد لا يكون لها أي معنى أو مدلول سياسي من أي صنف، لا بل تعاكس تطلعات الأردنيين أنفسهم لأنها توحي بأن السلطات التي فكرت باعتقال الفنان احترازياً -حسب صفحات فيسبوك- ومنع رسم جداريته، لم ترتق بعد باتجاه حتى الثابت الأردني؛ لأن الخبير الجنرال قاصد محمود، وهو نائب لرئيس الأركان سابقاً في الأردن، سبق عملياً جميع أطياف التحليل عندما اقترح عبر “القدس العربي” في وقت مبكر بأن حق العودة لملايين المواطنين الأردنيين هو السلاح الذي يمكن بواسطته مواجهة مشروع التهجير والترانسفير في الضفة الغربية.
لا أحد عملياً بعد يريد مناقشة ما تطرحه الخبرة العسكرية العميقة للجنرال محمود في مواجهة الاستحقاق، رغم أن القصة المرتبطة برسام الجداريات البقعاوي الفنان خليل شعث، قد تبقى إدارية بيروقراطياً ومحدودة، لكن الانطباع يتشكل بالنتائج عبر لفت النظر إلى أن الخطوات البيروقراطية الإدارية الصغيرة قد لا تفيد في الواقع، لا بل هي لا تفيد ميدانياً في تقليص المسافة ما بين المقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعبية والاجتماعية العريقة في الأردن.
خطوة مثل منع رسم جدارية للسنوار على جدران أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في العالم، غير مفيدة إطلاقاً، وقد تعاكس مصالح وثوابت الأردن في النهاية، والأقل أهمية بمسافات منها خطوات أخرى يمكن أن تفهم في سياق الواجب الأمني والاحتياط المؤسساتي، مثل استدعاء أقرباء أو مقربين لشهيدي عملية البحر الميت وإخضاعهم للتحقيق، أو مثل حتى قبل ذلك مصادرة رسومات المثلث الخاص بكتائب القسام التي وضعت صغيرة على منشورات في أحد المطاعم، خلافاً طبعاً لإزالة لوحات عن محلات تجارية اختارت اسم 7 أكتوبر في حوادث معروفة.
الارتباك البيروقراطي في الحرص على التأسيس لمسافة بين المقاومة الفلسطينية والحاضنة الاجتماعية في الأردن، علامة إخفاق واضحة المعالم لكل من يراقب ويتابع في عمان.
والمهمة تبدو صعبة في الواقع، لا بل مخفقة، ليس لأن السلطات لا تستطيع أو تستطيع، ولكن لأن وزير الخارجية أيمن الصفدي هو أول من لجأ إلى نمط من التعبئة العامة عندما قال علناً في أقنية المجتمع الدولي إن حماس فكرة لا يمكن هزيمتها بالعمل الحربي والعسكري والإبادة.
إذا كانت «حماس» فكرة -في رأي الصفدي- في المجتمع الدولي، فماذا تكون للشعب الأردني؟
سؤال آخر مستنسخ عن أخيه، لكن الإجابات في إطار العمل البيروقراطي الإداري الأمني فقط غير ممكنة.
المقاومة وبصرف النظر عن روافع منابر الإعلام الرسمي واتجاه كتاب التدخل السريع من مجموعة شيطنة المقاومة، لا ينظر لها الآن وسط الجمهور الأردني باعتبارها فلسطينية أو حتى حمساوية فقط، بل باعتبارها أردنية وطنية.
وفي الوقت الذي يعلن فيه المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، بأن طوفان الأقصى أردني أيضاً، يعلن بالتوازي رئيس الوزراء الأسبق الليبرالي علي أبو الراغب ومعه الجنرال محمود وغيرهما بأن مصالح الدولة الأردنية تقتضي الآن وفوراً ألا يحسم اليمين الإسرائيلي المواجهة لصالحه ضد المقاومة.
لذلك، بعض الخطوات الإدارية مثل منع رسم جدارية على أسطح وجدران مخيم البقعة، ترفع من النقاشات وسط الأردنيين إلى مربعها الأول.
اعتقال رسام للجداريات ليس حلاً، ومنع فكر المقاومة بنسختها الفلسطينية من الاستقرار أكثر في عمق المكونات الاجتماعية المحلية يتطلب -بعدما تسللت بكل حال- ما هو أكثر بكثير من الاشتباك مع يافطة أو تحرك الحاكم الإداري ضد “جدارية فنان”؛ لأن النقاش يعود كل مرة إلى المربع “صفر”.