اراء و مقالاتمقالات وآراء

الأردن: عودة «رمزيات» صدارة الإسلاميين على أكتاف «غاز إسرائيل»… والمهندس «إخواني»

المعارضة اليتيمة في حضن الراعي الإسلامي ومقرات حزب «الجبهة» تنشط

تعود الرمزيات السياسية الأردنية إلى واقعها الموضوعي مجدداً وهي تمتطي موجة اتفاقية الغاز الإسرائيلي التي منحت بالنتيجة الحركة الإسلامية، وبكل هدوء سياسي ممكن، زخماً للصدارة والعودة إلى الشارع والخطاب السياسي الوطني. تلك اتفاقية عملياً تضرب على الوتر الحساس عند الأردنيين جميعاً على اختلاف مكوناتهم واتجاهاتهم السياسية.
أثبت ذلك الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، عندما التقط ما هو جوهري في المسألة، ضارباً على الوتر الشعبي الحساس نفسه وعلى أساس مقولة تؤكد للأردنيين ضمنياً بأن غاز إسرائيل المسروق من الشعب الفلسطيني يدخل بيوتهم الآن.
الشيخ العضايلة وباسم أكبر أحزاب المعارضة يعود أيضاً لتصدر جملة وطنية واضحة الملامح، فأول مؤتمر صحافي باسم الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز تقريباً، بعد مقترح مجلس النواب التشريعي بإصدار قانون يلغي الصفقة، يعقد في مقر حزب الجبهة وبرعاية الشيخ العضايلة ظهر الإثنين.

تلك رمزية على شكل متتالية هندسية تعيد الإسلاميين إلى صدارة المشهد، فمقر حزب الجبهة في وسط العاصمة عمان سيصبح عنواناً مجدداً. والأهم أن الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز كانت موجودة أصلاً منذ سنوات عدة، لكنها اليوم في حضن الزخم الذي ينتجه التيار الإسلامي بمهارة.
تلك الحملة – وهنا الرمزية التالية – كانت منوطة بعشرات الشبان النقابيين، وجزء مهم فيهم من الميول اليسارية والقومية. وبمعنى آخر، مجدداً تدخل القوى السياسية الوطنية الأردنية وتياراتها الحزبية في لعبة الاستقطاب بشراكة حتمية ولا مفر منها تحت مظلة حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يعني ببساطة الإخوان المسلمين.
يوفر الإسلاميون هنا، ضمن تقاسم تكتيكي، الزخم الشعبي والبياناتي والحضور في الشارع وفي الخارطة السياسية، ويتخلص النشطاء المهتمون بإسقاط اتفاقية الغاز بالنتيجة من حالة «اليتم» وسط شارع أصلاً سلبي وواقع يفيد بأن الغاز الإسرائيلي أصبح في حكم الواقع القانوني.
والأهم وسط حالة «أنيميا» وبؤس، على حد تعبير الباحث والمفكر الدكتور وليد عبد الحي، في جبهة أحزاب اليسار والوسط رغم الجاذبية التي يمكن أن تنتجها عبارة من وزن «إسقاط اتفاقية الغاز»، بطبيعة الحال يتحدث خصوم التيار الإسلامي هنا عن انتهازية مكررة ومألوفة عنوانها اختطاف ملف الغاز الإسرائيلي عشية التحضير العمومي للانتخابات المقبلة.
لكن من يتمترسون وراء انتقاد حراك الإسلاميين ويتهمونهم بالانتهازية السياسية يعلمون بأن قضيتهم خاسرة دون حضن له علاقة بالإخوان المسلمين وثقلهم وحضورهم القوي في أوساط المجتمع ومكوناته.
رغم ذلك، وبصرف النظر عن اتفاقية الغاز نفسها التي تثير مشاعر القهر وسط الأردنيين أو عن تفاصيل موقف مجلس النواب المتأخر، يمكن القول بأن متتالية الترميزات السياسية الداخلية تعود إلى التيار الإسلامي اليوم في قضية شعبية عامة وتخضع لهندسة مؤسساته ورموزه.
حصل ذلك بهدوء شديد ودون ضجيج ودون خطاب عدمي يشكك بالدولة وخياراتها أو يربط مسألة الغاز مثلاً بمسار الإصلاح السياسي، وتلك صيغة تخدم السلطة والدولة فوراً إذا ما قررتا في أي لحظة مستقبلاً الاستثمار في موقف شعبي منمط ومحدود ومرسوم ضد الغاز الإسرائيلي الذي يتحول إلى قدر سياسي لا مفر منه.
صعب جداً اتهام الإسلاميين هنا بالتحريض، لكن الحاجة ملحة لهم إذا ما رغبت الدولة في تحسين شروط التفاوض والاستثمار في مظلتهم، أو إذا ما رغبت بقية قوى الأمر الواقعي الحزبية في الانتقال بالجملة المعترضة على الغاز الإسرائيلي إلى مستوى شعبي حقيقي ومؤثر، خصوصاً وسط صمت مريب ليس للحكومة التي لا تدافع عن تلك الاتفاقية فقط، ولكن عند تلك التيارات التي تدعي تمثيل الأردنيين وتستعد للانتخابات المقبلة.
ثمة مهندس وراء هذه التراتبية يستثمر بذكاء وبدون صدام أو تصعيد مع الدولة ويعود لبوصلة القيادة وبهدوء شديد على مستوى القـوى الشـعبية وخـارطة الأحـزاب.
تبعية هذا المهندس واضحة ومرجحة لمطبخ الإخوان المسلمين الذي يستأنف نشاطه في الشارع مظهراً أنه رقم صعب بالمعادلة المحلية بكل الأحوال، خصوصاً بعد الجدل الذي رافق الإضراب الشهير لنقابة المعلمين، والاتهامات التي لحقت به باعتباره مرتبطاً بأجندة لها علاقة بحركة الإخوان المسلمين. والأهم أن المشهد الداخلي الأردني يتحرك بفعل البصمة التي أنتجها ضخ الغاز الإسرائيلي عملياً ومنذ اليوم الأول للعام الجديد لاستعماله في إنتاج الكهرباء وبأسعار معقولة جداً حسب المواصفات الحكومية.
النشاط يدب في أروقة مقرات جبهة العمل الإسلامي، والغاز الإسرائيلي هو السبب، والفعاليات الشعبية في الاتجاه نفسه اليوم في حضن الحزب، والترميزات القديمة تعيد الإسلاميين إلى الصدارة دون أن يعني ذلك موقفاً واضحاً لهم في الاستحقاق المقبل والمهم، وهو الانتخابات البرلمانية المقبلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى