تجار عمان في دمشق.. أين «الرسالة»؟: الأردن وسوريا في خسائر «الصبر البيروقراطي»

عمان- «القدس العربي»: اللهجة التي استخدمها رئيس غرفة تجارة الأردن متحدثاً باسم القطاع الخاص والتجاري في دمشق مؤخراً، تبدو أقرب إلى صيغة رجال الدولة منها إلى صيغة التمثيل بمعناه القطاعي، حيث زيارة في غاية الأهمية ترأس فيها خليل الحاج توفيق وفداً عريضاً يمثل تجار الأردن وقطاعاتهم.
بقي الوفد لثلاثة أيام، والتقى نخبة واسعة من أهم المسؤولين المؤثرين حصراً في ملف الشراكة الاقتصادية والتجارية في هرم الدولة السورية الجديدة، حتى كادت النقاشات الصريحة التي جرت مع الوفد التجاري الأردني تصل في عدة مستويات إلى مستوى البحث عن الارتقاء إلى مستوى «مجلس التنسيق الأعلى»، وهدفه الأبعد على صعيد التأسيس لشراكة مع القطب السوري الجار والشقيق.
مفردة «شراكة» استعملها الحاج توفيق عشرات المرات قبل وأثناء وبعد زيارته المثيرة إلى دمشق، وهي الأولى من نوعها. والخطاب كان موحداً في مواجهة وزراء ومسؤولين كبار وبصيغة «جئناكم ليس بحثاً عن أعمال أو صفقات أو عقود تجارية… بل جئنا إلى دمشق العزيزة حتى نشارككم في إعادة بناء سوريا ونسمع ما الذي تريدونه منا وكيف نخدمكم… تلك تعليمات قيادتنا»؟
الخطاب هنا تباين مع نظير له في وفود زارت دمشق وبحثت فقط عن «صفقات باسم القطاع الصناعي».
لا توجد قرائن إلا على أن الكلمات الحارة التي تقدم بها عضو مجلس الأعيان ورئيس غرفة تجارة الأردن الحاج توفيق، تبقى ضمن معيار ما يريده القصر الملكي من إطلاق حزمة شراكة مع السوريين الجدد، بدلالة طبيعة استقبال الرئيس أحمد الشرع في عمان، ثم الاتصال الهاتفي بين الملك عبد الله الثاني والشرع؛ لتعزيز مجلس التنسيق الأعلى الثنائي بين البلدين باعتباره الجسم المعتمد لإطلاق تلك الشراكة التي يتحدث عنها الحاج توفيق ورفاقه.
في دمشق قيل للسوريين من جهة رموز القطاع التجاري بأن البنية التحتية والمعلوماتية لمؤسسات القطاع الخاص ستكون تحت إمرة خطط النهوض بسوريا وتطويرها.
وقيل للسوريين بأن تعزيز الشراكة معهم يتطلب تحركات اقتصادية مدروسة.
وقيل ما قيل ضمن مسارات إنتاجية هنا واضحة أكثر.
لكن الإشارة المسيسة الأهم ربما تمثلت في الرؤية التي قدمها كبار ممثلي تجار عمان تحت عنوان ليس فقط الشراكة مع سوريا؛ فذلك قرار تسعى إليه عمان، ولكن التكامل الاقتصادي بين سوريا والأردن ولبنان، دون إغفال الدور الأساسي لدولة جارة مثل تركيا.
تجار الأردن بقوا في مساحة أوضح إلى حد ملموس من الوزراء والصناعيين الذين تواصلوا مع مسؤولي دمشق.
الإيقاع هنا يتمثل في محاولة التقاط ما هو جوهري في فهم عناصر تركيب المشهد السوري وفقاً للرؤية التي يفترضها رموز المعادلة الجديدة الآن، وهو إيقاع ردده الحاج توفيق على مسامع «القدس العربي» وهو يوجه التحية لتلك الروح الوطنية الوثابة الشابة المفعمة بالطاقة والرغبة في النهوض، والتي يمكن تلمسها من دائرة المسؤولين الذين التقاهم الوفد الأردني.
راقب الوفد الأردني خليطاً من الطاقات الشابة والخبرات البيروقراطية يتقدم صفوف الإدارة السورية، وبدا واضحاً أن احتياجات سوريا بعد قمع وظلم استمر عقوداً، مروحتها شاملة وواسعة، لا بل الأهم أن هناك فرصة حقيقية تتشكل للقطاعين العام والخاص في الأردن إذا ما قام الأردنيون هنا بواجبهم في التحضير والاشتباك الإيجابي والاستجابة والتفاعل.
منابر قطاع التجارة الأردني وضعت بين يدي السوريين، ويبدو أن التنسيق يمكن أن يصبح مفيداً أكثر للجانب السوري على مستوى فعاليات ولقاءات ومؤتمرات اتحادات الغرف التجارية، بسبب دور غرفة تجارة الأردن الأساسي والمحوري في العديد من الاتحادات الغربية والعربية والعالمية، الأمر الذي يوفر ذخيرة وخبرة يمكن للسوريين استعارتها.
لاحظ الجميع أن حركة عبور الشاحنات بين عمان ودمشق زادت مؤخراً بعد زيارة الوفد التجاري الأردني.
ولاحظ الجميع أن الأمور على المعابر الحدودية بين البلدين أصبحت أكثر انسياباً ومرونة، والأهم أقل ارتياباً في المستوى الأمني بعد تشكيل لجان حدودية أمنية من الطرفين، ووضع بروتوكولات ملزمة إدارياً تناقش وتتجاذب مع كل اعتبارات الهواجس الأمنية.
يأمل الأردن في أن يقدم مساهمة فعالة في إنعاش البنية التحتية السورية، خصوصاً في قطاعات الطاقة والنقل.
وتأمل عمان بارتفاع مستوى التنسيق الأمني في مواجهة تحديات الكبتاغون والمخدرات، ثم الإرهاب وتنظيمات داعش، بعدما شكل ابتعاد أو إبعاد الميليشيات المقربة من إيران وحزب الله مسافة تشارك مقربة جداً بين الجانبين.
وتأمل دمشق في المقابل، بالمزيد من صبر الأردن البيروقراطي حتى تستطيع الدولة السورية الجديدة الالتزام التام بالاتفاقيات والبروتوكولات، فيما تبقى قضايا مثل الحدود والتفتيش الأمني والمياه معلقة نسبياً وبقرار من الإرادة السياسية في الجانبين إلى أن تتغير المعطيات والظروف والاعتبارات بالمستوى الإقليمي.
صارح السوريون الوفد التجاري الأردني ببعض مشكلاتهم، مطالبين بتخفيض التفتيش على الشاحنات.
لكن قيل لهم إن عصابات المخدرات لا تزال نشطة في بعض التفاصيل، والصبر مطلوب على الاحتياجات الأمنية الأردنية والمتعلقة حصراً بملف المخدرات بعد ثبوت تهريبها عدة مرات عبر شاحنات البضائع والمنتجات الزراعية.
تبادل نصائح «الصبر البيروقراطي» حتى على هامش زيارة الوفد الوزاري الأردني الأخيرة إلى دمشق أصبح طابعاً مؤقتاً للعلاقات التي تتسارع، لكن الوقائع الموضوعية تشير إلى طول الإقامة في منطقة «الصبر والانتظار» قد تؤدي إلى «خسائر» عند الطرفين.