اراء و مقالات

بن غفير وشرطته يعبثان بـ «لقاء عمان»: هل سيقبل الأردن «إعادة تعريف خطوطه الحمراء»؟

عمان – «القدس العربي»: بعد تصريحات إيتمار بن غفير الجديدة صباح أمس الأربعاء، واقتحام قوات الاحتلال باحات المسجد الأقصى والتقاط الصور داخل “وقفية الأردن”، يمكن القول بأن الإحراج السياسي عاد إلى ذروته وفي ساعات قليلة فقط لكل من الأردن الرسمي ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.
ما قاله بن غفير ضمنياً وسياسياً، وما قالته الشرطة التي تأتمر بأمره، بعد ساعات من لقاء عمان مع نتنياهو، هو أنه (أي بن غفير) باختصار، ليس معنياً وليس ملزماً. يعني ذلك مصداقية الرواية الرسمية التي سربتها وأكدتها جهات مختصة لـ “القدس العربي” بصفة خاصة بخصوص تقدم نتنياهو بالتزام مباشر يحترم الأمر الواقع في القدس، بمعنى يحترم اتفاقية عام 2015 التي تنظم بروتوكولات الوصاية والرعاية الأردنية. بن غفير أحرج الطرفين وهو يعلن في اليوم التالي لاستقبال نتنياهو في عمان بأنه مصر على زيارة الهيكل.
وهنا تكمن الخلافات في تفسيرات النصوص القانونية، فالأردن يعتبر أي زيارة يقوم بها أي وزير في حكومة إسرائيل بدون تنسيق مع الوصي القانوني والشرعي للحرم القدسي الشريف، باطلة وعدائية واستفزازية. وهو ما أكده الوزير السابق وعضو مجلس الأعيان الذي يتابع الملف بحرص الدكتور محمد المومني، عندما استمعت “القدس العربي” إلى آخر التطورات معه قبل زيارة نتنياهو.
التفسير الإسرائيلي لنص في بروتوكولات عام 2015 يعتبر أن زيارة بن غفير أو غيره لا تنطوي على مخالفة للبروتوكول، على أساس أن مفهوم الرعاية يتضمن السماح لليهود بزيارة الحرم المقدسي. وهو أمر في السياق القانوني للبروتوكولات يوافق عليه الأمريكيون، إلا أن عمان ترد بالإشارة إلى ضرورة الالتزام من جهة أي يهودي يزور باحات المسجد الأقصى في الوقت المحدد وبالتنسيق مع طاقم الأوقاف الأردني، وهو الأمر الذي لم يحصل.
لكن في المقابل، فإن بن غفير بتصريح جديد وبتحديه ظهر الأربعاء بأنه سيزور مجدداً، يصل بالطرفين إلى مستويات متقدمة من الإحراج، ترجح بأن زيارة نتنياهو لعمان وإن تضمنت تفاهمات من أي نوع فنتائجها والتزاماتها لا تبدو في موقع الإلزام لطاقم نتنياهو، بدلالة أن قوات شرطة الاحتلال تصورت داخل المصلى المرواني، في تحد واضح وجديد للوصاية الأردنية.
تلك إشكالية لا يستطيع الأردن تقديم أي مساعدة لنتنياهو تخصها، فعمان تستطيع توفير ملاذ لاستقبال نتنياهو نفسه إذا ما كان قادراً على الالتزام.
ودون ذلك، لا مصلحة لها لا في الاستقبال ولا فيما بعده؛ لأن وزراء نتنياهو في هذه الحالة يثبتون تلك الملاحظة العميقة التي ذكرها خبير من وزن الدكتور مروان المعشر فيما كانت “القدس العربي” تناقشه. وهي ملاحظة تقول بأن الجانب الإسرائيلي بطاقمه الحالي لا يمكنه الالتزام بأي شيء، وبأن غرفة القرار الأردنية عليها أن لا تصدق أي التزام لفظي بعد الآن.
يستغرب المعشر من تلك الإدارة الدبلوماسية التي تفترض الحصول على التزام بمصالح الأردن من أشخاص لا يعترفون بوجود الأردن، مثل بني غفير ورفاقه، لذا فالرهان برمته ليس في مكانه الصحيح. وما يقول تصريح الأربعاء لبن غفير تماماً بالنسخة الأصلية والكربونية وما أعقبه، هو أن أي التزام يتقدم به نتنياهو تحت عنوان الوصاية الهاشمية لا يعني شيئاً.
وتلك واحدة من معضلات مذكرات التفاهم التي وقعها نتنياهو نفسه أثناء تشكيل الائتلاف مع رفاقه في اليمين. وتصبح مخاوف الرأي الآخر هنا بالقياس في وسط النخبة الأردنية، لها مبرر موضوعي وقوي؛ لأن الحديث يصبح عن يمين إسرائيلي متباين وليس موحداً بأي تصور.
ولهذا، فإن أي حالة نوم في فراش نتنياهو أو غيره في النخبة الإسرائيلية ستكون مكلفة، وأي ملاعبة تفترض الدوائر الأردنية أنها ممكنة ومنتجة ستعيد الأمور إلى المربع الأول بعنوان السعي للحصول على اعتراف موتوري اليمين وعتاة التطرف الذين يشكلون أقلية تحكم إسرائيل اليوم بحزمة المصالح العليا الأردنية. وإذا استمرت “الملاعبة” هنا لزمن أكثر، قد يستطيع هؤلاء اليمينيون اللعب من جانبهم بقواعد تعريف أو إعادة تعريف المصالح الأردنية نفسها، الأمر الذي ينسجم مع مقولة المخضرم طاهر المصري حول مخاطر وكلف وفواتير إنكار المخاطر أو الادعاء بالقدرة على احتوائها تحت عناوين مسارات التكيف.
لذلك، حصراً وبالمدلول السياسي، يمكن اعتبار زيارة نتنياهو إلى عمان حرجة وخطرة وحساسة، ليس لأنها غير مفيدة بالسياق النهائي فقط، ولكن لأنها زيارة قد تؤدي إلى تفكيك حزمة الخطوط الحمراء أو تعيد تعريفها تحت ستار من مستلزمات واحتياجات التكيف، ومغادرة المأزق الحالي بتأسيس شراكة واهمة مع نتنياهو، وهو الطرف الأضعف في الطاقم فيما يبدو.
إذا حصل ذلك، قد يدفع الأردن في كل الاتجاهات ثمناً مرتفعاً جراء التكيف مع عتاة اليمين الإسرائيلي.
وإذا حصل قد يخسر عبر الاسترسال في المزيد من الرهانات الفارغة والمكاسب الوهمية، لأن خبيراً من وزن الدكتور دريد المحاسنة كان قد حذر من بناء الأوهام مجدداً مع الطرف الإسرائيلي مبكراً.
تلك معادلة تعني في الخلاصة، أن نتنياهو يكسب في زيارة عمان، وأن الأردن لا يكسب، هذا إن لم يخسر، ما لم تنته الزيارة أولاً بإلزام طاقم نتنياهو بوقف استفزازاتهم في المسجد الأقصى، وثانياً بالعودة إلى الأفق السياسي.
عملياً، فإن رد نتنياهو على نصيحة ملك الأردن بإظهار النضج بزيارة لعمان سرعان ما بدد الأوهام حولها الوزير إيتمار بن غفير، وبعد ساعات فقط.
صحيح أن تلك مشكلة نتنياهو اليوم، لكن الصحيح أيضاً أنها ستكون مشكلة عميقة ومعقدة للأردن غداً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى