اراء و مقالات

كواليس: صراع «خفي» بين «الاعتدال العربي» القديم وتيار التطبيع الجديد… و«ثلاثي القاهرة» يبحث العمل باتجاهين: تسويق خيار حل الدولتين والعمل على صمود الشعب الفلسطيني في أرضه

السعودية لا تستعجل «التطبيع» والكويت تؤكد: سنكون آخر من يفعله

لماذا غابت دول السلام الإبراهيمي، عن الاجتماع التنسيقي الذي وصف بأنه مهم وأساسي ثلاثياً في القاهرة؟
يبدو سؤالاً مثيراً إذا عرفت التفاصيل التي تدفع كلاً من القاهرة وعمان ورام الله لما سمي بخطة عمل ثلاثية موحدة دون الاستفادة أو حتى الاستثمار في زخم السلام الإبراهيمي مع دول عربية يفترض أنها صديقة للتطبيع وإسرائيل وعملية السلام. الفكرة كانت على الأرجح تصليب موقف ثلاثي بين الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية أولاً يتموقع حول دعم خيار حل الدولتين قبل الانتقال لرفاق التطبيع والتنسيق.

السعودية لا تستعجل «التطبيع» والكويت تؤكد: سنكون آخر من يفعله

حصل ذلك باختصار شديد، لأن عواصم السلام الإبراهيمي لا تظهر -على الأقل بالنسبة لتقرير عميق تحركت بعده الدبلوماسية الأردنية- اهتماماً حقيقياً لا بحل الدولتين ولا حتى بمبادرة السلام العربية أو بتمكين الفلسطينيين من دولة بصرف النظر عن ملامحها. وفي الكواليس برود ملموس يقلق الأردن على جبهة الإمارات والبحرين، حيث لا رغبة تتحول إلى خطوات من أي نوع في الغرف في تفاصيل الملف الفلسطيني، وحيث توجسات في رام الله من أن يصبح ما سمي بالسلام الإبراهيمي عنواناً عريضاً للضغط على السلطة الفلسطينية وفقاً لتعبيرات رددها في عمان عندما زارها الرئيس محمود عباس وهو يستمع للخبرة الأردنية التي تطالبه بالتهدئة قليلاً. يجدد الوزير السعودي المختص بالملف عادل الجبير، إرسال ملاحظاته عبر أصدقاء في عمان بصيغة تقول بأن على السلطة والأردن الاطمئنان؛ لأن الرياض ليست مستعجلة لإعلان تطبيع العلاقات مع الإسرائيليين، ولأن الرياض قررت التمهل وستستند، إذا قدر لها أن تتعرض للضغوط، إلى وثيقة المبادرة العربية.
رسائل الجبير فيما يبدو أسست لأول تواصل من نوعه منذ نحو عامين بين الملك عبد الله الثاني وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
والسفير الكويتي النشط والخبير في عمان عزيزي الريحاني، يجتهد في إبلاغ من يتواصل معهم من الأردنيين بأن بلاده تراقب كل شيء، وستكون فيزيائياً آخر من يتخذ خطوة باتجاه التصعيد في رسالة تنسجم مع ما يطرحه الوزير الجبير بالسياق نفسه تحت عنوان عدم الاستعجال.
الأردن «كظم» -بسياسة عميقة- مشاعر القلق التي اعترت مؤسساته عندما أعلن المغرب عن التطبيع مع الإسرائيليين. فعلى المحك قفزت للذاكرة فوراً مسألة ملف القدس وسيناريوهات الوصاية الأردنية. وعلى المحك تطور لافت يعزز حضور إسرائيل بشكل منفرد في المنطقة، كما يقترح رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، على هامش حواريته مع «القدس العربي»، مشيراً إلى مشهد يحتاج إلى التعمق أكثر ليس فقط لأنه يخلط الأوراق ولكن أيضاً لأنه ينتج أعباء ومساحات فارغة في اتجاهات عدة.
وجد الأردن في الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حليفاً محتملاً لاحتضان خطة عمل ثلاثية مع الفلسطينيين ولأسباب لم تفهم بعد، مع أن السيسي قد يكون أول وأكثر زعيم عربي صفق للسلام الإبراهيمي ثم استقبل وزراء خارجية الأردن والسلطة أيمن الصفدي ورياض المالكي قبل ظهورهما مساء السبت برفقة المضيف المصري سامح شكري لإعلان التنسيق الثلاثي.
محور البيان الثلاثي الإعلامي كان يستند إلى مسألتين: الأولى هي دعم خيار حل الدولتين، والثانية البقاء في إطار خطة ثلاثية موحدة يفترض أن تصاغ في موقف ثلاثي يحاول الاستثمار في تراث الإدارة الأمريكي الجديدة برئاسة جو بايدن. تلك كانت، بكل حال، استراتيجية عمل أحادية لا مجال لتجاهلها، واقترحها محلل بارز على محور السلام والاعتدال العربي القديم من وزن عدنان أبو عودة، في ورقة عمل قال فيها بأن تجاوز كمين اليمين الإسرائيلي بدويلة فلسطينية أرخبيلية يتطلب وفوراً استراتيجية عمل فعالة باتجاهين، هما المزيد من التسويق الدولي لخيار حل الدولتين، والعمل على صمود الشعب الفلسطيني في أرضه. ولقاء القاهرة الثلاثي على نحو أو آخر يحاول وضع بروتوكول لذلك التسويق الذي يتحدث عنه أبو عودة. ولسبب ما لا يزال غامضاً، يحتضن السيسي هذا النشاط بعدما قابل الرئيس عباس.
لكن الجهد هنا يبدو لافتاً جداً للنظر أنه يتجه إلى مسرب بمعزل عن حملة شعلة السلام الإبراهيمي من العرب المتحمسين جداً للتطبيع وبصورة مبالغ فيها، بدأت تظهر بأن العقبة الأهم أمام إنعاش محور الاعتدال العربي القديم المتمثل بأول المطبعين في مصر والأردن والسلطة ستصبح قريباً محور الإفراط بالاعتدال والتطبيع المجاني تحت العنوان الإبراهيمي، وبصيغة تبدو لافتة جداً للنظر.
بمعنى أخير، وفي الخلاصة، يصبح لقاء القاهرة الثلاثي محاولة لرفع الصوت بالعودة إلى الأصول. لكنها محاولة مع جملة تكتيكية منضبطة تحاول اليوم إقناع دول عربية، وليس فقط الأمريكيين والإسرائيليين، بضبط الإيقاع ولو قليلاً لصالح عملية تطبيع تؤدي إلى عملية سلام جديدة منصفة بالحد الأدنى، حيث لا مبرر – برأي أردنيين وفلسطينيين – لبروز معسكرين للسلام بين الدول العربية يتنافسان في الاعتدال المفرط لا بل في تقديم التنازلات أيضاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى