اراء و مقالات

خلاصة «رسائل» الأمن القومي الأردني: سيناريو النأي بالنفس بين «تعريف المجرم» وتصفيق الشارع لـ «صواريخ البعبع»

عمان- «القدس العربي»: خلاصة الاجتماع المنعقد في عمان، السبت، تحت لافتة «مجلس الأمن القومي» الأردني، يمكن تكثيفها سياسياً وإعلامياً في 3 رسائل مرجعية وسيادية، تشرح «سردية الاردن» والزاوية التي تقرأ من خلالها تطورات المشهد العسكري بين إيران وإسرائيل.
الرسالة الأولى عبر عنها عاهل البلاد شخصياً الملك عبد الله الثاني، وهو يوجه اللوم بصراحة لإسرائيل ويحملها مسؤولية التصعيد العسكري والاعتداء على إيران، ثم ينتقل الأردن بخطابه الرسمي هنا إلى تفصيلة أهم تتمثل في الاتجاه وبكثافة بعد «إدانة إسرائيل صراحة»، إلى العمل وبنشاط على «تخفيض التصعيد وبأسرع وقت».
هنا لاحظ الجميع بأن وزير الخارجية النشط أيمن الصفدي، تحدث مع أكثر من 24 وزير خارجية عربياً وأجنبياً على الأقل في إطار دعوات خفض التصعيد حتى لا تتورط المنطقة بـ «الحرب المفتوحة».
ونشاط الوزير الصفدي، ينسجم مع «التوجيهات العليا» والمرجعية التي نوقشت أيضاً في مجلس الأمن القومي قبل ظهور الرسالة السياسية الثانية لإيران تحديداً وجزئياً للرأي العام المحلي بعنوان «الحياد العملياتي والجغرافي» واتباع سياسة «النأي بالنفس» عن الصراع لوجستياً مع الحرص على «مجاملة» طهران بعبارات تقول بوضوح إن الأردن يدين العدوان الإسرائيلي ويصنف بأن إسرائيل هي التي خالفت القانون الدولي في صيغة تقترب مما سمعته «القدس العربي» من الخبير القانوني الدولي أنيس القاسم، عن قاعدة «شرعية الرد» بعد «اعتداء يخالف القوانين».
في التعبير السياسي للموقف الأردني اتجهت عمان إلى منطقة واسعة في التنديد باستفزازات وعدوانات إسرائيل.
وباتت القناعة أكبر وسط سياسيين أردنيين وأحياناً وسط مراكز صنع القرار، بأن هدف إسرائيل هو فتح جبهة لحرب إقليمية كبيرة وواسعة تتورط فيها الولايات المتحدة، وهدفها النهائي حسم الصراع في فلسطين المحتلة.
يقول الساسة الأردنيون المقربون بقراءة تشير إلى حرب بدأها بضوء أخضر الرئيس دونالد ترامب، بجهل، ولا يملك مفتاح إيقافها، وبقراءة موازية تتحدث عن دخول مربك ولا يستهان به على الخط لدولة نووية مثل الباكستان شكلت رادعاً قوياً خلف الستائر أمام أي هجوم نووي حاسم إسرائيلياً على إيران.
التقديرات الأردنية المغلقة أقرب إلى توقعات بأن تغرق المنطقة بممرات ظلام استراتيجية في حال السماح لليمين الإسرائيلي بإكمال مشروعه التصعيدي ضد إيران، ما يستلزم تحركاً سريعاً من الجميع، وفقاً للمعادلة التي وردت في خطاب ملكي أردني مباشر على هامش اجتماعات الأمن القومي.
وعليه، تبرز الرسالة الثالثة في سياق المشهد، وهي تلك التي تختص بتجهيز سيكولوجيا الشارع الأردني لأحداث قد تصبح درامية أكثر لاحقاً على المستوى الإقليمي، وسط وضع معقد فلسطينياً وإقليمياً وعربياً واقتصادياً، فيما تكشف الملابسات والخيوط جميعها أن عمان في الواقع خارج نطاق التأثير في القرارين الأمريكي والإسرائيلي مرحلياً، وهوامش المناورة في التأثير بمجريات المواجهة مع الإيرانيين بات في أضيق الزوايا.
في معادلة الجاهزية المحلية خطاب ملكي مباشر على هامش تقييمات الأمن القومي يأمر الحكومة بالعمل على جاهزية الربط والتنسيق بين جميع مؤسسات الدولة بما يضمن العبور الآمن من الأحداث الحالية وحصر واحتواء الآثار، وبما يضمن أيضاً لأول مرة تفعيل إجراءات الحرص على سلامة المواطنين ودفعهم إلى تلقي الإرشادات للتعامل مع الأجسام الطائرة ومسارات الحدث.
التركيز على التوصية الأخيرة مرجعياً يعني وجود ملاحظات بأن الحكومة لا تقوم بواجبها بالصورة الواجبة، بدلالة بروز صعوبات التفريق بين الإجراء اللوجستي على الأرض الأردنية باعتباره لازمة وضرورة أمنية، وبين توقعات ومشاعر المواطنين التي يخفق الإعلام الرسمي في احتوائها وهي تبتهج بالصواريخ الإيرانية لا بل تترقبها وهي تعبر لضرب الكيان الإسرائيلي.
الحكومة الأردنية تخفق إعلامياً في تخفيف مؤشرات الاحتفاء الشعبي المفهوم بالصواريخ الإيرانية، لكن المسار السيادي في الدولة يحافظ على معادلة «الحياد العملياتي والجغرافي» بطريقة لافتة وواضحة وفنية لا يمكن إنكارها، وإن كانت تثير بعض التساؤلات السياسية خصوصاً على المستوى الشعبي أو حتى الشعبوي.
كرر ملك الأردن مجدداً أمس الأول، أن أولوية بلاده حماية وتأمين الوطن والمواطن، وأن بلاده «لن تسمح» بأن تتحول إلى مسرح صراع عسكري بين كل الأطراف.
والمعادلة الأخيرة في الحياد العملياتي والحرص على اعتزال الصراع مع توجيه جملة انتقادية حادة لإسرائيل وتفهم التعاطي مع إيران كضحية مستهدفة، هي الإطار ثلاثي الزوايا الظاهر للعيان في استراتيجية التعاطي الأردني مع الحدث.
في الزاوية الأولى، يتلمس الأردن مسبقاً أن يتضح للطرف الإيراني بأن كلفة الحياد العملياتي؛ بمعنى منع إسرائيل من استعمال المجال الجوي الأردني وبصلابة، هي حصراً التدخل عبر الدفاع الجوي لإسقاط ما يمكن إسقاطه من مسيرات وصواريخ عابرة من إيران أو غيرها، باعتبارها أجساماً طائرة تخترق المجال الأردني بصورة غير مسموح بها.
في الزاوية الثانية، تقول عمان إن الحرب تتحمل إسرائيل مسؤوليتها بجرأة لا تطابق العديد من الدول العربية، لا بل تعتبر إسرائيل بالنص الصريح الطرف المعتدي، ما ساهم في تواصل هاتفي من وزير الخارجية الإيراني يعبر فيه عن الشكر للموقف الرسمي الأردني.
وفي الزاوية الثالثة، التحرك وبسرعة وإصرار على فتح ثغرة تسمح بفلسفة «خفض التصعيد».
تلك عملياً زوايا الاشتباك الأردني مع تطورات الحدث على المستوى السياسي والإقليمي.
لكن بالتوازي على المستوى المحلي، لم تصل سردية التصدي للأجسام الطائرة بعد إلى وجدان الجمهور وسط حالة دعائية مضادة تشكلت لتشويه الموقف الأردني، وزاد تأثيرها في الواقع بسبب صعوبة إقناع الرأي العام ليس باحتياجات «الحياد العملياتي» ولكن بالطرق العملياتية والفنية المهنية البحتة التي تستطيع العسكرية السلطات عبرها في غرف العمليات والخبرة، تحديد متى تسقط جسماً طائراً وأين وفي أي مرحلة؟
طبعاً، تلك أسئلة لا يمكن القول إنها من حقوق العامة، وتتطلب الغرق في التفصيل، لكن الرواية الرسمية يخفق الإعلام المتشبك بإيصالها وعكسها؛ لأن الشارع الأردني في الواقع لم يسمع بعد لوسائل الإعلام الوطني، وهي تجيبه على السؤال التالي: ما كلفة اتباع سياسات عملياتية أقل تساهلاً في مواجهة رغبة شعبوية بأن يسمح للصواريخ الإيرانية بالعبور فوق الأردنيين؟
السؤال الأخير لا ينبغي -سياسياً- طرحه أصلاً، والسلطات في المسألة الإيرانية تعرف هوية المجرم والمعتدي ومن وضع الجغرافيا الأردنية عموماً وسط «تقاطعات سيادية»، والآن عسكرية واستراتيجية، ألا وهو «الشريك الإسرائيلي» وليس «البعبع الإيراني»… تلك أصبحت حقيقة متفقاً عليها ومن الصعب إنكارها، ولا تقود لأي استنتاج يعاكس حقوق الدولة الأردنية في التموقع رغم كل التشكيك الموسمي في مساحة عملياتية تعزل البلاد والعباد عن صراع الأجندتين.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading