اراء و مقالات

لغز التعديل التشريعي «السريع» في الأردن: إلى الإسلاميين… «المناكفة مستمرة»

عمان ـ «القدس العربي»: يمكن ببساطة التقاط ما هو جوهري في رسالة البيان الذي أصدره أكبر أحزاب المعارضة في الأردن، حزب جبهة العمل الإسلامي، في وقت متأخر مساء الأحد بخصوص جزئية تمرير تعديل القانون الجديد على التشريع الخاص بالانتخابات في البلاد.
ويمكن، بالمقابل، ملاحظة أن البيان صدر متأخراً نحو أسبوع على الأقل أو 6 أيام بدقة، على تصويت مجلس النواب لتمرير التعديل وبطريقة سريعة ومهرولة ودون إجراء أي مشاورات حول نص أساسي مرتبط بمسار التحديث السياسي، لا مع الرأي العام ولا حتى مع أحزاب المنظومة السياسية.
بكل حال، من حيث الشكل؛ مارس النواب صلاحياتهم الدستورية، فتقدم عدد منهم بمذكرة تنبه لوجود «خطأ» في التشريع الخاص بالانتخابات، وتقترح إصدار تشريع معدل. وسرعان ما تلقفت الحكومة هذه الفرصة، ودعمت الاتجاه نحو تعديل النص بعد سنتين تقريباً من إقراره، مع أن إقرار النصوص لهذا القانون تمّت في عملية فلترة وطنية غير مسبوقة ضمن لجنة ملكية عريضة، شارك ثلاثة من قادة حزب جبهة العمل الإسلامي في عضويتها.
النص يخص ما يسمى بـ «العتبة الانتخابية»، وهي تعبير عن عدد الأصوات التي يحق لأي قائمة في الانتخابات المحلية وليس في انتخابات القوائم الوطنية الحزبية المغلقة، الوصول إليها حتى يحتسب لها أحد المقاعد. وتأسس الانطباع مبكراً بأن الهدف من

«مناكفة الإسلاميين»

هذا التعديل هو معالجة خطأ كان يمكن أن يقتنصه التيار الإسلامي الذي صمت عن مثل هذا التعديل. وهو خطأ يسمح فقط بالمنافسة لأحزاب كبيرة في دوائر انتخابية محلية فيها مقعدان أو ثلاثة فقط، بمعنى أن بقاء العتبة -وهي سقف عدد الأصوات التي تدخل المنافسة، كما كان في الماضي- يخدم فرصة جمع المقاعد للحركة الإسلامية.
على الأقل، تفكر بعض أوساط القرار والنواب بهذه الطريقة، وهو أمر نفاه طبعاً رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، وهو يرد على القطب البرلماني الإسلامي صالح العرموطي عندما تحدث علناً عن عدم معقولية إجراء تعديل على نص قانون تشريع مهم مثل الانتخابات بهذه السرعة، مناكفة للإسلاميين فقط.
قال الصفدي وقتها إن الهدف من التشريع ليس حزب جبهة العمل الإسلامي، إنما خلق أرضية وإنتاج حالة تسمح بالتنافس والتعددية، وهي وجهة نظر يروجها المناصرون للتعديل الجديد وقابلة للنقاش.
ليس سراً في السياق، أن تخفيض نسبة عتبة الأصوات نحو 50% فجأة بالتأكيد يخدم فرص أحزاب وتيارات أخرى وتكتلات في المجتمع خارج نطاق مرشحي الحركة الإسلامية. وليس سراً أيضاً أن مرشحي الحركة الإسلامية في المدن والأطراف والمحافظات وفي بعض الدوائر المحلية هم فقط يستطيعون حسم مقعدين أو ثلاثة في دوائر لا يوجد فيها مقاعد كثيرة محلياً بعيداً عن القوائم الوطنية بحكم التاريخ والإمكانات وخزان الأصوات الذي يحتفظ به الإسلاميون.
ولذلك، سواء نفى الصفدي أو لم ينف، فالانطباع السياسي أن هذا التعديل جاء لاستدراك خطأ تورط به المشرعون في الماضي القريب، وكان يمكن أن يخدم التيار الإسلامي بتمكينه من اقتناص مقاعد مغلقة في الدوائر الفرعية المحلية وبكل بساطة.
وما سمح به التعديل التشريعي فتح الفرصة أكثر للإسلاميين ومنافسيهم، مع أن عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية الناشط الحزبي والبرلماني محمد الحجوج، كان قد اعتبر أن التعديل لا مبرر له ويمكن الاستغناء عنه؛ لأن اللجنة -كما شرح لـ«القدس العربي»- عندما قررت سقف وعتبة الأصوات التي تدخل أي قائمة فرعية بالمنافسة، أخذت بالاعتبار أن الأقوياء في المجتمع من المرشحين هم الذين سيتحالفون فيما بينهم وبصيغة تهمش من دور «الحشوات».
بكل حال، تم إقرار التعديل؛ لكن حزب جبهة العمل الإسلامي أصدر بياناً يخصه بعد ستة أيام، يقول فيه إن هذا التعديل يخالف منطق وجوهر ومضمون مسارات التحديث السياسي، ويشكل تراجعاً عنها، علماً بأن التعديل لا علاقة له إلا باستدراك خطأ تورطت به تلك المسارات، وكان يمكن أن يستفيد منه الإسلاميون.

الحجة والذريعة

اعتبر البيان هذا التعديل وبالشكل الذي أدير به بسرعة من خلال العلاقة بين مجلسي النواب والحكومة، أنه إشارة سلبية على جدية التعامل مع تشريع في غاية الأهمية مثل قانون الانتخاب، وإشارة سلبية على النكوص عن الالتزامات وضمانات مسارات التحديث السياسي، لا بل زاد في الحديث عن هذا التعديل وبهذه السرعة باعتباره محطة لا توحي بالثقة ومرتبطة بعدم وجود استقرار تشريعي في البلاد.
ولا أحد سيلتفت لاعتراضات الإسلاميين أو غيرهم، ومجلس الأعيان على الأرجح سيكمل النصاب القانوني لهذا النص المعدل قريباً وبأسرع الأوقات.
لكن الفكرة أن جهة ما وسط النواب تنبّهت إلى أن حضور الإسلاميين القوي في الدوائر المحلية الفرعية وليس فقط الحزبية، يمكن أن يمنحهم الأفضلية، وبسبب القدرة على تحقيق سقف عتبة انتخابية يصل إلى 2% من الأصوات المسجلة في كل دائرة.
ذلك امتياز تعرفه السلطات الخبيرة وغرف العمليات للإسلاميين حصراً، ولا تنافسهم فيه حتى أحزاب المنظومة الجديدة؛ ولذلك تقرر مسبقاً عدم الخوض بمجازفات وإجراء تعديلات تخفض سقف عتبة الأصوات، بحيث تتوفر الفرصة لتيارات حزبية واجتماعية أخرى لمنافسة الإسلاميين، خصوصاً في الدوائر التي يوجد فيها مقعدان أو ثلاثة. وهي الحجة والذريعة التي ناقشها بيان الحزب الإسلامي عندما عبر عن عدم قناعته بأن نص التعديل الجديد ينبغي أن يذهب باتجاه تقاسم المقاعد.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى