اراء و مقالات

الأردن: هل ستطيح «الماكينة» برؤوس «الشد العكسي»؟

عمان – «القدس العربي»: لا أحد يعرف بعد ما هي طبيعة الدروس الديمقراطية أو حتى الإصلاحية السياسية التي يمكن الاستثمار فيها على هامش مشروع تحديث الدولة الأردنية.
الجدل صاخب في المجتمع، وزادت وتيرته خلال الأيام القليلة الماضية، فيما ارتفعت كثافة الرسائل السياسية المرجعية التي تؤكد بأن مسار تحديث الدولة لا رجعة عنه بأي حال من الأحوال، وأن ماكينة هذا المسار ستطيح بأي وزير أو مسؤول في الدولة يحاول إعاقتها.
هذا يعني توفير ضمانات للمجتمع بأن مسار التحديث الذي تم التوافق عليه عملياً بين شرائح متعددة في المجتمع من الخبراء والسياسيين الذين اختارتهم مؤسسات القرار والأجهزة الاستشارية هو مسار يبدو قسرياً وإجبارياً ويتطلع إلى بناء تجربة جديدة وحالة جديدة في الدولة الأردنية تصلح للمستقبل، كما يرجح عضو اللجنة الملكية التي صاغت وثيقة التحديث السياسي محمد حجوج.
أين الإصلاح الحقيقي؟ يقف إزاء هذا السؤال سياسي وبرلماني عريق وكبير من وزن الدكتور ممدوح العبادي، أمام نخبة من المشاركين أو المستطلعين في ندوة عامة ليستعير العبارة الشعبية التي تقول “لو بدها تشتّي غيّمت”، والمقصود أن المطر يبدأ مع الغيم.
عملياً، لا يمكن القول بأن سؤال العبادي “العلني” يمثله فقط، فهو مطروح وبقوة نخبوياً، خصوصاً في ظل التدخلات بالتعيينات والأحزاب، وأيضاً في ظل الاعتقالات والإصرار على التدخل في الانتخابات.
سأل العبادي: لماذا لم يطلق اسم الإصلاح السياسي بدلاً من “التحديث”؟
ويجيب لاحقاً أمام “القدس العربي”: المطلوب إصلاح سياسي حقيقي وفي كل المسارات، يؤدي إلى تحصين الجبهة الداخلية، مشيراً إلى أن الحاجة ملحة أكثر اليوم للإصلاح الحقيقي بعيداً عن نمطية الكلام عن التحديثات ما دام اليمين الإسرائيلي قادماً وبقوة وسيحاول ابتلاع شرق الأردن.
تلك المقاربة حيوية، ويأمل العبادي في ندوة عامة أن تتحقق ستة شروط، أولها وأبرزها وأهمها هو التوقف عن الحديث عن التحديثات لصالح عملية إصلاح أو مقاربة إصلاح شاملة حقيقية لا يتسرب منها الإحباط ولا النكوص، فيما يضيف السياسي مروان الفاعوري قائلاً: “إصلاح أشمل ومصالحة وطنية شاسعة وعميقة”. قبل ذلك، كان الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي المعارضة الشيخ مراد العضايلة، قد رفع شعار “على الدولة أن تصلح نفسها أولاً”، فهي التي تحتاج إلى الإصلاح.
الرد كان في ورش عمل وعصف ذهني عميقة جداً استمرت أشهراً حتى تقول المؤسسة إنها بصدد مشروع لتحديث منظومتها، وهو ما يرد في كل خطابات كبار المسؤولين وحتى قيادة ورأس الدولة. لكن التحديثات بمعناها الذي تم التوافق عليه وباعتبارها المسار الوحيد المتاح اليوم في مجالي الإصلاح السياسي والاقتصادي، قد تقف عند حدود مجموعة من معطيات القوى المعاكسة التي تظهر هنا وهناك، وبين الحين والآخر، وبطريقة من الصعب نكرانها.
عملياً، مثل هذه الطروحات لا يمكن اتهامها بالتشكيك؛ فهي لا تتحدث عن التشكيك بمسار تحديث الدولة، لكنها تفترض بأن المطلوب عملياً لإنقاذ الذات والحفاظ على المصالح العليا والانتقال للمستقبل ما هو أبعد من خطط لها علاقة بالتحديث للمنظومة السياسية والحزبية أو من وثائق لها علاقة بالتمكين الاقتصادي بقدر ما هو مطلوب “التزام” جميع المؤسسات قبل المواطنين بما تقرره الوثائق المرجعية.
ومن هنا حصراً، يقفز السؤال المحوري أكثر من غيره: ما الذي يريده بعض هؤلاء الساسة عند الحديث عن الإصلاح ما دامت العملية انطلقت وتسير إلى الأمام، برأي حتى رئيس مجلس النواب المتفائل جداً أحمد الصفدي والذي يريد الإشارة إلى أن المقاربة المرجعية والرؤية هما بوصلة المستقبل؟
ما الذي تريده أصوات تريد التحدث عن الإصلاح بدلاً من التحديث مع أن الثاني قد يقود إلى الأول؟
هذا هو السؤال المطروح على شخصيات متعددة، لكن الانطباع عند الإجابة على مثل هذا السؤال يشير إلى أن قوى الشد العكسي لديها فرصة ومساحة مناورة تستطيع بموجبها التمكن عملياً من إحباط حتى مسار التحديث على الرغم من كل الإشارات التحذيرية الملكية والحكومية.
لكن تلك القوى لا تزال خفية وفي الظل، ولا يمكن الرهان على دور سلبي لها قبل بروز الإجراءات التنفيذية وخطط التنفيذ الخاصة بمساري تحديث المنظومة والتمكين الاقتصادي.
ثمة نواقص في سياق المشهد لا يمكن إنكارها حتى من قبل أكثر المخلصين لمساري التمكين والتحديث. والحديث هنا حصراً عن ملف الأحزاب ثم ملف الحريات العامة، حيث نواقص بالجملة وصورة سلبية لا يبدو أن الحكومة تحفل بها. الاعتقالات الاحترازية جزء أساسي سالب للحريات العامة في المشهد الأردني، وهو من النواقص التي تتسبب وينتج عنها التشكيك بمساري التحديث والتمكين. ومحاولات دعم وإسناد وتغذية وتسمين، وأحياناً هندسة بعض مواقع كبار الحزبيين في النسخ الحزبية الجديدة، هي من الإشارات التي لا يمكن إسقاطها من الحساب، بالمقابل.
وبناء عليه، ثمة شكوك يزيد من حجمها وتأثيرها عدم إظهار الجدية اللازمة من قبل بقية مؤسسات الدولة البيروقراطية، وهو ما يفترض أن لقاء تم بعد زيارة الملك شخصياً لمجلس الوزراء، وانتهي بتوجيه رسائل تحذيرية عاجلة بتوجيه علني ورسائل حازمة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى