اراء و مقالات

أزمة «السردية الأردنية» والحرب الأخيرة: لا «ديجتال» ولا «ديناصورات»… لا أحزاب ولا نقابات… أين الجميع؟

عمان ـ «القدس العربي»: لا تقف الشكوى ولا يقف معها التذمر عند حدود المواطنين في الرأي العام الأردني فقط عندما يتعلق الأمر بفراغ الرواية الرسمية وبالشعور العام المرتبط بعدم وجود حوار وطني حقيقي في لحظة أزمة وحرب تتأثر بها البلاد بين إسرائيل وإيران.
مستويات التأثر وصلت إلى حد أن الأردنيين في ضاحية أم أذينة الراقية غربي العاصمة عمان، يشاهدون بأعينهم طائرة مسيرة وهي تنفجر في باحة أحد المخازن، فيما مشاهد سقوط المقذوفات والشظايا دخلت في المألوف الشعبوي المحلي بدون خوف أو تردد، لا بل بترحيب شديد بأي صواريخ قد تضرب الكيان.
رغم أجواء الحرب ورغم الإعلان عن إغلاق الأجواء الأردنية في بداية المعركة والتصعيد العسكري، ثم رغم تطبيق قواعد الاشتباك في الدفاع الجوي تحت عنوان النأي بالنفس والحياد العملياتي، فإن الشروحات في الرواية الحكومية تحديداً تغيب.
لا لقاءات مع رموز القطاع الخاص أو رموز النقابات المهنية أو الأحزاب السياسية، لا على مستوى رئيس الوزراء ولا على مستوى غيره من المسؤولين في الأطقم الاقتصادية للحكومة. ولا ندوات عقدت، ولا شروحات قدمت، ولا محاولات لتجنيد نخب الواقع السياسي الموضوعي وراء الرواية الأصولية والرسمية لمسارات الأحداث.

القراءة الوحيدة

القراءة الوحيدة ذات المضمون العميق هي تلك التي قيلت في أحد الاجتماعات خلف الستائر والكواليس في المقرات السيادية تحت عناوين محددة، تثبت بأن المؤسسة المرجعية تقرأ مسار الأحداث كما ينبغي. وهي الرواية التي تقول بأن بنيامين نتنياهو افتعل التصعيد العسكري مع إيران في إطار مؤامرة من اليمين الإسرائيلي لإحباط مشروع شهر تموز القائل بتراكم الاعتراف ضمن هندسة عكسية للدولة الفلسطينية. وتقول بأن مغامرة نتنياهو واليمين في طهران قد تعقبها مغامرة أخرى في العراق وبغداد تخلط الأوراق والاعتبارات، والدول الأوروبية قد تكون الوحيدة الآن التي يمكن العمل معها لتغيير وقائع الأمر ومنع حالة التصعيد من الامتداد، والمساس بأمن واستقرار الإقليم والمنطقة.
دون ذلك، وسائل الإعلام الرسمي تضرب بالطبل فقط، وما يتخصص به الإعلاميون الذين يمثلون الولاء والسلطات والحكومة هو فقط الهجوم والنقد على من يخالفون الأردن الرسمي في الرأي والملاحظة والتركيز على بعض وسائل الإعلام الخارجية التي تحترف تشويه المواقف الأردنية.
عملياً، لا توجد عملية حشد جماعية للرأي العام الوطني. ولم ترصد اجتماعات مع لجان الشئون الخارجية والحكومة في مجلسي الأعيان والنواب، وتغيبت الاستشارات عن مراكز الدراسات الاستراتيجية حتى تلك التي تمولها الخزينة، ولم يظهر أي تأثير في التحدث للناس لطبقة الأكاديميين ولا لطبقة كبار السياسيين؛ لا الموصوفين بالديناصورات ولا الحداثيين جماعة «الديجتال»، أو الخواجات، كما يصفهم السياسي الدكتور ممدوح العبادي.
لا يبدو أن الحكومة حالياً في تركيبتها القائمة معنية أصلاً بإقناع المجتمع أو بحشد الأردنيين خلف قرار وبوصلة مؤسساتهم. غياب السردية الوطنية العامة هنا مسألة يلاحظها الجميع، ولا يشتكي منها الرأي العام فقط. المجتمع الأكاديمي في الجامعات يشتكي أيضاً، وأعضاء في مجلس تشريعية قالوا أو ذكروا في اجتماعات مغلقة مؤخراً بأن أحداً في مستويات القرار التنفيذي قد تحدث معهم.
المعطيات المعلوماتية يسيرة وقليلة، ومجلس النواب في عطلة دستورية، ومجلس وزراء منشغل بأجنداته اليومية، والإعلام الرسمي لا يخوض إلا معركتين الآن هما «الرد على التشكيك وشيطنة النوايا الإيرانية»، مع أن التشكيك محدود ويخضع للتضخيم، فيما الموقف الرسمي المرجعي علني، وهو يعتبر إسرائيل هي المعتدي، وإيران الضحية.
وفي المقابل، لا جهد «بيروقراطي» للحد من تسريبات الكراهية التي رافقت الحرب على مستوى التواصل الاجتماعي داخلياً، فيما ينام وقد يغفو قليلاً قانون الجرائم الإلكترونية مرحلياً عن إساءات ونزعات انقسامية، وثمة تعليقات كراهية بالجملة تصدرت على هامش الحرب الأخيرة التي فرضت على كل دول المنطقة.

تراكم الانطباعات

الشكوى غير مقتصرة على المسار الشعبي هنا، لا بل طالت الأطر النخبوية بامتياز. والانطباعات تتراكم بأن غياب الرواية الرسمية الأصولية الحقيقية المقنعة والمؤثرة يضرب مجدداً في الواقع الموضوعي شعبياً وإعلامياً. والملف الإعلامي لا يزال متروكاً بدون اجتماعات، والرهانات على الطاقم الوزاري تبدو صعبة ومعقدة؛ لأن مجلس الوزراء على الأرجح لا يملك معلومات يتحدث انطلاقاً منها أو انعكاساً لها مع المجتمع والقطاعات. وحده مجدداً وزير الخارجية أيمن الصفدي، كلف بشرح بعض الأمور بمعنى شرح وجهة النظر الرسمية من مسارات الصدام والحرب والاحتمالات.
لكن الوزير مشغول أغلب وقته في اجتماعات خارجية، ولا أحد يتحدث مع الرأي العام والجمهور، ولا مع المؤسسات الدستورية، ولا حتى مع الأوساط والصالونات السياسية؛ وهو ما راكم في مساحة الاجتهادات وسمح للتشكيك أحياناً بالتسلل إلى بنية الرواية الرسمية والحواضن الاجتماعية. ذلك السياق عموماً ساهم في توسيع قاعدة أنصار الرواية الإيرانية في المجتمع الأردني كما لم يحصل من قبل، خصوصاً أن القناعة نخبوياً راسخة بأن تمكن إسرائيل اليمينية من حسم المعركة الحالية مع إيران الطامحة والطامعة قد يؤذي مصالح الأردنيين، كما يرجح العبادي وغيره. وقد ينتهي بمشاريع اليمين الإسرائيلية المعروفة على مستوى حسم وتصفية القضية الفلسطينية، خصوصاً على حساب الأردن؛ حيث مخاطر التهجير وضم الضفة الغربية وقطاع غزة، وحتى منطقة الأغوار، بما يعتبر حالة اشتباك متقدمة ضد مصالح الأردن.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading