كيف يتصرف الأردن أمام «المصائد الإسرائيلية»؟
عمان ـ «القدس العربي»: يمكن ببساطة ملاحظة «التغير المثير» في لهجة «الرسميين الأردنيين» عندما يتعلق الأمر بحسابات سيناريو العودة للقتال والعدوان العسكري في قطاع غزة بالتزامن مع ولادة وبروز «مؤشرات أكثر» خلال الأسبوعين الماضيين على «أسوأ سيناريو» يفترضه الأردن، بعنوان «انهيار الوضع القانوني في الضفة الغربية» حصراً.
الوضع صعب ومعقد
المعطيات الواردة من رام الله إلى الدوائر المختصة في عمان «غير مبشرة». الوضع من حيث السيناريو الأسوأ يتخطى ما سمعته «القدس العربي» قبل يومين من رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، عندما قال: «الوضع في فلسطين المحتلة صعب ومعقد، والاحتمالات مخيفة» والمطلوب منتهى المتابعة والحذر.
السفير الأردني في رام الله عصام البدور، بدأ بصورة نادرة «يلتقي» ممثلين عن أهالي ونشطاء «مخيمات» يقوم الاحتلال بتجريفها على قاعدة «الامتنان للأردن» بسبب موقفه في دعم صمود الشعب الفلسطيني ورفض «التهجير». يعني نشر صور لأبناء مخيمات في الضفة يزورون السفارة والسفير، أن الوضع صعب حقاً، وأن الرهان في ذهن أهالي الضفة الغربية كبير على قدرات الأردن ودوره في «الحد من جموح اليمين الإسرائيلي» وأن الأمل في توفير غطاء من السلطة وأجهزتها بدأ يضعف.
بعض ممثلي التيارات الشعبية في مخيمات فلسطينية مستهدفة بدأوا يقترحون «الحضور إلى عمان» والتفاعل المباشر مع أهالي الضفة تحت عنوان «تلمس احتياجاتهم الملحة» وتقديم المساعدة الممكنة ضمن استراتيجية «دعم الصمود».
في الأثناء، تبرز بعض مؤشرات الضعف الأردني في المتابعة؛ فخلية الأزمة المكلفة بـ «مراقبة ما يجري في الضفة الغربية» سجلت مؤخراً ملاحظات في غاية الأهمية، فكرتها أن «بصمة الحكومة الأردنية» غير مؤثرة في جيلين على الأقل من الضفة الغربية. وطبقة «الوجهاء والمخاتير» التي كانت حليفة من سنوات طويلة، إما تفرقت أو توفي معظم رموزها بدون سياسات استبدال.
الخلاصات المثيرة
بين الخلاصات المثيرة، الإقرار بحصول «تقصير بيروقراطي» في التعاطي مع قطاع الشباب في الضفة الغربية و«هزالة» الاستجابة الحكومية والبيروقراطية لـ «تعليمات وتوجيهات» صدرت عدة مرات بالسياق.
في الأثناء، تمسكت عمان بخيار «الشرعية الفلسطينية».
مؤخراً، أبلغت شخصيات بارزة من جهة الدولة بأن الأحداث الأخيرة في الضفة الغربية لم تغير البوصلة الأردنية، فهي مع الرئيس عباس والشرعية والسلطة، والتركيز على إقناع الرئيس بتعيين نائب له الآن، والمساعدة أردنياً في «مصالحة أقطاب» حركة فتح.
مع عودة «صداع الضفة» وسيناريو «منطقة عازلة»
صحيح قيل ذلك لسياسيين كبار مؤخراً، لكن في الميدان وعلى الأرض تشبيك الخيوط مع السلطة وأجهزتها بدأ يخرج الأردن الرسمي أكثر من «الحواضن الشعبية» ولا يؤسس لامتيازات في قدرات عمان على التواصل والتأثير في مجتمعات بعض المدن والمحافظات، وتحديداً شمالي الضفة الغربية.
لذلك، فـ«الوضع مربك للغاية» في محور «المراقبة الأردني للضفة الغربية» والانطباع زاد أكثر مؤخراً بأن المسألة لم تعد تتعلق إطلاقاً بتقديم «مساعدات طبية» أو قمح أو بترول لتشغيل مخابز الضفة الغربية، بقدر ما لها علاقة بالاجتهاد لتجنب «مصيدتين» وفقاً لتعريف وفهم السياسي مروان فاعوري.
المصيدة الأولى، التعامل إسرائيلياً مجدداً ليس مع «الأردن دولة وشعباً» بل مع «الجغرافيا الأردنية» بهدف «تصدير أزمة التهجير» والنزوح الداخلي مجدداً إلى غربي النهر.
والمصيدة الثانية تنصب إذا ما تمكن الأردن من صد «عملية تصدير أزمة السكان» له بمعنى العودة لإدخال الأردن على ملف «سكان الضفة الغربية» وإدارة خدماتهم بعيداً طبعاً عن منطق «الدولة الفلسطينية» وفي سياق يضع المملكة بين خيارين، هما: دخولها على الخط لتولي ملف السكان أو من يتبقى منهم، أو تصدير السكان لها. وفي الحالتين تتوفر كل «عناصر إعلان الحرب» على البلاد، وفقاً للشرح الذي سمعته «القدس العربي» من الخبير القانوني الدولي الدكتور أنيس القاسم.
وفي الحالتين أيضاً، يضطر الأردن لمراقبة كل صغيرة وكبيرة في الضفة الغربية لإظهار فعالية في استجابة سريعة وفعالة لمآلات الأمور، مع أن ما يقترحه الفاعوري والإسلاميون وآخرون على الدولة الأردنية هو الدخول لصناعة الحدث والتأثير فيه بدلاً من «الانتظار والترقب» وإدارة مسألة حساسة بنظام «القطعة والتقسيط».
يمكن لعمان إنجاز ترتيب يتضمن «الدخول الاعتراضي» بمعنى تعطيل تشريعات الكنيست الجديدة التي ألغت القوانين الأردنية الناظمة لبعض قطاعات الضفة الغربية، ثم المبادرة إلى «قوننة» فك الارتباط والاندفاع الجدي لتشريع قانون «ضد التهجير» الذي حظي بصفة الاستعجال، لكن سرعان ما «نام» لاحقاً في أدراج اللجنة القانونية لمجلس النواب.
في الأثناء، «الوصفة السحرية الأسرع» هي في الاعتراض اللوجستي السياسي التي تقترح العمل ضمن المسار التركي- القطري- المصري في الانفتاح السريع على ورقة «المقاومة» بعدما توثق الجميع من أن «الانغماس» العميق في ملف غزة يوفر ملاذات لمخارج استراتيجية للأردن في الضفة الغربية.
تلك في كل حال «خطوات» تقترح بعض الأوساط الرسمية أنها «متعجلة ومكلفة» حتى وإن كان المصري يحذر من أن تصفية القضية الفلسطينية والتهام الضفة الغربية بضمها يهدد «المملكة» فوراً.
لكن ملف الضفة الغربية بات مفتوحاً على مصراعيه و«صداعه المزمن» في قياسات المؤسسة الأردنية التي أبلغت الأمريكيين، حسب رواية نشرها في مقال خاص الكاتب ماهر أبو طير صباح أمس الإثنين، بأن «إجراءات أمنية وعسكرية» سيتخذها الأردن في حال تهجير وتحريك أهالي الضفة الغربية شرقاً. ما اقترحه الكاتب أبو طير أن عمان ستعمل على إنشاء «منطقة أمنية عازلة» في العمق الفلسطيني وبخيار عسكري إذا ارتكبت إسرائيل حماقة التهجير.
ذلك اقتراح مثير للانتباه، لكن من غير المعروف بعد ما إذا كان يمثل الورقة الوحيدة في الجعبة الأردنية.
الدكتور القاسم يصر على أن «القانون الدولي يعطي شرعية لأي تحرك عسكري أردني ضد خطوات تحريك سكان إسرائيلية». والمختص الاستراتيجي العسكري الفريق قاصد محمود، يعيد بدوره التذكير بأن «الحدود وتحريك السكان» لعبة محفوفة بالمخاطر على الإسرائيليين أيضاً.