اراء و مقالات

«مالية» برلمان الأردن وهي «تغوص»: فيلم «الحارة»… وريشة على رأس قناة «المملكة» وكلفة الباص السريع

عمان – «القدس العربي»: وجدت وزيرة الثقافة الأردنية الدكتورة هالة النجار، نفسها في موقع دفاعي وتبريري عندما سألها أحد أعضاء اللجنة المالية في مجلس النواب أثناء التدقيق في الميزانية عبر اللجنة المختصة عما إذا كانت وزارتها هي التي وافقت أو مولت إنتاج فيلم “الحارة” السينمائي الذي أغضب الكثيرين بسبب جرأته.
في الأثناء، وجه عضو آخر فيما يبدو لمسؤولين في قناة المملكة التلفزيونية سؤالاً عن الرواتب الشخصية لمديرين كبار في المحطة، وثارت مشكلة بتداعيات تحت قبة البرلمان؛ لأن كبار الموظفين في محطة تلفزيونية يفترض أنها مستقلة امتنعوا عن الإجابة.
القطب البرلماني صالح العرموطي، أصدر تصريحاً ساخناً بالمناسبة سأل فيه: هل على رأس قناة المملكة ريشة؟
طبعاً، يفترض العرموطي أن من حق رقابة البرلمان الاطلاع على تفاصيل كل الرواتب والتعاقدات مادام القبض يتم من خزينة الدولة، الأمر الذي قد ينتهي بالكشف عن خصوصيات أو حتى مغامرات إدارية في تعيينات خارج نطاق سلم الرواتب المألوف.
وقريباً، يفترض أن تسأل اللجنة المالية رئيس بلدية العاصمة وجهازها المالي عن نفقات مشروع الباص السريع وعن المال الذي سيدفع ويجمع من أجل مشروع طموح وضخم آخر يتمثل في بناء مدينة ذكية.
قبل ذلك، تقول اللجنة المالية علناً وعبر تنسيق لمشاوراتها وتساؤلاتها المالية بأنها قررت الغوص في التفاصيل ولن تناقش فقط الأرقام والسياسات المالية، مع أن الجمع يعلم بأن بعض التفاصيل ليس من الصنف الذي تستحسن مناقشته أو تستطيع اللجنة مناقشته بعيداً عن الملامح العامة.
المثير في المسألة لا بل الجديد برلمانياً هو أن اللجنة المالية المختصة عقدت اجتماعها الأول مغلقاً وبدون إعلام، لكن لاحقاً بدأت تظهر بعض الملخصات والتسريبات عما يجري مالياً في الوزارات والمؤسسات الرسمية ضمن تقاليد تبدو أكثر جرأة هذه المرة في التطرق لتفاصيل الإنفاق العام بتوقيع رئيس اللجنة النائب الدكتور نمر اسليحات.
وفي الأثناء، يلاحظ الجميع أن أعضاء مجلس النواب من خارج اللجنة يتفاعلون تحت بند ما يستجد من أعمال مع ما يجري داخل اللجنة المالية في نمطية جديدة ومستحدثة، حيث انتهى نقاش في لجنة مالية غير مختصة بخصوص إنتاج فيلم محدد بسابقة خطيرة سجلها النائب سليمان أبو يحيي تحت القبة، داعياً إلى سحب جنسية “الممثل المواطن”، كما وصفه منذر الرواحنة، فيما وُجه نقد مباشر يطالب بمساءلة ومحاكمة الهيئة الملكية للأفلام بسبب دعمها لفيلم “الحارة” وأيضاً للممثل الرواحنة.
وتلك من المشاهد المستجدة على طريق مأسسة عمل اللجان في المجلس، والتي يدعمها ويراهن عليها -كما فهمت “القدس العربي” مباشرة منه- رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، الذي أعاد لفت النظر إلى أن العمل التشريعي والرقابي ينبغي أن يحظى بالأولوية بعيداً عن التجاذبات.
حتى في ذهن الحكومة اليوم والجهات المسؤولة فيها، تبدو التقاليد التي يرسمها الصفدي والمكتب الدائم في عمل اللجان مثيرة للانتباه، وبعضها مستجد، ومن المرجح أن اللجنة المالية هي التي بدأت في تقنيات المراقبة الأدق، فهي تلتقي بالوزراء والمديرين العامين والمسؤولين عن المديريات المالية واحداً تلو الآخر، وبجهد واضح، وصرح رئيسها السليحات بأن مناقشات الميزانية تحتاج إلى شهر إضافي.
يعني ذلك أن اللجنة تدخل في التفاصيل وليست بصدد سلق رقابتها تحت ضغط التوقيف، وقد يعني أن الحكومة ملزمة بتوفير طريقة قانونية للإنفاق إلى أن يتسنى لمجلس النواب التصويت على مشروع الميزانية المالية. لافت في السياق أن تطوير ميكانزيمات توجيه أسئلة مفصلة إلى المسؤولين الذين ينفقون أموال الخزينة بما في ذلك مبالغ صغيرة، أصبح أسلوباً لا يمكن الاعتراض عليه، وإن كانت اللجنة فيما يبدو تنفق وقتاً إضافياً على تفاصيل يمكن الاستغناء عنها، إلا أن الرأي العام بالنتيجة يستطيع الادعاء بأن لديه صورة أشمل وأفضل وأكثر تفصيلاً، مع أن وزير المالية الدكتور محمد العسعس كان قد أبلغ “القدس العربي” بجاهزية وزارته وطاقمه وبقية أركان الحكومة للإجابة بشفافية على كل التفصيلات.
وبين العناصر الجديدة في المناقشات المالية ظهور نمط من التأثر داخل اجتماعات اللجنة بالقضايا المطروحة، إما على مستوى الرأي العام أو عبر منصات التواصل. والمتفق عليه ما بين الصفدي واللجنة المالية هو إظهار قدرة رقابية تفصيلية جريئة والتقدم بتقرير شمولي لمجلس النواب لا يقف عند الأرقام فقط، بل يصل إلى حقائق وقائع واستنتاجات قابلة للقياس والتحليل.
في الخلاصة والاستنتاج، تتلامس المداخلات والقضايا بعضها ببعض، ولم يسبق لمجلس النواب أن ظهرت فيه مواقف بناء على تساؤلات حول قضايا تهم الرأي العام تضمنتها نقاشات فنية محضة أو يفترض أنها فنية، مثل نقاشات الملف المالي. ولم يظهر بعد ما إذا كان هذا التنميط الجديد مكسباً لصالح مأسسة العمل البرلماني أم مجرد هدر للوقت.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى