اراء و مقالات

الأردن: التحقيقات «تتوسع» مع الإسلاميين والجميع في انتظار «القرار السياسي»

«حظر نشر تفصيلي» في قضية «تصنيع الأسلحة»

عمان ـ «القدس العربي»: قرار محكمة أمن الدولة الأردنية التفصيلي حظر النشر في قضية «تصنيع الأسلحة» الشهيرة التي أنتجت أزمة حادة ومفتوحة مع الحركة الإسلامية، يوحي ضمناً بأن سياسة التحقيق القضائي ستكون دقيقة ومعزولة عن تسييس القضية قدر الإمكان، والحرص على فصلها أيضاً عن سياقات الرأي العام.
السلطات المختصة أبلغت مساء الثلاثاء، عبر هيئة الإعلام الحكومية، أن النشر محظور في كل ما يخص ملف القضية وجلسات المحاكمة إلى حين صدور قرار المحكمة، والإجراء يؤشر هنا على أن المحكمة قاربت على فتح ملفات القضية والتحقيق فيها والاستماع لبينات الادعاء والدفوعات والشهود، في واحدة من أضخم القضايا التي تعاملت معها الحكومة الأردنية في السنوات الأخيرة.
16 متهماً في تلك القضية جميعهم وصفهم الناطق الرسمي باسم الحكومة الوزير محمد المومني، بأنهم أعضاء في «جماعة غير مرخصة». ولاحقاً لتداعيات القضية، قررت وزارة الداخلية الاستناد إلى قرار محكمة صدر عام 2000 ويقضي بأن جماعة الإخوان المسلمين منحلة وتفقد شخصيتها القانونية، ما ساهم في إنتاج العديد من التداعيات.
ولاحظ المراقبون عموماً أن قرار السلطات المختصة بحظر النشر صدر للتأصيل عن المحكمة مباشرة منعاً للالتباس وتعدد التفسيرات، فيما لوحظ أن تفصيلات الحظر طالت جميع وسائل الإعلام بكل أصنافها المرئية والمسموعة والمكتوبة وأيضاً منصات التواصل الاجتماعي، تحت طائلة المساءلة القانونية.
الإجراء واضح في أهدافه المباشرة حرصاً على سلامة إجراءات التحقيق، والمحكمة تريد وزن البينات ضمن مسار التحقيق بدون تأثيرات جانبية وفي إطار المسطرة القانونية، نظراً لأهمية القضية وحجم النقاش والجدل العام بخصوصها.
وملف القضية أعقبته العديد من الإجراءات السياسية التي أنهت عقوداً من العلاقة مع الجسم غير القانوني -حسب الحكومة- لحركة الإخوان المسلمين، وسط مخاوف وتساؤلات عن امتداد موجات التأثير للملف، إلى حزب جبهة العمل الإسلامي أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، ويستقر في مجلس النواب بكتلة وازنة قوامها 31 نائباً.
الحزب دخل في حالة اشتباك صامت مع القضية، وتوقف نوابه عن التطرق لها، وهاجمت كتل برلمانية موقفه، وطالب نواب بالبحث عن أواصر العلاقة بين الحزب والجماعة المحظورة في جلسة برلمانية ساخنة تخللها تبادل اتهامات بين بعض النواب. ورئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، صرح بأنه لا معارضة بعد الآن تحت قبة البرلمان.
وفقاً لتوقعات النائب النشط عبد الناصر الخصاونة، التي رددها على مسامع «القدس العربي»، لا يزال الجزء المختص بتأثيرات ما حصل على الوضع الكتلوي في عمق مجلس النواب، في مستوى التفاعل والنقاش. وبعيداً عن التحقيقات لدى القضاء المستقل لا تزال كل الاحتمالات واردة، فيما تحاول بقية الكتل البرلمانية التابعة للأحزاب الوسطية تحديد موقفها وموقعها من مسار التداعيات المتوقعة.

«حظر نشر تفصيلي» في قضية «تصنيع الأسلحة»

تجمع السلطات في المقابل أكبر قاعدة ممكنة من الوقائع والوثائق والبينات، وبدا خلال الأيام القليلة الماضية أن التحقيقات مفتوحة وتتجاوز البعد الأمني في ملف تصنيع الأسلحة، وتتجه نحو مساحات إدارية وسياسية وقانونية ومالية لها علاقة بأبرز تعبيرات الإسلام السياسي، وسط قناعة كبار الساسة المراقبين بأن عملية التوسع في التحقيقات وجمع المعطيات مفيدة للقرار السياسي لاحقاً، وتدفع في اتجاه رسم وتحديد الخطوة التالية في ضوء القانون، حيث يتحدث الصفدي لـ»لقدس العربي» عن «هيبة القانون ودولة المؤسسات». والمفهوم سياقاً أن توفير قاعدة أعرض من التحقيقات بالكثير من المخالفات القانونية سواء داخل الحزب أو داخل الجماعة بعيداً عن المسار الأمني بعدما تولاه القضاء، إنما يدفع في اتجاه تقديم رواية مستقرة ومقنعة أكثر لكل ما يحصل أمام الرأي العام والشارع بعد بروز موجات وتعليقات تبرير، وأحياناً تشكيك، عبر منصات التواصل الاجتماعي، وبعد جلسة برلمانية صاخبة لم تكن موفقة في نتائجها، وإن كانت أظهرت مجلس النواب مع خيارات الدولة على المستوى الضيق.
بعد الاستكشافات والتقييمات، يفترض أن تبرمج الخطوات السياسية اللاحقة بصيغة تبقي الملفات كلها بخصوص الحركة الإسلامية وما سيحصل لاحقاً مع تعبيرات المؤسسية، ملفات واضحة وملموسة وفي ظل الإطار القانوني، وفقاً لما يؤكده اليوم نخبة من كبار المسؤولين.
المزيد من التفاصيل تظهر بين الحين والآخر، وبعض التحقيقات تجري حكومياً بعيداً عن الأضواء، والاشتباك مع أبرز تيار سياسي وشعبوي في البلاد قد يؤدي أيضاً إلى تعديلات وتغييرات في هيكل بعض المؤسسات، وقد يؤثر على مستقبل البرلمان وتركيبته وأيضاً على تركيبة الحكومة ومجلس الوزراء، ويفترض أن يعيد لمسرح القرار الحكومي «شخصيات قوية وصلبة» جداً في المرحلة اللاحقة لا تخشى المواجهة مع الإسلاميين، دون إسقاط أولويات الاهتمام بمسارات التحديث السياسي.
وتصدرت توجهات وقرارات تؤسس لضمانات مريحة على المستوى الشعبي فيما يتعلق بالتداعيات، ولعل أبرزها الإعلان مجدداً أمنياً عن توقيف مسؤولين عن حسابات تواصلية ناشطة في بث الكراهية خلافاً للتأكيد مرجعياً في آخر لقاء مع مسؤولين كبار في الحكومة على مسار التحديث الاقتصادي في البلاد.
التحقيقات المفتوحة قد تؤدي إلى مفاجآت أو قد تنتهي بحصر القضية واحتوائها، لكن السلطات لا تبدو مستعجلة في الحرص على مسطرة القانون، وتميل إلى وقف حالة التوصل إلى استنتاجات متسرعة حرصاً على سلامة الإجراءات والتحقيقات؛ ما يبرر عملياً قرار حظر النشر التفصيلي المصوغ بعناية تفصيلية لتقليص مساحة الاجتهاد.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading