اراء و مقالات

عندما انشغل «الأردن الأمني» بـ«الطراشة»… أصابع اليمين الإسرائيلي وسيناريو «العبث والاحتراق»

عمان- «القدس العربي»: بعد احتفال بنيامين نتنياهو في عهد حكومته السابقة بالدبلوماسي الإسرائيلي الذي قتل مواطنين أردنيين في حادثة السفارة الشهيرة وسط عمان، قررت الدولة الأردنية توجيه “رسالة صامتة” من طراز خاص لما كان يسميه أنصار السلام والشراكة بالدولة العميقة في الكيان.
بعد تلك الحادثة، وبعد استعراض نتنياهو التلفزيوني مباشرة وهو يطالب الدبلوماسي القاتل بالسهر مع عشيقته ويحتضنه، اتصل الأمنيون الإسرائيليون بالجانب الأردني مطالبين بلقاء لتوضيح بعض الملابسات. وعلى الخط الهاتفي الآخر، قررت المؤسسة الأردنية ألّا تجيب أو حتى ترفع الهاتف.
أيام قليلة لاحقاً أرسل الإسرائيليون ما يفيد بأنهم جاهزون لاجتماع تواصلي أمني الطابع مبرمج دورياً في ذلك الوقت. وهنا أرسل الجواب الأردني، وقيل للإسرائيليين حرفياً ما يفيد بما يلي “مشغولون بالصيانة، وحصراً بالطراشة، ولا وقت لدينا”.
مصدر أمني أردني شارك في تلك اللحظات، يهمس في أذن “القدس العربي”، قائلاً: “آنذاك، انشغلنا بالصيانة والطراشة خمسة أشهر، لم يحصل خلالها أي اتصال عبر الحلقات الأمنية، وجمدت العلاقات تماماً في مسارها الأمني حصراً، حيث لا استقبال ولا إرسال من جهتنا”. وقتها، كان الأردن يريد -على حد تعبير أحد السياسيين- “قرص أذن” نتنياهو ولفت نظره إلى الانزعاج الشديد لما سمّاه آنذاك وزير الخارجية أيمن الصفدي وهو يتحدث أيضاً مع “القدس العربي”، بجريمة أخلاقية أعقبت الجريمة الجنائية.

تكريم القاتل

عملياً، وانطلاقاً من ذلك المشهد لنتنياهو وهو يكرم القاتل الدبلوماسي في جريمة الرابية الشهيرة، اختلطت الأوراق مع حزب الليكود أردنياً. وطوال الوقت الذي أعقب ذلك، حضر نتنياهو إلى عمان بزيارة يتيمة واحدة فقط وبضغط أمريكي لأغراض الملف السوري حصرياً، فيما انتهت ورشة الصيانة الأردنية بأفضل ما يمكن تحقيقه وإنجازه في ظل واقع الحال، حيث طرد الموظف الدبلوماسي القاتل من وظيفته، واعتذرت حكومة نتنياهو علناً للأردن ولعائلتي القتيلين، ثم دفعت الخزينة الإسرائيلية تعويضاً سخياً.
تثبت هذه الوقائع ليس جزئية العلاقات المتوترة دوماً بين عمان والعناصر الليكودية اليمينية المتطرفة في المعادلة الإسرائيلية، ولكنها تثبت بأن عمان لديها تقنيات ووسائل بعيداً عن الصدام المباشر، يمكن أن تخدم في الرد أو الاشتباك، وفي بعض المناطق يمكن أن تخدم في الإيذاء سياسياً ودبلوماسياً على الأقل.
ولعل وزير الإعلام الأردني الأسبق وعضو مجلس الأعيان النشط جداً الدكتور محمد المومني، هو الوحيد الذي يشتبك بصيغة مؤثرة علناً مع التفاصيل، خصوصاً أن المومني المعروف باعتباره من أكثر الشخصيات السياسية توازناً وحرصاً، لا بل فهماً لواقع الإقليم، شاهد عيان في الواقع بين النخبة الأردنية على كثير من المراحل.
فوق ذلك، المومني وحده ودون غيره من سياسيي عمان، وفي لحظة ما سمي بمسار التكيف وهواجس ومخاطر اليمين الإسرائيلي، قرر توجيه واحدة من الرسائل العميقة علناً مساء الأحد، عندما صرح بأن بلاده ضمنياً في حالة اختبار لأداء وموقف حكومة إسرائيل اليمينية الجديدة، قائلاً بيد، بأن التعاون مع الإسرائيليين سيستمر ما دام هناك بذل جهد لاحترام المصالح الأردنية. لكنه في اليد الأخرى، وجه كلاماً مباشراً عندما قال: “غير ذلك، سيتم توظيف كافة الأوراق للحفاظ على المصالح الأردنية”. تلك رسالة ينبغي ألا يقرأها الإسرائيلي باعتبارها تهديداً؛ بقدر ما هي لفت نظر من جهة سياسي ووزير سابق مطلع على كثير من الوقائع والحيثيات، لا بل صيغة تحذير أيضاً مع كل ما يلزم من تجنب مواجهة إعلامية لفظية على طريقة اليمين الإسرائيلي.

رسالة وأوراق قانونية

الرسالة هنا، بالشكل وليس بالمضمون فقط، اختار المومني أن يقول فيها ما قاله عبر أذرع الإعلام الروسي تحديداً، حيث وكالة “سبوتنيك”، ثم شرح بأن بين يدي بلاده مجموعة أوراق قانونية ودبلوماسية وسياسية وأمنية يمكن استخدامها وتوظيفها في مراقبة أي ممارسات تهدد المصالح الأردنية، يفكر فيها أو يخطط لها أو يقوم بها الموتورون اليوم في اليمين الإسرائيلي.
لا يعني ذلك إلا أن الأردن لديه ردود ومساحة من الاشتباك إذا ما قررت أي حكومة يمينية لاحقاً التأثير سلباً على ما يقدر الأردنيون بأنه يمثل مصالحهم الأساسية.
خلافاً لما يريده اليميني عبارة “مصالح الأردن ليست مطاطية”، فالثوابت معروفة، وأي إجراء يحجب المياه أو يتدخل أمنياً في الساحة الأردنية أو يحاول تغيير الأمر الواقع في القدس أو يذهب باتجاه تقويض الشرعية الفلسطينية، هو انتهاك مباشر لما تراه عمان حزمة مصالحها الحيوية.
في الماضي القريب، درج المومني تحديداً وعلى هامش سلسلة النقاشات مع “القدس العربي”، على ترديد قناعة قديمة فكرتها بأن الضمانات في المصالح مع الجار الإسرائيلي متاحة مع مؤسسات الكيان العميقة، ولم تكن تؤثر عليها بالعادة تشكيلات وتركيبات الحكومات اليمينية.
لا يجد المومني، بعد تواصل “القدس العربي” مساء الأحد، ما يمنعه من الإقرار اليوم بأن الأوضاع فيما يبدو تغيرت حتى في تلك المؤسسات التي توصف بأنها عميقة في الجانب الإسرائيلي، فهو لا يعترض على القول بأن اليمين الإسرائيلي المتشدد زحف نحو المنظومة الأمنية الإسرائيلية والتهم بعض أفرعها، لا بل زحف أيضاً نحو المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. حتى لا يرسم الأمر على شكل مبالغات غير دقيقة، يشير المومني إلى أن تلك المنظومات التي يفترض أنها عميقة تأثرت اليوم باليمينيين المتطرفين.
وتلك حقيقة مع قناعته، طبعاً حسبما فهمت “القدس العربي”، بأن إسرائيل في حلتها اليمينية الجديدة اليوم تحت أعين الرقابة، ومن الجميع في العالم. فقد أصبح خطابها وأداؤها خلافياً وليس محط إجماع، كما كان يحصل في الماضي. وضع اليمين الإسرائيلي اليوم وتموقعه يشكلان تحدياً برأي المومني، لكنهما في المعادلة الأردنية لا يخيفان؛ لأن إسرائيل في الواقع إذا ما سمحت لموتوري اليمين المتشددين المستوطنين بالاستمرار في السيطرة والتحكم ستؤذي نفسها أيضاً وليس الآخرين، وبالتالي عليهم الخوف على أنفسهم من أنفسهم.
في الخلاصة، يختم المومني، وقد كان صاحب المرافعة الوطنية الأردنية في السياق، شارحاً بأن الأوراق التي قصدها في حديثه لـ”سبوتنيك” مهمة ويعرفها الجميع، مقترحاً على اليمين الإسرائيلي بأن لا يلعب مع الأردن كما يلعب مع الناخب الإسرائيلي، ومقترحاً أيضاً بأن الأصابع التي يمكن أن تفكر يوماً بالعبث في أو مع المصالح الأردنية ينبغي أن تعلم أنها ستحترق بالطريق. تلك ملاحظات تقدم بها المومني، وعلى الجانب الإسرائيلي ومعه مرتجفون في عمان، قراءتها جيداً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى